إعلام مصري حر

الشركة المتحدة التي تملك غالبية وسائل الإعلام في مصر (منصات التواصل)

ما ينقص الإعلام المصري الكثير.

والكثير هنا يعني الحرية.

بأحاديث متواترة في الوسط الصحفي والإعلامي عن تغييرات جرت أخيرًا وطالت عددًا من القيادات التي تدير الإعلام، سيطر على المشهد ما يشبه الارتباك!

الشفافية المفقودة في المجال العام منذ سنوات أسهمت في صنع حالة من الغموض، وحالت دون فهم تفاصيل ما جرى وما سيجري.

بأغلبية مؤسساته تقود الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الإعلام المصري منذ سنوات عدة.

حضرت الإمكانات المادية والبشرية في مشهد الإعلام وغابت الحرية.

قبل أن تتضح صورة القادم، وعلى بُعد خطوات من مشهد إعلامي يجري رسمه في الغرف الرسمية، وجب التأكيد أن كل محاولات تغيير أو تعديل المشهد الإعلامي إذا لم يسبقه تحرير الصحافة والإعلام من القيود، ورفع الحصار عنهما، وتفعيل النصوص الدستورية التي تضمن حرية العمل الصحفي والإعلامي لا يُعوَّل عليها، ولن تتجاوز حدود التغييرات الشكلية التي لا تصل إلى جوهر المشكلة وجذورها.

الشركة المتحدة والإعلام

بعد عام 2013، ركزت السلطة مع الإعلام، واتخذت قرارها بوضع يدها على هذا الملف الذي تعاملت معه طوال الوقت باعتباره “خطرًا” وإزعاجًا يجب أن يخضع للسيطرة.

تدخلت أجهزة ومؤسسات بالدولة في كل التفاصيل الخاصة بالعمل الصحفي والإعلامي.

تضاءلت هوامش الحرية المتاحة بدرجة غير مسبوقة حتى كادت تتلاشى.

في عام 2016، ظهرت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتكون المشرف الفعلي والمالك الحقيقي لغالبية الوسائل والمؤسسات الصحفية والإعلامية.

خلال أعوام قليلة، استحوذت الشركة على الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية بدرجة كبيرة، امتلكت صحف الدستور والوطن وصوت الأمة واليوم السابع وأموال الغد، واستحوذت على قنوات سي بي سي وإكسترا نيوز والقاهرة الإخبارية وأون والمحور ودي إم سي والحياة وغيرها.

تكدَّس كل شيء يخص الإعلام في جعبة الشركة المالكة، وغابت الحرية وتراجع التنوع إلى أقصى درجاته.

هذه قصة قصيرة تحكي مساحة الأزمة باختصار.

فلا صحافة أو إعلام بلا حرية.

غاب العنصر الأهم عن المشهد، تراجعت الحرية التي بوجودها فقط يمكن التفرقة بين الصحافة والعلاقات العامة.

في كل جهد يقفز حول المشكلة الأساسية للإعلام تعقيد جديد للأزمة، فلن يجدي تجاهل حقيقة ساطعة أثبتتها الأيام، وهي أن نجاح أي تجربة إعلامية مرهون بقدرتها على الحرية والتنوع، والتعبير عن المجتمع باتجاهاته وأصواته وأزماته وقواه الاجتماعية والحية.

من جديد: أي تقدُّم في المشهد الإعلامي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحرية والتعددية والتنوع.

نقابة الصحفيين والحريات

منذ مارس/آذار عام 2023، صعد إلى مقاعد مجلس نقابة الصحفيين نقيب جديد بمجلس يؤمن غالبيته بضرورة توسيع هامش الحريات الصحفية والإعلامية.

لنحو عامين أدى مجلس النقابة الحالي دورًا جيدًا في تخفيف القيود التي تحاصر المهنة، اشتبك مع قضايا الحريات الصحفية بدرجة كانت غائبة منذ سنوات، فتح قنوات اتصال مع كل المعنيين بالصحافة في مصر، تفاوض لمرات على أهمية تحرير الصحافة من الحصار ، وظهرت لجنة الحريات في النقابة بتأثيرها المهم تمارس ضغوطًا نقابية من أجل مشهد صحفي وإعلامي أكثر حرية وتنوعًا، وحقق المجلس نجاحًا جيدًا في إطلاق سراح عدد من الصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا النشر والرأي، والتقليل من الملاحقات القانونية التي كان الصحفيون يتعرضون لها بمعدل كبير للغاية.

في تاريخ النقابة العريقة معارك متعددة دفاعًا عن الصحافة وحريتها ضد سلاسل متشابكة وضعتها الأنظمة السياسية المختلفة حول جسد مهنة لم تستسلم يومًا.

بإيمان لم ينقطع يومًا بأهمية الصحافة الحرة، ظل العاملون في مهنة البحث عن المتاعب على مدار التاريخ الحديث في حالة من الشد والجذب مع مختلف الإدارات التي فرضت القيود، ليظل الصحفيون يكتبون الحقائق بأقلام من الشجاعة والخوف معًا.

هي المرة الأولى منذ سنوات التي تظهر فيها قضية حرية الصحافة على أجندة مجلس النقابة واحدة من أهم قضايا المهنة التي تعاني بقسوة من الحصار.

بإدراك ذكي لقيمة ومعنى الصحافة المتحررة من الخوف، فتح مجلس نقابة الصحفيين الملف المغلق، وما زال يحاول أن يحقق نجاحًا يليق بقيمة هذه القضية الكبرى، يفعل ذلك وهو يعلم صعوبة المناخ العام الذي يعمل فيه، وطبيعة السلطة الحالية لا سيما في ملف الحريات العامة الذي تخشاه.

وفي الطريق نحو الحرية المستحقة معارك وشد وجذب ونضال طويل آخر، وإيمان بأن الصحافة في جوهرها هي دعوة إلى الحرية.

مؤتمر الصحفيين السادس

في منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل وعلى مدى ثلاثة أيام، يبدأ المؤتمر السادس للصحفيين الذي تنظمه النقابة.

تحتل قضية حرية الصحافة مكانة مهمة في جلسات المؤتمر ومناقشاته.

لجنة الحريات والتشريعات التي شكَّلها مجلس النقابة منذ بضعة أشهر تحمل في جعبتها قضايا حرية النشر والإصدار، ونصوص القوانين التي تفرض قيودًا على المهنة، والتعديلات المطلوبة في تلك التشريعات، وفي المناخ العام من أجل صحافة حرة تستحقها مصر.

سيناقش الصحفيون بشكل رسمي، وفي مبنى نقابتهم للمرة الأولى منذ سنوات، تأثير الحصار الكبير المفروض على الصحافة طوال سنوات مضت على واقع المهنة ومستقبلها.

هي خطوة إلى الأمام نحو تراكم مطلوب يعيد إلى الصحافة قدرتها على الفعل والتأثير، وابتكار لسبل مهمة ومطلوبة على درب إنقاذ مهنة الصحافة التي تعاني أوضاعًا صعبة، وإصرارًا من أهل المهنة على أن تظل الكلمة الحرة حية ونابضة.

في الحوار بشأن حرية الصحافة خلال المؤتمر مكسب مهم، وفي توصيات واضحة تصدر عن المؤتمر تكليف جديد لمجلس النقابة بمواصلة الحوار والضغط لفك القيود.

أدرك الصحفيون فداحة الأضرار التي سبَّبها غياب الصحافة الحرة، فقرروا أن تشغل هذه القضية مساحة لائقة على أجندة مؤتمرهم القادم.

هو تحرك جديد على طريق شاق، يبدأ في ديسمبر المقبل بشعار حاسم: لا صحافة بدون حرية، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان