مصر.. مشاهد عابرة من يوميات أزمات الحياة!
ركبت “ميني باص” (حافلة صغيرة) لنقل الركاب داخل القاهرة، دفعت 14 جنيهًا ثمن التذكرة الموحَّدة، قبل 4 أشهر كانت 7 جنيهات.
هذه الزيادات المتتالية بسبب رفع الأسعار المتواصل للبنزين والسولار رغم انخفاض أسعار النفط الخام، ورغم أن أسعار الطاقة في بلدان رأسمالية، وبلدان تخلو من مصادر الطاقة، أقل من مصر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسقوط “زعيم الشبيحة”.. هل من متعظ؟
ثورة سوريا… بين هروب الأسد وظهور الضباع
الثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
كنت أركب الـ”ميني باص” بجنيه، وحتى وقت قريب كانت أجرته 3 جنيهات، وكنا نستكثرها.
التذكرة في “باصات” (حافلات) النقل العام بـ8 جنيهات، وفي المكيَّفة 15 و20 جنيهًا، تذكرة هذا “الباص” كانت بخمسة قروش، والزيادات كانت حنونة، وعلى فترات متباعدة، وليس كما بهذه المرحلة ننام فيها على أسعار، ونستيقظ على أضعافها.
ولمّا سيَّرت هيئة النقل العام “باصًا” لونه أزرق، كانت تذكرته بـ20 قرشًا، وأثار ذلك استهجان مرتادي “باصات” هذه الهيئة الحكومية التي أنشئت لتكون أجرة الركوب فيها مناسبة للشرائح الاجتماعية المتوسطة والمحدودة الدخل، وهى الفئات الغالبة في مصر، اليوم تسعى الهيئة للربح على حساب دورها الاجتماعي، ومنافسة النقل الخاص (الميكروباص).
مواصلات مكلفة جدًّا
التنقل داخل القاهرة، وإليها من المحافظات، والعكس، صار مُكلفًا، وهو بحاجة إلى موازنة خاصة لمن يتحرك يوميًّا بين أحياء العاصمة، أو من قرى ومدن المحافظات القريبة إليها ذهابًا وإيابًا.
هناك انقلاب حقيقي في تكلفة كل شيء دون استثناء، حتى في ثمن رباط الحذاء، وفي الماضي القريب لم يكن أحد ينشغل بتكلفة التنقل حتى لو استخدم “تاكسيًا” خاصًّا، اليوم صارت عبئًا، ففي يوم ما دفعت 3 جنيهات لمشوار من شارع الأزهر حتى عمق حي المهندسين، وكان السائق ممتنًا، قد تدفع 100 جنيه الآن.
أين البيض التركي؟
اشتريت طبق بيض بـ165 جنيهًا، لم أجد البيض التركي المستورد بـ150 جنيهًا، أو كان يجب الذهاب إلى الأماكن التي تُسوّقه، ولا أعلم أين هي؟ وبالتالي كنت سأتحمل تكلفة إضافية في رحلة البحث عنه قد تجعل ثمن الطبق يقترب من 200 جنيه.
وقد جرى حديث عن البيض مع صاحب مخبز أتعامل منه، فقال متحسرًا إن والدته كانت تبتاع 4 بيضات بجنيه واحد، أي 25 قرشًا للبيضة، في وقت قريب كانت بقروش أقل من ذلك، البيضة اليوم من التركي بـ5 جنيهات، والمحلي تقارب 6 جنيهات، البيض أصبح خارج مقدرة كثير من الأسر بينما في السابق كان بروتينًا رخيصًا مقدورًا عليه بديلًا عن اللحوم والدواجن.
أزمة الأعلاف والدواجن
ومن المؤلم أن يكون حل أزمة البيض بالاستيراد، مصر لا ينبغي أن تعاني من نقص إنتاج البيض والدواجن، هى لها ميزة نسبية في هذا القطاع، ففيها عدد كبير من مزارع تربية الدواجن، وإنتاجها كان يغطي السوق المحلية، ودائمًا كانت الفراخ البيضاء متوفرة وبكثرة وبأسعار رخيصة، وهذا كان يضغط على أسعار اللحوم الحمراء ويجعلها تنخفض.
لكن أزمة نقص الأعلاف بسبب ندرة الدولار للاستيراد تسببت في غلق مزارع وإعدام كتاكيت، وأثّرت في هذا الرافد الإنتاجي، مثلما تأثرت كل روافد الإنتاج السلعي والخدمي.
قبل مدة ركبت “توك توك” (مركبة نارية ذات ثلاث عجلات)، هيئة السائق كانت لافتة، علمت منه أنه يمتلك مزرعة دواجن، لكنه أغلقها حيث لا يجد الأعلاف، بجانب الارتفاع المستمر في سعره، ولم يجد أمامه سوى الـ”توك توك” للإنفاق على بيته.
لم تكن ربّة المنزل تحمل هم “الطبخة” كما هو اليوم، عندما تكون في حيرة فإنها تشتري دجاجة بيضاء، وتطبخ معها الأرز وأي نوع من الخضروات الطازجة أو البقوليات الجافة (لوبيا، فاصوليا).
لم تعد ربّة المنزل في رفاهية الاختيار، وأيضًا ليس لديها رفاهية إعداد وجبة مثل هذه بسهولة، فهي بحاجة إلى نحو 300 جنيه لـ”طبخة” من الدجاج والأرز، وإذا كانت وجبة غداء أو عشاء فإن الأوعية ستصير فارغة بعد غرف ما فيها من طعام يكفي بالكاد عائلة متوسط العدد.
رغيف بحجم “قرص فلافل”
قلت لصاحب المخبز: أعطني خبزًا، فقال: ليس عندي أرغفة إلا من هذا الوزن، نظرت وتحسرت، حجم الرغيف ضئيل يعادل حجم “قرص فلافل” أيام السخاء والحنان الحقيقي.
إذا أعطيت طفلًا تم فطامه رغيفًا منه فسيستصغره، فما بالكم بطفل أكول أو شاب يدرس أو رجل عائد من عمله؟ كم رغيفًا سيكون بحاجة إليها حتى يسد رمقه؟ خاصة إذا كان خبزًا فقط مع قطعة جبن أو طبق فول أو حبات فلافل مثلًا، وكم سيحتاج من هذا “الغموس” إذا علمنا أن قرص الفلافل الصغير بجنيه، والمتوسط بجنيهين، ومغرفة الفول بخمسة جنيهات، وقطعة الجبن العادي لا تقل عن عشرين جنيهًا.
لمّا وجدني صاحب المخبز في حالة اندهاش، تحدَّث عن سعر جوال الدقيق وطن الدقيق الذي لم يكن أحد يتوقع أن يبلغ رقماً فلكيًّا، بعكس فترات قريبة كان الدقيق متوفرًا، وأسعاره معقولة، ولهذا كان وزن الرغيف جيدًا، وسعره في متناول الجميع، وكان المخبز يكسب.
الأرغفة الستة من هذا الحجم بخمسة جنيهات، ثمن الرغيف -وهو عبارة عن لقمة أو قطمة واحدة- 85 قرشًا، تذكرت الرغيف حينما كان بخمسة قروش، تأكله فتشبع، وإذا أردت المزيد فإن رغيفًا إضافيًّا يكفي.
طامة الأدوية
لن أتحدث عن أسعار الأدوية فهى طامة حقيقية، عبء المرض اليوم صار أشد وطأة من قرصة الجوع، لقيمات “ولو حاف” تسد الرمق، لكن ماذا عن تكلفة الكشف عند طبيب وثمن الدواء الذي يجعل ألم المرض أضعافًا مضاعفة؟ فلا مستشفيات عامة تقدّم خدمات مقبولة.
الأسعار مثل جمر النار في بلد مستويات الدخول فيه لا تتناسب مع ضخامة تكلفة المعيشة العادية جدًّا.
هذه نتائج 8 سنوات، منذ الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عندما بدأت الاستدانة وتخفيض قيمة الجنيه وقسوة السياسات وارتباك الأولويات في المشروعات.