هل تعود ألمانيا إلى قوتها بعد سقوط حكومة شولتس؟
انفرط عقد الحكومة الألمانية وانكشف ضعف الائتلاف الحاكم، حيث أقال شولتس وزير ماليته كريستيان ليندنر، الذي يتزعم في الوقت ذاته الحزب الديمقراطي الحر، بسبب الخلاف حول إقرار ميزانية 2025 التي أثارت جدلاً كبيراً بين المستشار ووزير ماليته. ومع انسحاب عدد من وزراء حزب ليندنر تضامناً معه، تفاجأت ألمانيا بهشاشة الائتلاف الحاكم وعدم قدرته على الصمود حتى الانتخابات المقبلة في سبتمبر 2025.
خلافات قديمة
في الواقع، الخلافات عميقة وتمتد جذورها إلى ثلاث سنوات مضت، إذ تشكل الائتلاف الحاكم بعد فوز حزب المستشار شولتس الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات التي أطاحت بحزب المستشارة السابقة ميركل المسيحي الديمقراطي، والتي تأثرت بجدل واسع حول سياسة الهجرة. وكان على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفائز أن يعيد ترتيب أولويات السياسة الألمانية، فعهد إلى شركائه حقائب وزارية مهمة كي يضمن استقرار الائتلاف، مثل وزارة الخارجية التي تولتها أنالينا بيربوك من حزب الخضر. وقد دار جدل كبير حول كفاءتها، حيث تعرضت الحكومة لمواقف محرجة بسبب تصريحاتها غير الدبلوماسية وانتقادها لرئيسي الصين وروسيا، فضلاً عن تصريحاتها المستفزة وغير المحايدة حول حرب غزة، مما جلب انتقادات دولية وعربية لألمانيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
أما وزير المالية المقال، فهو معروف بتوجهاته الاقتصادية الليبرالية التي تدعم القطاع الخاص وتخفض الدين العام. هذا التوجه يتعارض مع توجهات شركائه من الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، الذين يسعون إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتحول البيئي.
القشة التي قصمت ظهر البعير
لكن “القشة التي قصمت ظهر البعير” كانت تخصيص 60 مليار يورو من فائض أموال كورونا، إذ اتفقت الأحزاب الثلاثة على تنفيذ برامجها من تلك الأموال. كان شولتس يخطط لبناء 400 ألف وحدة سكنية للفقراء وزيادة الدعم للعاطلين والفقراء، إضافةً إلى رفع الحد الأدنى للأجور، لكن المحكمة الدستورية أوقفت التصرف بهذه الأموال في عام 2023، مما جعل شولتس يضطر إلى طلب دين جديد، إلا أن وزير المالية رفض بشدة، ما أدى إلى انفراط عقد الائتلاف وإقالة الوزير!
من جهة أخرى، كشفت السياسة الخارجية في عهد شولتس عن جوانب ضعف ألمانيا. فقد أظهرت حرب أوكرانيا، ثم حرب غزة، أوجه القصور في الموقف الألماني، حيث بدا المستشار شولتس متردداً وطائعاً للضغوط الأمريكية، بينما بادر الرئيس الأمريكي السابق ترامب بالاتصال ببوتين بعد انتخابه بفترة قصيرة لبحث وقف الحرب.
قدمت ألمانيا دعماً سخياً لأوكرانيا، لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة بعد أمريكا، ورغم توقف إمدادات الغاز الروسي عبر “نورد ستريم 1 و2” مما أضر بالاقتصاد الألماني، ارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير، وأجبرت شركات ألمانية عدة على إيقاف أو نقل مصانعها إلى خارج ألمانيا، مما زاد المشاكل الاقتصادية تفاقماً.
استطلاعات الرأي تكشف المستور
أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن 72% من الألمان غير راضين عن سياسة شولتس، وبيَّنت أيضاً أن حزبه لن يحصد أكثر من 15% في الانتخابات المقبلة، ليحتل المركز الثالث بعد حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف. أما حزب الخضر، فمن المتوقع أن يحتفظ بنسبة 10%، والحزب الديمقراطي الحر قد لا يمثل في البرلمان إذ من المرجح أن يحصل على أقل من 4%. ومن ناحية أخرى، أظهرت الاستطلاعات أن الحزب الديمقراطي المسيحي سيحصل على 32%، لكنه قد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف حاكم بسبب الاتفاق بين الأحزاب الألمانية على عدم ضم حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي قد يأتي في المرتبة الثانية بنسبة 18%.
تواجه الحكومة القادمة تحديات كبيرة، مثل تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على السيارات الألمانية، مما قد يكلف الاقتصاد الألماني حوالي 67 مليار يورو، إضافة إلى احتمال فرض رسوم على السيارات الصينية، ما قد يؤدي إلى تقلص الإنتاج واستيراد المواد الأولية المستخدمة في صناعة السيارات من ألمانيا، مما يعني مزيداً من الخسائر.
بلا شك، سيواصل ترامب الضغط على ألمانيا بشأن زيادة حصتها في نفقات الناتو لتصل إلى 2% من دخلها القومي، في وقت خصصت فيه ألمانيا 100 مليار يورو لتأسيس جيش وطني مما سيتسبب في مزيد من الأعباء الاقتصادية!
ميرتس قد يكون المستشار القادم!
فردريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، بدأ يتحدث وكأنه المستشار القادم، وهو يدرك أن فرصه كبيرة في الحصول على هذا المنصب، خصوصاً إذا استطاع ترامب وقف الحرب الروسية الأوكرانية واستعادة ألمانيا الاعتماد على الغاز الروسي الرخيص.
لقد وعد ميرتس الألمان بإعادة صورة ألمانيا القوية إلى الواجهة، ودعا أوروبا إلى إظهار القوة، مؤكداً أن أوروبا يجب أن تتحدث بصوت واحد، لأن الولايات المتحدة في عهد ترامب لا تعرف سوى القوة والقرارات الحاسمة، ولهذا يجب أن تكون أوروبا قوية.
التكهنات عديدة، ومن الأفضل انتظار الانتخابات المبكرة في مارس المقبل، حيث ستكون الأمور أكثر وضوحاً في تحديد ملامح السياسة الألمانية للأربع سنوات القادمة.