أفكار نتنياهو عن ابتلاع الضفة هي الأخطر
تعددت الإدانات من الحكومات العربية لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن تجهيز البنية التحتية لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية العام القادم 2025، وأنه ينتظر من إدارة ترمب الاعتراف بهذا الضم، وكأن هذا الموقف المتطرف هو الأول من قادة الاحتلال؛ فالذي يجري من اجتياحات صهيونية في فلسطين يؤدي بالتأكيد إلى هذه النتيجة، مالم يحدث تحول في الموقف العربي يقلب الحسابات.
ما طرحه الوزير الإسرائيلي ليس جديدا وليس رأيا شخصيا ينفرد به، وإنما هو التوجه العام لمعظم أركان الحكم الإسرائيلي الحالي، وهو يتطابق مع التصورات التي طرحها نتنياهو بوضوح وصراحة في مذكراته التي صدرت في التسعينيات بعنوان “مكان بين الأمم” والتي كشف فيها عن الأحلام الصهيونية التوسعية، والرغبة في التهام الضفة الغربية وغزة ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، بل وجدد الأطماع الإسرائيلية في الأردن واعتباره ضمن حدود الدولة اليهودية!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsثورة سوريا… بين هروب الأسد وظهور الضباع
الثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم
يأتي الاندفاع الصهيوني لتنفيذ كل الخطط مرة واحدة بعد عجز النظام الدولي وفشله في التصدي للجنون الإسرائيلي، وتكرار استخدام الفيتو الأمريكي الذي أصبح إسرائيليا، خاصة مع سيطرة المال الصهيوني وهيمنة اللوبي في الولايات المتحدة على الكونغرس والبيت الأبيض، والتأييد المطلق من الحزبين لما يقرره قادة الاحتلال.
رغم التعثر الإسرائيلي في غزة والاصطدام بالمقاومة في جبال لبنان وفشل الغزو البري يرى الإسرائيليون أن الطريق مفتوحا أمامهم لتحقيق أحلامهم بالجملة لتهويد كل فلسطين، والتهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية ووضع الفلسطينيين والعالم أمام واقع جديد، خلاصته أن التوحش والبربرية هي التي تفرض كلمتها ولا مكان لشرعية دولية ولا وزن لما يسمى بـ “المجتمع الدولي”.
مذكرات نتنياهو تفضح النوايا التوسعية
أزمتنا في العالم العربي أن لا أحد يقرأ ما يكتبه العدو، ورغم أن كثيرين يرددون مقولة “إعرف عدوك” فإن دوائر متخذي القرار العربي -لو أحسنا الظن ببعضهم- لا يقرأون ولا يعرفون عدوهم، وإلا ما وصل العرب إلى ما وصلوا إليه من عجز وخذلان وهزيمة استراتيجية، فنتنياهو خدع معظمهم، وورطهم في علاقات واتفاقات؛ يبتزهم بها ويهددهم بكشف المستور.
نتنياهو الذي يتحدث عن محاربة أعداء الحضارة في غزة كشف في مذكراته التي صدرت منذ أكثر من ثلاثة عقود عن الأطماع الصهيونية الاستعمارية التي لا تعرف حدودا، فهو يرفض قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة، ويهاجم حكومة رابين التي عقدت اتفاقات أوسلو ويتهمها بأنها وضعت السلطة الفلسطينية كحصان طروادة في قلب فلسطين، ويرى أن ضم الضفة من ضرورات الأمن الاستراتيجي باعتبارها “يهودا والسامرة” وأهميتها من حيث الحق اليهودي التاريخي، ويرى أن غزة أقل خطرا من الضفة لكن يجب السيطرة العسكرية عليها.
يزعم نتنياهو أن مؤتمر فرساي عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولى، بعد وعد بلفور الذي صدر عام 1917 أعطاهم الشرعية، عندما قرر التعهد لليهود بإقامة دولة تشمل الأردن وفلسطين، ثم أعقبه قرار الانتداب البريطاني عام 1920، وأشار إلى أن تغير الحكومة البريطانية المؤيدة لليهود ومجييء وزارة حريصة على مصالحها مع العرب جعلها تعطي شرق الأردن للعرب، وأنكر نتنياهو وجود شعب فلسطيني، ونفى وجود ثقافة فلسطينية، وهي ذات الادعاءات التي يرددها الوزراء المتطرفون الآن.
شرح نتنياهو وأفاض في أن قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة يعد تهديدا وجوديا للدولة اليهودية، واستند إلى شهادات مزعومة من قادة في البنتاجون بأن الدفاع عن “إسرائيل” يقتضي ضم الضفة لحماية الجبهة الشرقية من أي غزو عربي، وأن جبال الضفة هي الجدار العازل الذي يعطي جيش الاحتلال أفضلية في حال التصدي لأي هجوم، ويرفض أي حديث عن العودة إلى حدود ما قبل حرب عام 1967.
ادعى نتنياهو أن قيام دولة فلسطينية حتى لو كانت منزوعة السلاح سيتحول إلى تهديد، حيث ستدخل الدولة الجديدة في تحالفات مع دول أخرى، وسيعود إليها اللاجئون، ويصعب السيطرة الأمنية عليها وعدم القدرة على تفتيش كل ما يدخل إليها، وتستطيع مع الوقت تسليح نفسها ولو بصواريخ قصيرة المدى وأسلحة خفيفة، ولقرب المسافة ( 15 كم من الضفة حتى الساحل) ستكون أكثر خطرا وأشد بأسا، حيث لا يمكن استخدام القنابل النووية لأن الغبار النووي سيصيب الإسرائيليين مع الفلسطينيين!
لا مكان لدولة فلسطينية في التصورات الإسرائيلية
الاطلاع على مذكرات نتنياهو كفيل بأن يتوقف أي حاكم عربي عاقل عن التعامل معه، وأن لا يضع رقبته تحت سيف مصاص دماء لا يعرف معنى السلام، فهو يعلن بوضوح أن السلام يكون بين دول ديمقراطية متشابهة فيما بينها، ولكن ليس مع الحكام العرب المستبدين الذين لا يجدي معهم غير الردع والتخويف، ولهذا هو يستخدم القصف والتدمير بكل أنواع الأسلحة لإرسال الرسائل إلى المحيط العربي والإسلامي لإخضاعه، وليس فقط لتحقيق انتصار مستحيل على المقاومة في غزة ولبنان.
موقف نتنياهو من الدولة الفلسطينية واضح، وحتى معارضوه يختلفون معه في قضايا داخلية ولكن يتفقون معه في رفض هذه الدولة، وهذا يجعلنا نتساءل عن مطلب قيام الدولة الفلسطينية الذي تطرحه القمم العربية والإسلامية باستمرار، بدون استخدام أي أوراق للضغط، وتتجاوب معهم الإدارات المختلفة في الولايات المتحدة بصيغ خادعة، بينما السلوك الأمريكي يساعد الإسرائيليين لتحقيق خططهم وابتلاع كل الأرض الفلسطينية!
في كتاب ” الحرب” لبوب وودورد، الذي يشوه القادة العرب ويظهر بايدن ومعاونوه وكأنهم ملائكة، نقل وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنتنياهو أن الحكام العرب يطلبون كلاما واضحا عن حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية لإرضاء شعوبهم؛ فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه سيكتب “صيغة مبدعة” تؤدي الغرض، أي أنه يشعر بأن كلام من يتعامل معهم من العرب ليس حقيقيا؛ لأن ما يقال في الغرف المغلقة غير الذي يقال في العلن، وهذا يوضح حجم الخطر الذي يواجه القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى.
المعركة لتهويد كل فلسطين كبيرة وتتحالف فيها الولايات المتحدة وأوربا مع نتنياهو، ومع قدوم ترمب سيزداد التحدي، فالرئيس الأمريكي الجديد أعلن أن مساحة إسرائيل صغيرة وتحتاج إلى تكبيرها، وعيونهم على الضفة التي تم تمزيقها بالمستوطنات والجدران، ومئات الحواجز التي قضت على وحدتها، والأخطر هو ترك المسجد الأقصى وحيدا أمام مستوطنين متعطشين للدم يريدون تهويده والسيطرة عليه.
سيلاحق العار كل من تخاذل أو ساعد بالموافقة أو بالصمت، ولن يستطيع الذين يسكتون اليوم على ضياع فلسطين عن الدفاع غدا عن أراضيهم التي يطمع فيها المستوطنون الصهاينة ويعتبرونها ضمن أرض إسرائيل المزعومة التي تتوسع في كل الاتجاهات بلا رادع.