الهروب من الواقع 4 سنوات

أحد مشجعي ترامب يضع صورته على قميصه، في حين أن هناك من يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية بسببه (رويترز)

 (1) سفر.. والعودة بعد خروج ترامب

ربما لا يحقق لك الثراء السعادة أو الرضا أو راحة البال لكنه بالتأكيد يوفر لك إمكانية الهروب من واقعك إلى واقع آخر ينسيك لبعض الوقت مرارة ما تعيش فيه ولا تستطيع تحمله. الهروب من الواقع خدمة تقدمها شركة أمريكية للرحلات البحرية السكنية تسمى “فيلا في ريزيدنس” ومقرها فلوريدا، حيث أعلنت عن رحلات بحرية جديدة تصل مدتها إلى أربع سنوات، لكل من يريد ترك أمريكا مؤقتا حتى انتهاء فترة ترامب الرئاسية!! يزور فيها الركاب أكثر من 140 دولة ولا يمرون على أمريكا طوال مدة الرحلة.

ولقد قدمت الشركة برامج متنوعة للهروب، فهناك رحلة لمدة عام باسم “الهروب من الواقع”، ورحلة بحرية لمدة عامين باسم “الاختيار في منتصف المدة”، وثالثة لمدة ثلاث سنوات باسم “كل مكان ما عدا الوطن” والأخيرة “تخطّ إلى الأمام” لمدة أربع سنوات.

تبدأ أسعار الكبائن التي يسكنها شخص واحد لمدة أربع سنوات من ربع مليون دولار تقريبا، والسعر يشمل الإعاشة الكاملة والرعاية الطبية وخدمات أخرى متنوعة.

تمنيت أن أملك ثمن الرحلة، وأظن أن ملايين غيري لديهم نفس الرغبة، فلكل منا ترامب يسعى للهروب من وجوده وظله ويتمنى أن يستطيع الفرار والعودة بعد رحيله.

واقعنا المرير في المنطقة لا يتوقع أحد أن يتغير قبل سنوات عجاف، فكل ما يحيط بنا يدعو إلى القلق والتوتر ويستدعي الكآبة والأسى، فما يحدث في غزة ولبنان أصبح يفوق القدرة على التحمل النفسي، تشاهد الموت والدمار وتشعر معه بالعجز عن وقف هذا العدوان الغاشم من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي المستند إلى القوة الأمريكية القاهرة، تتساءل عن المجتمع الدولي وكيف يقف عاجزا عن ردع إسرائيل وفرض الوقف الفوري لإطلاق النار، رغم استشهاد ما يقرب من 44 ألف فلسطيني في غزة معظمهم أطفال ونساء فضلا عن الآلاف من المصابين والمشردين الذين فقدوا منازلهم ومصدر رزقهم. تحولت غزة إلى أطلال وركام أمام أعين العالم وها هو لبنان على وشك أن يعيش نفس السيناريو ولا حياة لمن تنادي.

تنظر حولك فلا تجد إلا توقعات بأن القادم أسوأ وأن الحياة اليومية ستصبح أكثر صعوبة مع موجة أخرى من غلاء المعيشة بسبب عدم استقرار العالم والمنافسة المحمومة بين الدول الكبرى على المصالح والنفوذ وتوقع صدام وشيك بين العملاقين: أمريكا والصين… والسؤال ما السبيل إلى الهروب؟ وإلى أين؟

(2) التحالف العالمي ضد الجوع!!

عقدت في البرازيل مؤخرا قمة مجموعة العشرين (أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا و فرنسا وألمانيا وكندا والأرجنتين وأستراليا والبرازيل والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا والسعودية وجنوب إفريقيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي)، وهذه الدول تمثل 85% من اقتصاد العالم و80% من سكانه وتمتلك القوة العسكرية العظمى، وجاء البيان الختامي كعادة كل القمم مثيرا للتفاؤل والسخرية في آن واحد، فهو يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ويرحب بكل مباردة من شأنها تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا، والحديث عن وقف الصراعات والحروب دائما يكون مصدرا للتفاؤل، لكن ما يثير السخرية أن الدول المعنية بهذه الصراعات ضمن مجموعة العشرين ولديها كل الأدوات التي تمكنها من وقفها فورا لو توفر حسن النية والإرادة السياسية عند قادة هذه الدول.

المبادرة التي أطلقها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي تستضيف بلاده القمة، والخاصة بالتحالف العالمي ضد الجوع والفقر، أمر وثيق الصلة بالنزاعات والحروب، فهذه الأخيرة تؤدي إلى الجوع والفقر، ولا يمكن الحديث عن الحرب في غزة والسودان دون الحديث عما أدت إليه من جوع وإفقار وتهجير للسكان في مناطق الصراع العسكري.

والدول الصناعية الكبرى المتقدمة هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن جوع وفقر نسبة كبيرة من دول العالم الثالث لتدخلها في الصراعات، بل ولتوليدها مثل هذه الصراعات من أجل الهيمنة والنفوذ والاستيلاء على الموارد الطبيعية لهذه الدول وهي أيضا المسؤولة عن تغير المناخ الذي سبب الجفاف في العديد من الدول الإفريقية والفيضانات والأعاصير في دول آسيوية؛ مما أدى إلى تفاقم مشكلة الجوع والفقر.

الواقع يقول إن الدول القادرة على تحسين جودة حياة ملايين البشر في العالم هي نفسها التي تتسبب في تخريب وتدمير الكوكب وإفقار الناس من أجل مصالحها، فهي لا تبحث جديا عن تقليل نسب الفقر والجوع بل تدرس بعناية كيف توسع نفوذها وتحقق مصالحها وترفع من رفاهية شعوبها على حساب معاناة غيرهم ومآسيهم ما داموا خارج حدود بلادها، والفتات الذي تلقيه هذه الدول الغنية للدول الفقيرة على شكل هبات ومساعدات إنسانية هو أحد وسائل الإخضاع والتوجيه وأيضا للحيلولة دون هجرة سكان هذه الدول إلى دول الشمال الأغنى واستمرار الاستقرار في هذه المناطق بما يتماشى مع مصالحها، وإذا أصبح عدم الاستقرار هو المفيد لصالح هذه الدول الكبرى نجدها تنخرط في الصراعات الأهلية وربما تكون سببا فيها وتمد الأطراف الموالية لها بالسلاح وتزيد الفتنة اشتعالا كما يحدث في السودان.

(3) فيتو ضد وقف القتال في السودان!

هل كانت روسيا تفكر في معاناة الشعب السوداني حين استخدمت حق الفيتو ضد مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا وسيراليون لمجلس الأمن الخاص بوقف القتال في السودان؟ بالتأكيد لا، لكنها اتخذت هذا القرار مستندة على قرار سياسي وليس إنساني يخدم أحد أطراف الصراع في السودان، وبغض النظر عن الطرف المستفيد، فلقد استخدم مندوب روسيا في الأمم المتحدة حق الفيتو في نفس الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الروسي حاضرا قمة العشرين نائبا عن الرئيس الروسي ووافق على أن تكون بلاده ضمن تحالف عالمي ضد الجوع والفقر! وكذلك وقع على البيان الذي يدعو إلى وقف القتال والحروب وإرساء السلام العادل.

أي نفاق هذا الذي نعيشه وتقوم به الدول العظمى، والذي يستحق الهروب منه برحلة بحرية طويلة للقادرين ماديا، أما أمثالي من غير القادرين المغلوبين على أمرهم فعليهم تبني فلسفة أهل الكهف الذين هربوا إلى الكهف وتحصنوا فيه حيث ناموا سنوات طوالا واستيقظوا حين تبدل الحال وساد الحق والعدل.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان