قانون إيجارات المساكن القديمة.. الجذور التاريخية للمشكلة!

قرارات الحكومة سبب رئيسي في أزمة الاسكان

حي الزمالك الراقي، المثال الأكثر وضوحاً على أزمة إيجارات المساكن القديمة (منصات التواصل)

ظل القانون المدني الصادر عام 1883 ينظم إيجار الوحدات السكنية، حتى صدر قانون عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى بوضع حد أقصى لقيمة إيجارات المساكن، وعدم جواز قيام المؤجر بإخراج المستأجر من المسكن إلا بحكم محكمة، ولسبب عدم سداد الأجرة أو عدم عنايته بالوحدة السكنية أو استعمالها في أغراض تتنافى وطبيعة المسكن.

ثم عادت الأمور إلى طبيعتها بعد ذلك، لتضطر ظروف الحرب العالمية وقيام بعض المُلاك بطرد المستأجرين المصريين من بعض المنازل وتأجيرها لأجانب بأجرة مرتفعة، الحكومة إلى التدخل مرة أخرى لإصدار قانون يمنع المُلاك من زيادة القيمة الإيجارية وامتداد عقود الإيجار تلقائيا، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية عادت الأمور إلى طبيعتها وأصبحت تحكمها النصوص الخاصة بالإيجارات بالقانون المدني الجديد لعام 1948.

وهو ما شجّع كبار الملاك وصغارهم على الاستثمار في العقار لتنتشر لافتات للإيجار على المباني، وكان المُلاك بالمناطق الشعبية يقومون بتجديد دهان الوحدات السكنية بالجير وتبخيرها تشجيعا للمستأجر الجديد، حتى جاء ضباط يوليو/تموز 1952 الذين أرادوا تحقيق شعبية فقاموا بإصدار قانون في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول أي بعد أقل من شهرين من حركة الجيش، بخفض قيمة إيجارات الأماكن بنسبة 15% وتجميدها، وبعد أقل من أربعة أشهر من وحدة مصر وسوريا صدر قرار آخر بزيادة نسبة خفض الإيجارات إلى 20%.

وبعد انفصال مصر عن سوريا أواخر سبتمبر 1961 بخمسة أسابيع وامتصاص أحزان الانفصال، صدر قانون بخفض قيمة الإيجارات بـ20%، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى العزوف عن الاستثمار في العقار، خاصة في ضوء قرارات التأميم وفرض الحراسة التي شملت العديد من الأنشطة الاقتصادية، وحتى يعوض المُلاك جانبا مما تكلفوه وتحسبا لمفاجآت القرارات الحكومية، لجأ الكثيرون إلى تقاضي مقدمات مالية من الراغبين في الإيجار سُميت “خلو الرجل”، تضمن لهم الحصول على قيمة الإيجار لفترات مستقبلية مقدما.

     سبب المشكلة تخفيضات الإيجارات وثباتها

وبدلا من أن تنتبه الحكومة إلى الآثار السلبية التي سببها خفض الإيجارات عدة مرات، أصدرت قوانين تعاقب على تقاضي خلو الرجل، وأنشأت لجانا حكومية لتحديد قيمة الإيجارات، ثم عادت عام 1965 لخفض قيمة إيجارات الأماكن حسب قوانين الإيجارات السابقة بما بين 20 و30%؛ مما زاد من ظاهرة خلو الرجل كوسيلة وحيدة لاستئجار وحدة سكنية، ليصدر قانون جديد لتأجير الأماكن عام 1969 مستمرا بتحديد الإيجارات.

وهكذا تهيأت الظروف الاقتصادية لظهور نظام تمليك الوحدات السكنية بداية من 1970 وانحسار نظام التأجير، وهو ما أقره قانون جديد عام 1977. وكان الرئيس السادات قد أراد أن يختتم حياته بإصدار قانون جديد لتأجير الأماكن بنهاية يوليو/تموز 1981 قبل وفاته بشهرين، ينص على ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن السكنية على نسبة 7% من قيمة الأرض عند الترخيص والمباني وقت الإنشاء.

وسمح بأن يتقاضى المالك من المستأجر مقدما ماليا لا يتجاوز أجرة عامين، وألا تقل مساحة وحدات التأجير عن ثلثي مساحة العقار، واقتصار التمليك على ثلث وحدات العقار، لكنه أعفى أنماطا أخرى من الوحدات السكنية من ذلك التحديد للأجرة، شملت الإسكان المفروش والإسكان التعاوني وإسكان العاملين الذي تقيمه الشركات، وهو ما يخل بقواعد المساواة بين مستأجري الوحدات السكنية، وزاد من ذلك الخلل سماح القانون بزيادة دورية لإيجار الأماكن المؤجرة لغير أغراض السُّكنى.

وظلت الحكومات المتعاقبة تتجاهل ثبات قيمة إيجارات الوحدات السكنية، حتى قررت في نهاية يناير/كانون الثاني 1996 أن تسري أحكام القانون المدني، أي حرية التعاقد بين المالك والمستأجر سواء من ناحية قيمة الأجرة أو مدة التعاقد، على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود تأجيرها، وهكذا أوجد هذا القانون رقم 4 لسنة 1996 المكون من أربع مواد فقط منها مادة النشر بالجريدة الرسمية، نظاما جديدا لإيجارات المساكن بمصر، سماه المصريون نظام الإيجار الجديد.

  الدستورية ترفض 13 طعنا في الإيجارات

وبهذا النظام أصبحت عقود إيجارات المساكن السابقة لنهاية يناير/كانون الثاني 1996، خاضعة لما يسمى نظام الإيجارات القديمة الثابتة القيمة والممتدة العقود حتى حفيد المستأجر، والعقود التي تمت بعد نهاية يناير خاضعة لنظام الإيجار الجديد الذي تتحدد مدته حسب الاتفاق بين المؤجر والمستأجر، لكنها لا تزيد على ثلاث سنوات.

ومع تلك المحاباة للمستأجرين من قبل الحكومات المتعاقبة لنظام يوليو 1952 التي جنت على أولادهم وأحفادهم، حين عجزوا عن دفع تكلفة التمليك للوحدات السكنية الذي أصبح سائدا سواء من قبل القطاع الخاص أو شركات الإسكان الحكومية، ومع تضرر مُلاك عقارات الإيجارات القديمة الذين تناقصت القيمة الشرائية لما يتقاضونه من إيجارات مع التضخم، فقد لاذوا بالمحكمة الدستورية العليا، للطعن في عدد من قوانين الإيجارات السائدة وأبرزها القانون الصادر عام 1981، وقد أمكن حصر 17 طعنا قامت المحكمة برفض الدعوى في 13 منها، وقبول أربعة في سنوات 1997 و2018 و2022، وكان أخرها الحكم الصادر في التاسع من الشهر الحالي.

وقد قضى هذا الحكم بعدم دستورية ثبات أجرة الأماكن السكنية حسب القانون الصادر في نهاية يوليو/تموز عام 1981، ولم تذكر المحكمة شيئا عن امتداد عقود الإيجار القديمة إلى الحفيد، ولا عن كيفية تعويض ملاك العقارات عن مدة من 1981 وحتى الآن، كما لم يوضح أحد هل يستحق قبول الطعن انتظار مقدمي الدعوى 26 عاما، بعد تقدمهم بالدعوى للمحكمة الدستورية منذ عام 1998 وما سبقها من تداول بالمحاكم منذ عام 1988.

وفي نفس السياق نتساءل هل اقتصر الأمر تقاعس الحكومات عن المساواة بين مؤجري الوحدات السكنية، في نظامي الإيجار القديم والجديد منذ عام 1996 وحتى الآن، أم امتد الأمر إلى قضايا أخرى ساهمت في استفحال مشكلة الإسكان بالبلاد وصعوبة حلها في الأجل المتوسط؟ حيث تحولت الدولة إلى المحتكر الوحيد لبيع أراضي البناء التي طرحتها بالمزاد في فترة مبارك؛ مما زاد من تكلفة المباني، وعدم تناسب الوحدات السكنية التي تنفذها الجهات التابعة للدولة سنويا مع عدد حالات الزواج الجديدة وحالات الطلاق، وتقاعس الدولة عن التدخل لحل مشكلة العقارات المغلقة التي بلغ عددها في تعداد 1986 نحو 1.8 مليون وحدة سكنية، وزاد عددها في تعداد عام 2017 إلى حوالي 12 مليون وحدة.

وكذلك توجه الجهات التابعة للدولة إلى بناء الإسكان الفاخر على حساب الإسكان الاقتصادي، وارتفاع تكلفة الوحدة السكنية بمشروعات الإسكان الاجتماعي الحكومية إلى ما بين 416 و543 ألف جنيه؛ مما دعا البعض إلى القول إنه مع هذا الكم من الوحدات السكنية المغلقة، لا توجد مشكلة إسكان بقدر ما توجد مشكلة تدنٍّ للدخول لا تستطيع مجاراة أسعار الوحدات السكنية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان