اعتقال نتنياهو وغالانت بأمر الجنائية الدولية.. ما التداعيات؟
في تطور لافت ومثير؛ أمرت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس، بتوقيف واعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (75 عاما)، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (66 عاما)، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية (قتل، واضطهاد، وغيرها)، وجرائم حرب (التجويع)، للسكان المدنيين في قطاع غزة. وقالت المحكمة، إنهما مسؤولان جنائيا، عما ارتكبته قواتهما؛ من قتل، واغتصاب، وتعذيب، للمدنيين، وحرمانهم، من الغذاء، والماء، والأدوية، والمُستلزمات الطبية، والوقود، والكهرباء، وكلها أشياء ضرورية لإبقائهم أحياء. وذلك كله في الفترة من يوم 8/10/2023، وحتى 20/5/2024 (تاريخ تقديم المدعي العام للمحكمة كريم خان لطلب توقيفهما).
إرهاب.. وعمى أخلاقي، ونقائص
أوامر “الجنائية الدولية”، جاءت صادمة، ومُذهلة لساسة ووزراء الكيان، وأفقدتهم صوابهم، كما لو أن مسًّا من الجنون طال عقولهم، جميعا. فانطلقوا يتبارون في اتهام المحكمة بمُعاداة السامية، وكيل السباب لها بأشنع الأوصاف من إرهاب، وعمى أخلاقي، والخزي، والعار، غيرها من صفات لصيقة بهم، قبل غيرهم. ليسري عليهم المثل العربي القديم: “رمتني بدائها وانسلت”، الذي يُضرب لمن يقذف غيره، بما في نفسه من نقائص، وصفات رديئة، مُستهجنة. الاتهامات بمعاداة السامية، والتحرش، والاغتصاب، وغيرها، كانت قد نُسبت إلى “المدعي العام للمحكمة كريم خان”، مع تهديدات أمريكية، وإسرائيلية له وللمحكمة، طوال الأشهر الماضية -دون جدوى- لإثنائه عن المُضي قُدما، في طلبه اعتقال نتنياهو وغالانت. يُذكر أن خان قدم أيضا مذكرات، توقيف بحق محمد الضيف (إسرائيل تقول إنها اغتالته)، والشهيدين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (1962- 2024)، وخليفته القائد يحيى السنوار (1962- 2024).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
المحاكمة أو التسليم.. والتداعيات
وفقا لخبراء القانون الدولي، فهذه الأوامر باعتقال نتنياهو وغالانت مُلزِمة قانونيا، وأخلاقيا لجميع الدول، ولو كانت غير مُشتركة في نظام المحكمة الجنائية الدولية. لذا، فلن يُغادر أي منهما الأراضي المحتلة إلا إلى أمريكا أو دول أخرى حليفة للكيان الصهيوني (وهي قليلة العدد)، وإلا فسيتم القبض عليه وتسليمه. إسرائيل، بدورها، يجب عليها، إما مُحاكمتهما، أو تسليمهما (وهي لن تفعل). هناك، طريق ثالث، وهو، قيام كل منهما بتسليم نفسه للمحكمة (وهذا مُستبعد أيضا). لقرارات التوقيف هذه، تداعيات كثيرة، فنتنياهو وغالانت، صارا متهمين رسميا، بأنهما مجرمي حرب، ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية، وهي وصمة عار عليهما، وعلى الكيان، فهما متهمان بجرائم بشعة شائنة. هذه الوصمة الأخلاقية تمتد إلى أمريكا الداعم الأهم، لدولة الاحتلال في حربها على غزة، ومعها بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا.
المجازر وجرائم الحروب السابقة.. وحظر توريد السلاح
أوامر التوقيف بحق نتنياهو وغالانت تجرد الدول الغربية من قناع التحضر الزائف الذي تتزين به، وتُعري مزاعم رعايتها للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. فأعمال القتل، والاغتصاب، والعنف الوحشي، والتعذيب للمدنيين في غزة، وحرمانهم من الرعاية الطبية، والغذاء، والوقود، وسُبل الحياة.. كلها، جرى ارتكابها بأسلحة، وقنابل محرمة دوليا، أمريكية الصنع، وأوروبية. وتؤدي، هذه الأوامر، إلى تضييق الخناق على الكيان الصهيوني في جلب الأسلحة من الخارج، فالعديد من الدول المُصدرة للسلاح، محكومة بقوانين تحظر استخدام أسلحتها، في انتهاك القانون الإنساني الدولي، على شاكلة ما حدث في غزة. وهو ما يوفر للدول الراغبة في تقييد تسليح إسرائيل، غطاءً قانونيا، ويفرض على غيرها الامتناع عن إمداد الاحتلال الإسرائيلي، بالسلاح والعتاد. كما تدعم دعاوى الجماعات الحقوقية، المرفوعة في المحاكم الدولية، لحظر توريد السلاح إلى إسرائيل. وتفتح قرارات الاعتقال لهذا الثنائي، الباب واسعا، للشروع في إخضاع “إسرائيل”، للمحاسبة، أمام المحاكم الدولية، عن كل ما اقترفته سابقا، من جرائم حرب، ومجازر، وإبادة جماعية، بحق الشعب الفلسطيني الأبي.
نظام روما الأساسي
تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، وتشترك في نظامها 124 دولة، وتتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرا لها. وتمارس مهامها، وفقا لنظام روما الأساسي (128 مادة)، المُحرر عام 1998، فهو قانون المحكمة، ودستورها. وهي معنية، باحترام حقوق الإنسان. وتلاحق الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب (انتهاك قوانين الحرب)، والإبادة الجماعية (القتل، وإهلاك جماعة عرقية، أو دينية، كليا أو جزئيا)، والجرائم ضد الإنسانية (القتل العمد، والاغتصاب، والتهجير، والتفرقة العنصرية). ويكون تدخلها، إذا لم تستطع دولة ما التحقيق في هذه النوعية من الجرائم، أو أن الدولة المعنية لا تريد التحقيق والمحاسبة لأفرادها (كما في حالة نتنياهو وغالانت). وليس للجنائية الدولية شرطة، ولا قوات خاصة بها، فالدول هي التي تتولى توقيف للمطلوبين وتسليمهم. كما أن أوامر الاعتقال، تظل سارية مدى الحياة، ولا تسقُط بالتقادم. أحكام الجنائية الدولية، قد تصدُر بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى 30 عاما، وقد يكون السجن مدى الحياة في حالات نادرة، ويمكن لقضاة المحكمة الأمر بالتعويض للمجني عليهم.
سفك الدماء.. وتخريب العمران
عودة لنتنياهو، فقد بات عبئا على الكيان الغاصب، وليس من المستبعد التخلص منه، ولو بواسطة مؤسسات الدولة العميقة، وقد يتم اغتياله. فهذه القضية، كشفت الوجه القبيح لهذه الدولة المارقة التي لا تحترم أي قوانين دولية، ولا أي قواعد أخلاقية. مثلما أن جيشها، يفتقد للأخلاق والقيم العسكرية، وينتهك قوانين الحرب، ولا يجيد سوى سفك الدماء للأبرياء، والتجويع، والتعطيش، والتخريب للعمران، والإبادة للمدنيين.. هذا ليس كلاما مُرسلا، بل هو مما جاء في مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت. فقد قتلوا في غزة 45 ألف إنسان، غالبهم من الأطفال والنساء، وجرحوا نحو 110 آلاف، ودفعوا بمليوني إنسان إلى النزوح وحياة التشرد، يعانون برودة الشتاء، وسخونة الصيف.. بعد تدمير القطاع.
ولعل هذا القرار يكون بداية النهاية لهذا الكيان المتغطرس بممارساته، التي لا تختلف كثيرا عن النازية.