اللبنانيون استوعبوا الدرس.. والعبث بالمنطقة يتفاعل
لم يكن مفاجئًا ما قاله نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله اللبناني، بأن “تركيز الحزب الآن على المقاومة والميدان فقط، لأننا نعي تمامًا عدم مصداقية دولة الاحتلال”، وذلك في إشارة إلى ما يتعلق بالمفاوضات ووقف القتال والمقترحات المتداولة، أو أي شيء من هذا القبيل، وذلك على الرغم من وجود المبعوث الأمريكي -الإسرائيلي الأصل- عاموس هوكشتاين بالمنطقة، وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية التي تتحدث عن تقدم أو تطور أو تقريب وجهات النظر، وما شابه ذلك.
التصريحات التي ظل يرددها أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، فيما يتعلق بوقف العدوان على قطاع غزة، على مدى عام كامل، هي نفسها التي يرددها حاليًّا المبعوث الخاص للبنان، في عملية تخدير للمنطقة وللعالم على حد سواء، ولأن الطرف الفلسطيني كان حسن النية في بداية الأمر، أسفرت تلك التصريحات والوساطات، عن الإفراج عن 105 من الأسرى، ممن كانوا في قبضة حماس، ضمن مرحلة أولى، على أمل استمرار المفاوضات، لتبادل مزيد من الأسرى هنا وهناك، ثم الانسحاب من القطاع في نهاية الأمر، وبدء مفاوضات الحل النهائي، كما كان معلنًا، إلا أن أيًّا من ذلك لم يحدث.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsثورة سوريا… بين هروب الأسد وظهور الضباع
الثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم
خلال 13 شهرًا من سياسة التخدير هذه، كانت إسرائيل قد حصلت على أسلحة من الولايات المتحدة والغرب، تزيد قيمتها على 30 مليار دولار، قتلت بها أكثر من 50 ألفًا من الشعب الفلسطيني، وجرحت أكثر من 100 ألف آخرين، ودمرت كل قطاع غزة، فضلًا عن قتل المئات في الضفة الغربية، واعتقال الآلاف هنا وهناك، إلى أن اطمأنت إلى أن قدرات المقاومة قد تراجعت، فقررت على الفور فتح جبهة لبنان، بالسياسات التدميرية نفسها، بموازاة النفاق الأمريكي نفسه أيضًا.
منذ اللحظة الأولى، كان ما نخشاه، هو أن تلدغ المقاومة اللبنانية، من جحر المقاومة الفلسطينية، من خلال الثعبان نفسه، إلا أن تصريحات المسؤول اللبناني، جاءت بمثابة إدراك لما جرى ويجري، ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن جبهة لبنان أمامها الكثير، ليس لكي تغلق، وإنما لكي يتم الانتقال منها إلى جبهة جديدة، أوسع وأهم، في ظل نظام أمريكي مرتقب، أكثر صهيونية وتشددًا، يبدأ ولايته في العشرين من يناير المقبل، لا يتورع عن أن يجاهر بما في جعبته من شر، بلغ حد الحديث عن ضرورة توسيع الرقعة الجغرافية للكيان الصهيوني، على حساب دول المنطقة بالطبع، وعلى حساب ما بقي من فلسطين بالدرجة الأولى.
توسيع نطاق الحرب
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أعلن مرارًا وتكرارًا، أن خطة الكيان هي إعادة رسم خريطة المنطقة، بما يشير إلى مخطط توسيع نطاق الحرب، فإن التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، حول “الاتفاقيات الوشيكة”، تأتي كما هو واضح، بتنسيق كامل بينهما، وتهرول خلفها وسائل الإعلام العربية بالترديد والتحليل، بما يساعد على مد أجل الغيبوبة الشعبية، بالتزامن مع اختفاء المسؤولين الرسميين لدول المنطقة، الذين كان يتحتم عليهم، منذ البداية، كشف هذا الزيف، الذي كان سببًا رئيسيًّا في كل هذه الأعداد من القتلى، وكل هذا الحجم من الدمار.
المخطط الأمريكي الإسرائيلي، فيما يتعلق بقطاع غزة، لم يعد سرًّا، ذلك أن جمعيات استيطان تعلن بالفعل، عن فتح باب الحجز في مستوطنات مزمعة إقامتها بالقطاع، خصوصًا حول محور نتساريم، الذي يقطع غزة من الشرق إلى الغرب، بعرض سبعة كيلومترات، وقد بدأت شركات مقاولات هناك في إعداد الخرائط في هذا الشأن، في الوقت الذي يجري فيه العمل على قدم وساق، بمحور صلاح الدين، أو ما يطلق عليه الإعلام “فيلادلفيا” على الحدود مع مصر، لإنشاء ما يشبه القواعد العسكرية هناك، بدافع الاستمرار فيه والسيطرة عليه.
أما ما يتعلق بالجنوب اللبناني، فقد أصبح المخطط واضحًا أيضًا، بوصول قوات الاحتلال إلى نهر الليطاني، ليمثل فاصلًا طبيعيًّا للحدود مع لبنان، فضلًا عن إغلاق الحدود البرية مع سوريا، والسيطرة على المياه الإقليمية، بحجة منع وصول أسلحة، إضافة إلى استباحة الأجواء اللبنانية، كما هو الحال في سوريا حاليًّا، في الوقت الذي يصر فيه الغرب عمومًا على نزع سلاح حزب الله، وتقدم القوات اللبنانية إلى خط المواجهة، وغير ذلك من شروط إذعان غير مسبوقة.
وتكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أن المبعوث الأمريكي هوكشتاين، قد قام أخيرًا، برفقة السفيرة الأمريكية في بيروت، بزيارة سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية في منزله، وما أدراك ما جعجع، وتاريخ جعجع، الذي لا يمانع في سيادة إسرائيلية جزئية على لبنان، حسبما نقلت عنه مصادر رسمية لبنانية، وهو ما يؤكد استمرار العبث الأمريكي في المنطقة، لحساب إسرائيل، ذلك أن جعجع ليس مفوضًا من حزب الله، أو من الحكومة اللبنانية بأي ما من شأنه التباحث على أي صعيد، إلا إذا كانت هناك رسالة إسرائيلية أو أمريكية ينقلها هوكشتاين إلى جعجع!
تركيا على خط المواجهة
في كل الأحوال، لن يقبل الفلسطينيون أبدًا بما يحاك لهم، كما لن يقبل اللبنانيون بما يدبر بشأنهم، وبالتالي فلسنا أمام انفراجة من هنا أو هناك كما يروج المبعوثون الأمريكيون، بل لسنا أمام أي تقدم من أي نوع، خصوصًا إذا علمنا أن الخطة المبدئية للحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة نتنياهو تقضي باستمرار الوضع على ما هو عليه، حتى بدء ولاية ترامب، ليس لإنهاء الحرب، وإنما لبدء مرحلة أخرى من التعامل مع الأحداث، تبدأ من نقطة الصفر.
وتقضي هذه المرحلة الصفرية، بالضغط على مصر للقبول بترحيل فلسطينيي غزة إلى سيناء، بموازاة ضم الضفة الغربية إلى الكيان، مع تهجير نسبة من مواطني الضفة إلى الأردن، أو معظمهم، وربما كان “الڤيتو” الأمريكي، في مجلس الأمن -أمس الأول- برفض وقف القتال في غزة، دليلًا إضافيًّا دامغًا على كثير مما في الجعبة الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وهو ما تم تفسيره على كل المستويات، بأنه يؤكد المشاركة الأمريكية، فيما يجري من إبادة في غزة، وعدوان على لبنان، ويدحض تمامًا أي حديث عن جهود وساطة.
وإذا علمنا أن حزب العمال الكردستاني في تركيا، من خلال ما يصل إلى 90 ألف مقاتل موجودين في شمال شرق سوريا، يعوّل على انتصار إسرائيل في كل من غزة ولبنان، للاتجاه بعدها إلى الجبهة السورية، بهدف مساعدته على التمرد، في مواجهة تركيا، فسندرك مدى طول قائمة العبث والتآمر الأمريكي الإسرائيلي على المنطقة وتعقيدها، وهو ما فطنت إليه تركيا مؤخرًا، بطرح مبادرات للحل السلمي مع حزب العمال، من خلال عبد الله أوجلان، مؤسس الحزب، الذي يقضي حكمًا بالمؤبد، منذ عام 1999 حتى الآن.
إذن، مشاريع المؤامرة في إطار المعلن منها فقط، تؤدي إلى مصر والأردن وسوريا وتركيا، على أقل تقدير حتى الآن، وهو ما يوضح سر هذه التركيبة “الصهيونية” المساعدة لترامب، المعلن عنها رسميًّا، التي من المنتظر أن تقود دفة العالم أربع سنوات مقبلة، قد تسعى خلالها بالفعل إلى وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، في إطار ابتزاز الغرب، ليس أكثر، إلا إنهم جميعًا كانوا أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومدى الإصرار على مساعدة كيان الاحتلال، في تنفيذ مخططات حكومته المتطرفة، بل والمزايدة عليها، وهو ما بدا أن حزب الله في لبنان يعيه جيدًا، كما تعيه أيضًا دول المنطقة، إلا أن أيًّا منها لا تستطيع إبداء الامتعاض، مجرد الامتعاض!