هل أمن إسرائيل لدى الغرب التزام ديني أم سياسي؟
منذ عقود، تُظهِر الولايات المتحدة والدول الغربية دعما غير مشروط لإسرائيل في محافل السياسة الدولية، وهو دعم يثير الكثير من التساؤلات حول دوافعه وأبعاده.
هذا الدعم يظهر بشكل جليّ في مختلف المواقف، بداية من التصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، وصولا إلى تزويدها بالأسلحة والمساعدات الاقتصادية، رغم انتهاكاتها المستمرة لحقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
وقد أُثيرت تساؤلات حول ما إذا كان هذا الدعم ناتجا عن التزام ديني أو أخلاقي، أم أنه مجرد تحالف استراتيجي يخدم مصالح معينة؟
دعم غير مشروط لإسرائيل
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية تأسيس دولة إسرائيل، وجدت أمريكا في هذا الكيان الجديد حليفا استراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط التي تعدّ من أكثر المناطق تعقيدا في العالم.
هذا التحالف ليس وليد اليوم؛ بل هو نتيجة لمصالح جيوسياسية واقتصادية تربط أمريكا بالدول الغربية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
وعلى مدار عقود، شهدنا العديد من المواقف التي تؤكد هذا الدعم الثابت، فعلى سبيل المثال، تُظهر الولايات المتحدة بشكل متكرر تأييدا لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي، حتى في ظل انتهاكاتها الواضحة للقانون الدولي، سواء في تدمير المنازل الفلسطينية، أو حرب الإبادة التي تشنها ضد أهالي غزة.
أما في السياق العسكري، فتعتبر إسرائيل أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم، مع تزويدها بأسلحة متطورة للغاية؛ مما يعزز قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية ضد الفلسطينيين.
ومن جانب آخر، رغم حرب الإبادة الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، تتبنّى الدول الغربية موقفا يتسم بالصمت، أو التبرير، حيث يُنظر إلى هذه الممارسات -غالبا- على أنها “دفاعية” من جانب إسرائيل، رغم أن الحقائق على الأرض تشير إلى غير ذلك.
هل الأمن الإسرائيلي التزام ديني وأخلاقي؟
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه هنا: هل الأمن الإسرائيلي بالنسبة للدول الغربية وأمريكا التزام ديني وأخلاقي؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من النظر في العلاقة التاريخية بين الغرب وإسرائيل.
وتُعتبر العلاقة بين الغرب وإسرائيل علاقة معقدة تتداخل فيها الدوافع الدينية والتاريخية، فبعض التيارات المسيحية في الغرب، خصوصا تلك التي تتبنى الرؤية الأصولية الإنجيلية، ترى في دعم إسرائيل جزءا من التزام ديني يؤمن بعودة اليهود إلى أرض فلسطين وتعتبر ذلك من النبوءات الدينية في الكتاب المقدس.
وهذا التصور يؤدّي دورا في تشكيل سياسات بعض الحكومات الغربية، خاصة في الولايات المتحدة.
وفي عام 1290م، بلغ الصراع المسيحي اليهودي في أوروبا ذروته عندما أصدر ملك إنجلترا، إدوارد الأول، مرسوما يلزم يهود إنجلترا باعتناق المسيحية أو الرحيل نهائيا عن المملكة. ثم تبعه ملك فرنسا، فيليب الأول، عام 1306م؛ مما يعكس كراهية المسيحيين الأوروبيين لليهود.
أدّى هذا الوضع إلى اعتناق اليهود المسيحية ظاهريا مع الحفاظ على يهوديتهم في السرّ، واستمر هذا الوضع حتى تمكن اليهود من تأسيس حركة دينية بدأت تحت مسمى “البروتستانتية”، وكانت في ظاهرها تدعو إلى الإصلاح الديني في الكنيسة الكاثوليكية؛ لكنها هدفها في باطنها هو الحدّ من سيطرة الكنيسة على المجتمع، وهذه الحركة التي قادها مارتن لوثر (1483-1546) كانت بمثابة احتجاج ضد التسلط الكاثوليكي.
البروتستانت والهجرة إلى أمريكا
نظرا إلى قلة عددهم، ورفض الكاثوليك لهم في أوروبا، هاجر البروتستانت إلى القارة الأمريكية بعد اكتشافها عام 1492م، ليجدوا في أمريكا ملاذا لهم.
واليوم، يشكل البروتستانت غالبية المسيحيين في أمريكا، ويؤمنون بأن اليهودية والمسيحية هما دين واحد نزل على مرحلتين: العهد القديم، والعهد الجديد، ويعتبرون أن الكتابين يشكلان وحدة متكاملة. من هذا المنطلق، يتبنّى البروتستانت التصالح بين اليهود والمسيحيين؛ إذ يعفون اليهود من دم المسيح -على حد زعمهم- ويتبنون دعم إسرائيل بشكل علني؛ حيث يدعون لها في الكنائس، ويجمعون التبرعات لصالحها، ويضغطون على الحكومة الأمريكية؛ لدعمها تمهيدا لعودة المسيح.
وبناء على هذه الفكرة، يروّج التيار البروتستانتي المتطرف لفكرة أن عودة المسيح مشروطة بوجود دولة يهودية في فلسطين، وبناء الهيكل المزعوم.
هذا التيار، الذي يعرف باليمين المتطرف أو الصهيونية المسيحية، يضم أكثر من 150 مليون أمريكي، وغالبية أتباعه يدعمون الحزب الجمهوري، الذي يعبّر عن هذا الفكر السياسي والديني.
عدد من رؤساء الحزب الجمهوري، مثل رونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، تبنّوا هذا الموقف الداعم لإسرائيل؛ حيث أيّدوا توسيع نفوذها في المنطقة.
والرئيس ترامب أيضا أظهر دعمه القوي لإسرائيل، حيث اعترف بالقدس عاصمة لها في خطوة تمهيدية لإقامة الهيكل المزعوم.
الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي
من جهة أخرى، يرى الحزب الديمقراطي أن الكيان الصهيوني هو امتداد للاحتلال الغربي في الشرق الأوسط، ويعمل كقاعدة عسكرية متقدمة لمشروعه الاحتلالي في المنطقة، لكن الحزب الجمهوري يراه جزءا من خطة دينية؛ لضمان عودة المسيح.
وبعيدا عن الأبعاد الدينية، يمكن النظر إلى الدعم الغربي لإسرائيل من زاوية أخلاقية، فرغم أن الغرب يدّعي التزامه بحماية “الحقوق الأساسية للشعوب”، والدفاع عن المدنيين؛ فإن الواقع الفلسطيني يتناقض مع هذه المبادئ.
فالغرب -بمواقفه الرسمية- يواصل دعم إسرائيل في عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين، ويستمر في تزويدها بالأسلحة رغم الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، وهذا يتناقض مع القيم التي يزعم الغرب التزامه بها في سياق حقوق الإنسان.
في النهاية، يبدو أن دعم أمريكا والدول الغربية لإسرائيل ليس ناتجا عن التزام أخلاقي حقيقي بقدر ما هو مزيج من مصالح استراتيجية ودينية.
لذا، تصعب الإجابة بشكل قطعي عن السؤال حول ما إذا كان دافع هذا الدعم دينيا وأخلاقيا، أم مجرد انحياز سياسي يخدم مصالح معينة؟