ما كشفه قرار المحكمة الجنائية الدولية
زلزال سياسي أحدثته المحكمة الجنائية الدولية وتوارى العرب عن التفاعل معه بأي صيغة.
للمرة الأولى تصدر مؤسسة أممية قرارًا بهذه الدرجة من القوة والتأثير ضد قادة دولة الاحتلال الصهيوني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالمراهنون على بقاء ” الأسد” حيا وهاربا!
لماذا تقتحم الشعوب القصور الرئاسية؟
هل بدأ سقوط الطغاة وانتصار إرادة الشعوب من دمشق!
الصدمة ظهرت على كل الأطراف، من الكيان المحتل إلى الأنظمة العربية، ومن الولايات المتحدة إلى الأوروبيين. الكل في ورطة لا يدرك ما هو التصرف الأمثل.. والأسلم.
في القراءة الأولى للقرار الصاعقة ملاحظات مهمة: غياب أمريكا عن أي مؤسسة دولية يمنحها مساحة أكبر من الاستقلالية في العمل.
هذه حقيقة أولى يمكن ملاحظتها في نفس لحظة صدور إعلان المحكمة الجنائية الدولية قراراها باعتقال مجرمي الحرب بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت.
فالمعروف أن الولايات المتحدة ليست عضوًا بالمحكمة حتى الآن، ويبدو أن غيابها أضعف القبضة التي تحكمها على المؤسسات الدولية جميعها.
هذا الغياب كان له دور وتأثير في صدور القرار المهم وغير المسبوق، بتأثيراته الكبيرة.
غياب عربي شائن
خمس دول عربية فقط هم الأعضاء في الجنائية الدولية والذين صدقوا على نظام روما الخاص بالمحكمة هم: تونس وفلسطين والأردن وجزر القمر وجيبوتي!
منذ لحظة صدور قرار المحكمة الدولية ضد نتنياهو وغالانت اختفت الأنظمة العربية الرسمية تمامًا، لم نسمع لغالبيتها العظمى صوتًا أو تعليقًا من أي نوع!
صمتت وزارات الخارجية ولم يتحدث زعيم عربي أو يعلن موقفًا من القرار التاريخي. فباستثناء الجزائر والعراق غاب التعقيب العربي بالكامل.
المفارقة كانت في تعليقات عدة صدرت عن دول أوروبية وجاءت حاسمة، تؤكد احترامها لقرار المحكمة، وتعلن نيتها تطبيقه ضد الإرهابيين نتنياهو وغالانت.
حدث ذلك بينما اكتفى النظام العربي الرسمي بصمت شائن ليس له مبرر إلا الخوف من غضب قيادات دولة الاحتلال.
في هذا الصمت المخزي ما يكشف الدور العربي الرسمي في هذا العدوان الذي بدأ منذ أكثر من عام.
اختار العرب منذ البداية القيام بدور الوسيط، فلا هم تعاملوا كأطراف في الحرب، ولا اجتهدوا في الضغط الجاد على الإرهابي المنفلت بنيامين نتنياهو لإيقاف عدوانه، ولا حتى تفاعلوا مع قرارات دولية وصمت الاحتلال بممارسة الإبادة وقادته بالمطلوبين للمحاكمة.
قرار المحكمة الأخير جاء كاشفًا لفكرة لم يصل لها خيال الشعوب العربية. فحتى الضغوط السياسية والقانونية لا تقوى عليها الأنظمة الرسمية.
لم يكن قرار الجنائية الدولية يحتاج لأكثر من ترحيب يضع قيادات الاحتلال الصهيوني تحت ضغط كبير، ويجبرهم على التراجع عن حربهم المجنونة ضد غزة ولبنان.
حتى بيان الترحيب خذلنا فيه العرب الرسميون.
ليس الخذلان الأول
على طريق الاختفاء الكبير لم يكن الغياب العربي عن التفاعل مع حكم الجنائية الدولية هو الأول. للعرب دروب كثيرة من التخاذل والخذلان والصمت عندما يحين موعد الكلام!
في ديسمبر/كانون الأول 2023 كانت جنوب إفريقيا تقف وحيدة أمام محكمة العدل الدولية في الدعوى التي أقامتها ضد الكيان المحتل في لاهاي بهولندا.
اتهمته الدولة الإفريقية الشجاعة بالإبادة الجماعية لأهل غزة بينما مارس العرب دورهم المعتاد من مقاعد المتفرجين.
برغم تهديد بعض الدول العربية بالانضمام لجنوب إفريقيا في دعواها أمام المحكمة الدولية، إلا أن هذا لم يحدث أبدًا.
علاقة غير مفهومة تربط الأنظمة العربية الرسمية بالصمت والغياب والتخاذل والتردد. كأنها قصة غامضة ما زلنا نبحث عن حلها إلا أن النهاية لا تأتي!
منذ السابع من أكتوبر/تشرين 2023 عرضت الأنظمة الرسمية نفسها باعتبارها تسعى لوقف العدوان بالعمل السياسي والدبلوماسي والقانوني. فلما جاء وقت الجد وصدرت قرارات مهمة من محاكم دولية اختفى الجميع.
غابوا كأنهم لم يكونوا على وجه الأرض! في الغياب رسالة فهمناها جميعًا.
خرجت الأنظمة الرسمية من التاريخ، وباتت عبئًا على شعوب عربية غاضبة يوجعها العجز وقلة الحيلة.
أضحت أقل من أن تصدر بيانًا ترحب فيه بقرار الجنائية الدولية وتدعو دول العالم إلى احترام عمل المحكمة والالتزام بقرارها، كشفت وجهها ودورها منذ بداية العدوان، هربت عندما بات عليها أن تواجه القاتل بإرهابه وانفلاته من كل القيود القانونية والأخلاقية.
وتركت شعوبها تكابد شعورها بالخجل.
حكم كاشف للمستقبل
بمقدار ما صدم قرار المحكمة الدولية المواطنين العرب في أنظمتهم الرسمية، وبقدر ما كشف عن أن الغياب العربي سيستمر، وأن دورًا جادًا قد يلعبه العرب في المستقبل هو أمر مستبعد، فإنه كشف أيضًا أن نتيناهو وعصابته الحاكمة في تل أبيب باتوا عبئًا على العالم، تلقف عدد من الدول الغربية قرار المحكمة وأعلنوا التزامهم به!
مشهد كاشف لأن حرب الإبادة فقدت مبرراتها وبات حكام العالم في وضع ضعيف ومحرج أمام شعوبهم الغاضبة.
فرنسا وهولندا وكندا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي وغيرهم أعلنوا رغبتهم في تنفيذ الحكم.
أوروبا المرتبكة منذ إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية بفوز دونالد ترامب باتت تسعى لمزيد من الاستقلالية عن مواقف الولايات المتحدة لا سيما قبل أن يتسلم ترامب مهام منصبه.
الإعلان الغربي السريع عن احترام الحكم التاريخي هو محاولة لتثبيت واقع على الأرض قبل تسلم الرئيس الأمريكي الجديد القديم مهام منصبه في مطلع العام المقبل، فاختيار ترامب الامتثال لضغوط إسرائيل للموافقة على استمرار الحرب العدوانية وتمددها سيضع أوروبا في مأزق أمام شعوبها التي باتت تتململ أكثر من أي وقت مضى.
يسعى الإرهابي نتنياهو لكسب الوقت حتى تسلم ترامب منصبه وتسعى أوروبا- بتحرك فرنسي- لترسيخ مواقف جديدة تنهي الحرب التي تحولت إلى عبء وعبث لا يمكن تبريره.
الأقرب أن أوروبا لن تقبل بغالبيتها بأن يستمر العدوان ويتوسع رغم السؤال الصعب عن ما تملكه من أوراق للضغط والتأثير في المنطقة.
في التحركات العالمية غياب عربي جديد عن الحاضر لا يمكن استبعاد تأثيره على المستقبل.
بات العرب صفرًا كبيرًا في معادلة القادم!
كشف القرار المهم العالم: صمت عربي يستمر إلى المستقبل، ورغبة أوروبية للتوصل لحل سياسي للأزمة، وترقب إسرائيلي لما سيفعله الرئيس الأمريكي الجديد.
لكن المؤكد الآن أن مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت أصبحا ملاحقين في دول العالم، في انتظار القبض عليهما وتقديمهما للعدالة.