نرفض المساواة بين القتلة وأبطالنا يا بايدن

نتنياهو وغالانت (الفرنسية)

رفض الرئيس الأمريكي بايدن بشدة المذكرة التي صدرت من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاع جيش الاحتلال السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ 415 يوما، وقال بايدن معلقا على القرار إنه يرفض المساواة بين إسرائيل وحماس، في إشارة إلى ورود اسم القائد محمد الضيف في القرار الذي يشير إلى المذابح التي قام بها -ولا يزال حتى الساعة- الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وتمتد إلى جنوب لبنان وبيروت منذ أكثر من شهر ونصف.

القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، ويُلزم 124 دولة مُوقعة على نظام روما الأساسي الصادر عام 1998 باعتقال نتنياهو وغالانت حال وصولهما إلى أراضي تلك الدول، أثار غضب الصهاينة حكومة ومعارضة، واتحدت قواهم لأول مرة منذ أشهر ضد الجنائية الدولية في ذعر من إثبات ارتكاب جرائم حرب في الأرض المحتلة، وهي الجريمة التي اتُّهم بها النازيون وكانت سببا في قيام دولة الاحتلال.

وإذا حكمت الجنائية الدولية على نتنياهو وغالانت فقد تكون نهاية للكيان كما بدؤوا بسبب ارتكابهم الجريمة نفسها التي أسست دولة الاحتلال.

اشتد غضب نتنياهو وقادة الكيان، وقال نتنياهو إن الجنائية الدولية تحولت إلى محكمة سياسية، في إشارة إلى تسييس القرار الصادر عنها، ورفضت الولايات المتحدة الأمريكية وقادتها القدامى في إدارة بايدن والمحتملين في إدارة ترامب القرار، وأعلنت أمريكا أنها لن تنفذ قرار المحكمة الدولية، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول فيه احترامه قرار الجنائية، وأعلنت هولندا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وكندا ترحيبها بالقرار واستعدادها لتنفيذه، ورفضته بعض الدول مثل الأرجنتين والنمسا والمجر، وذلك في ظل صمت عربي غريب تجاه القرار، فلم يصدر أي تعليق سوى من وزير الخارجية الأردني والعراق، بينما أطبق الصمت على مصر والسعودية والإمارات وغالبية الدول العربية، فلم يرحب أحد ولم يعلق غيره!

مساواة بايدن لا تمر

تلك المساواة التي أشار اليها الرئيس الأمريكي تأتي متواكبة مع السياسة الأمريكية الداعمة بلا حدود للكيان الصهيوني، بل إن الاتهام الموجَّه إلى نتنياهو وغالانت يجب أن يوجَّه أيضا إليه والإدارة الأمريكية كاملة التي شاركت على مدار العام في الجرائم والمجازر التي تعرَّض لها أهلنا في غزة، وأسفرت عن أكثر من 45 ألف شهيد معظمهم أطفال ونساء، وما زال شمال غزة وبيروت وسطا وجنوبا تشهد المذابح على مدار الساعة.

حين يقول بايدن المتخلي عن رئاسته لنائبته كامالا هاريس قبل أن تخسر تلك الانتخابات ضد ترامب إنه يرفض المساواة بين إسرائيل وحماس، فإننا نؤكد له أننا أيضا نرفض هذه المساواة بين هؤلاء المجرمين وقادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وكل الأرض الفلسطينية المحتلة، فكيف نساوي المجرمين مع الضحايا؟ كيف يمكن أن نساوي بين من يدمر الأرض ويذبح البشر ومن يدافع عنهم؟ كيف لمن يضحي من أجل الوطن وتراثه وقيمه أن يتساوى مع من تسيل من أياديه دماء الأطفال والنساء والشيوخ، ويموت على يديه الأطفال من الجوع والعطش.

كيف لنا يا بايدن أن نجعل من لا يشعرون بالدماء التي تسيل من أياديهم مساوين لمن يضحي ويموت دفاعا عن أرضه وعرضه وشرف أمته؟ لا يتساوى المقاوم الذي يواجه دباباتك ومدفعيتك وقنابلك الذكية مع من يدمر حياة البشر بضغطة زر على مدفع وقنبلة، إن المجرمين الصهاينة الذي تراقصوا على جثث أطفالنا لا يمكن أن يكونوا في الكفة ذاتها مع الذين يواجهون آلياتكم العسكرية التي تجرّف الأرض وتسمم المياه وتمنع الحليب عن الأطفال الرضّع.

كيف لمن يبنون ويحافظون على التراث الإنساني، ويقيمون المدراس في الخيام، ويتلقون العلم في جامعات مهدمة، أن نساويهم مع الذين دمروا الكنائس والمساجد والجامعات والمدارس وبيوت الآمنين على رؤوس الأطفال والنساء والفتيات والشيوخ والعجائز؟ نعم لا نساوي بين هؤلاء المجرمين الذين لا يحاربون إلا من وراء مدفعيتك، وهؤلاء الذين يدافعون عن الوطن ولو بعصا السنوار العظيم، لا يتساوى سنوارنا وضيفنا وأبو عبيدة ورجالهم من المقاومين مع قتلة الأطفال، أيها العجوز الصهيوني صاحب أكبر دعم عسكري ومالي للقتلة من قادة الكيان الصهيوني وجنودهم وساستهم، سارقي الأوطان والتراث والتاريخ.

وجعكم صمود أبطال غزة

صرخات بايدن ورفاقه في الكيان الصهيوني لا تأتي من قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي يُلزم نتنياهو وغالانت بعدم المغادرة خارج الأرض المحتلة، ويسجنه داخل الكيان الصهيوني كما تسجنه صواريخ المقاومة اللبنانية في المخابئ على مدار شهر ونصف، وتسجن يوميا ما لا يقل عن مليون مستوطن في المخابئ نفسها. ولكن لعجزهم حتى الآن عن الوصول إلى أسراهم رغم 13 شهرا من القتل والتدمير والمجازر، وعجزهم عن تحقيق أهدافهم في غزة من القضاء على حماس، أو أن تكون غزة بلا حماس غداة اليوم التالي للحرب، بل إن هناك توقعات إسرائيلية أن يكون اليوم التالي للحرب بلا الكيان نفسه، تلك الحالة التي يمر بها الكيان للمرة الأولى منذ نشأته، فلن تغيب حماس التنظيم والفكرة، ولن يغيب حزب الله التنظيم والفكرة مهما دمروا من مبان، ومهما كان عدد شهدائنا.

قد ترفض بعض الدول تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، وتسمح باستقبال نتنياهو وغالانت في أراضيها، لكن الطائرات ستظل في أماكنها حيث لا تستطيع عبور أجواء دول تلتزم بتنفيذ القرار، كما فعلت تركيا عندما رفضت السماح لطائرة رئيس دولة الكيان بالعبور في أجوائها لحضور مؤتمر المناخ فلم يخرج من الكيان، سيكون الحال هكذا مع نتنياهو وغالانت وربما عديد من القادة والجنود، كما أشارت صحف عبرية عن توقّع صدور قوائم سرية للمحكمة الجنائية لجنود وقادة صهاينة آخرين.

يوجع نتنياهو وداعمه بايدن وقادة المعارضة في الكيان اللقيط هذا الاستنزاف اليومي لجنودهم وعتادهم في غزة الصامدة منذ عام وأكثر أمام كل أسلحتهم وعتادهم، غزة الصغيرة التي ما زال أبطالها يكبدونهم الخسائر البشرية يوميا، غزة التي يتمكن أبطالها من نصب كمائن لجنودهم وآلياتهم فلا يجرؤون على إعلان الأعداد الحقيقية لقتلاهم، ولا يستطيعون أن يقولوا ما يحدث في جباليا وخان يونس، كما لا يجرؤون على نشر ما يحدث في جنوب لبنان من بطولات.

في غزة والجنوب يقاتلهم أعداد محدودة من الأبطال ويكبدونهم الخسائر، هذا هو الفرق يا بايدن بين أصحاب الأرض والحق والتاريخ، والمغتصبين للأرض والحق والتاريخ، وما دام جيش الاحتلال لا يبقى على الأرض في غزة وجنوب لبنان فلا فائدة من جرائمكم التي ستحاسَبون عليها ذات يوم، وإن نصر الله قريب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان