الأوروبيون في رعب من الصدام النووي بين روسيا والناتو

زيلينسكي قال إنه يريد نهاية عادلة للحرب بين أوكرانيا وروسيا
زيلينسكي (رويترز)

تعيش القارة الأوروبية حالة من الخوف لم تشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد التصعيد الروسي الأخير وتهديد بوتين والقادة الروس باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي تمد أوكرانيا بالصواريخ التي تهدد الداخل الروسي، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، وتمتلئ الصحافة الغربية بالتقارير التي تدعو المواطنين للاستعداد للكارثة القادمة، وتقدم النصائح والتوصيات للنجاة من الهجوم النووي المحتمل.

أصدرت ألمانيا تحذيرا للألمان وطلبت منهم الاستعداد لحرب عالمية ثالثة، ووزعت السويد كتيبات على مواطنيها طالبتهم بتخزين الطعام والمياه، ودعتهم في حال وقوع هجوم بأسلحة نووية إلى الاحتماء بالملاجئ، كما نشرت فنلندا نصائح لشعبها عبر الإنترنت، ونفس الأمر فعلته النرويج حيث تضمن كتيب النصائح قائمة بالضروريات التي يجب توفرها، مثل الأطعمة المعلبة وألواح الطاقة والبطاريات والأدوية، مثل أقراص اليود التي تفيد في مواجهة الإشعاع.

في بريطانيا التي تقود الجهود الأوروبية لدعم أوكرانيا وصاحبة النصيب الأكبر من التهديدات الروسية، نشرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل النصائح بالابتعاد عن القواعد العسكرية وخاصة مواقع الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، ونشرت خرائط بالمواقع التي قد يقصفها الروس وخاصة قاعدة الغواصات في اسكتلندا، ودعا الخبراء في حالة الهجوم النووي بالتوجه إلى الملاجيء المنتشرة في أنحاء البلاد منذ الحرب العالمية الثانية والأنفاق ومحطات المترو.

الأكثر غرابة كانت المناقشات المتعلقة بالدول الآمنة والملاذات التي يمكن هروب الأوربيين إليها، والابتعاد عن الدمار المتوقع الذي سيحول بلادهم إلى خراب، وسيغطيها الغبار الذري لعقود طويلة، حيث نقلت بعض الصحف عن رجال أعمال وأثرياء أنهم خططوا للفرار إلى نيوزيلندا وإيسلندا وتشيلي وفيجي، حيث تكون فرص النجاة أفضل والبقاء على قيد الحياة أكبر.

الصواريخ أشعلت الصراع

التطورات الجديدة التي زادت من سخونة الصراع هي الموافقة الأمريكية والبريطانية والفرنسية على قصف الداخل الروسي بصواريخ متطورة لتحسين موقف الجيش الأوكراني الذي لم يستطع تحقيق أي اختراقات في الجبهة، فالرئيس الأمريكي بايدن المنتهية ولايته قرر تسليم أوكرانيا صواريخ ” أتاكمز” بجانب صواريخ “هيمارس” التي أرسلت من قبل، وتبعه الإنجليز والفرنسيون بتسليم زيلينسكي صواريخ “ستورم شادو” و”سكالب” وقد استخدمها الرئيس الأوكراني بالفعل؛ الأمر الذي أشعل الغضب في روسيا.

كان الرد السريع من بوتين بتعديل العقيدة النووية الروسية بما يسمح له باستخدام السلاح النووي ضد دول الناتو وليس فقط ضد أوكرانيا، حيث اعتبر الدول النووية التي قدمت الصواريخ مشاركة في العدوان، واتهمها بأنها هي التي تختار الأهداف داخل روسيا، ويقوم جنودها بتشغيل المنظومات التي لا يعرف الجنود الأوكران استخدامها.

لتأكيد الرسالة الروسية تم قصف مصنع عسكري أوكراني في دنيبرو بالصاروخ الجديد “أوريشنيك” متوسط المدي يحمل ست رؤوس تقليدية، والأسرع من الصوت بعشر مرات، ولا تستطيع منظومات الدفاع الجوي التابعة للناتو اعتراضه، وهو قادر على حمل رؤوس نووية ويستطيع الوصول إلى كل العواصم الأوروبية، وخرج بوتين في بيان متلفز يعلن بنفسه عن عقيدته الجديدة التي تعطيه الحق في الضرب بالسلاح النووي حتى لو كان العدوان على روسيا بصواريخ تحمل رؤوسا تقليدية.

حلول ترامب لا يقبلها الأوروبيون

يهاجم أنصار ترامب بايدن ويتهمونه بأنه يريد إشعال الحرب لتوريط الإدارة الجديدة قبل أن تتسلم السلطة في يناير القادم، لكن أنصار بايدن يبررون موافقته على ضرب العمق الروسي بصواريخ أمريكية بأنه جاء ردا على التقارير التي تفيد بوصول آلاف الجنود من كوريا الشمالية للقتال في أوكرانيا، وهناك من يروج أن ترامب سيوقف الحرب بالإقرار بسيطرة روسيا على الأراضي التي تحتلها وتأجيل انضمام أوكرانيا للناتو، وهذا ما ترفضه أوكرانيا، وتشاركها الدول الأوروبية.

يشعر القادة الأوربيون بالقلق بعد فوز ترامب الذي لا يخفي موقفه الرافض لدعم تسليح أوكرانيا ويتهمونه بالجنون والانفراد بالقرارات الاستراتيجية دون مراعاة للمصالح الأوروبية، ويقتنع الأوربيون بأن أوكرانيا هي البداية ولا يوجد رادع للروس، وإذا انتصر بوتين على كييف سيتحرك للسيطرة على دول البلطيق: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وبعدها سيستهدف جيرانه الآخرين: فنلندا وبولندا والسويد، وسيزداد طمعا والاستمرار في التوسع، حيث أن الأفكار الأوراسية التي يؤمن بها بوتين تهدف إلى الهيمنة على أوربا وآسيا معا.

الأوراسية واستعادة الإمبراطورية الروسية

الأهداف الروسية أبعد من السيطرة على أوكرانيا، التي تحولت إلى نقطة استنزاف للدول الغربية التي تختبئ خلف كييف وتحارب من وراء ستار، فبوتين والنخبة الروسية يعتنقون الفكرة الأوراسية وأحقيتهم في الهيمنة على القارتين الأوروبية والآسيوية، واستعادة الإمبراطورية الروسية التي انهارت مع تفكك الاتحاد السوفيتي، ويريد الأوراسيون حجز مركز في قيادة العالم، يليق بمكانة روسيا كدولة عظمى في النظام الجديد بعد الإطاحة بزعامة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.

ليس أمام ترامب الكثير لاحتواء روسيا، وهو لا يملك عصا سحرية لوقف بوتين، فالرئيس الروسي يستفيد من النزعة الفردية لترامب واندفاعه، ويوظف خوف الرئيس الأمريكي الجديد من الحروب للتمدد على حساب الأمريكيين، وقد حدث هذا في فترة ترامب الأولى حيث زاد النفوذ الروسي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

يستغل الروس كراهية الشعوب للغرب بطرح شعارات تحظى بالتأييد على نطاق واسع، مثل تعدد الأقطاب والتصدي لأفكار الانحطاط الأخلاقي وتغيير شكل الأسرة في الدول الغربية، والتخلص من هيمنة الدولار، وقد  ينجح بوتين في تنفيذ بعض طموحاته مستغلا الضعف العسكري الأوروبي، وتراجع القوة الأمريكية، لكن ما يجري على أمريكا يجري على الروس أيضا، فالحروب الطويلة تستنزف روسيا وتضعفها، خاصة مع تكتل دول غرب أوروبا التي تدافع عن وجودها.

رغم حرص الروس وحلف الناتو على تجنب الصدام النووي لما يترتب عليه من خسائر للطرفين فإن تصادم الاستراتيجيات وصعوبة الحسابات التي تحولت إلى صراع وجود قد تجعل الصدام حتميا، خاصة مع وجود دول صاعدة أخرى تمثل الحضارات القديمة تبحث لها عن مكان في قمة النظام الدولي الذي يتشكل على أنقاض النظام المنهار الذي فضحته حرب العدوان على غزة، وقد تشتعل الحرب العالمية الثالثة في أي لحظة بسبب نقاط التوتر، والبراكين الخامدة التي قد تنفجر في أي لحظة، وربما لأخطاء وأسباب لم تكن في الحسبان.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان