الصحفيون المصريون في مواجهة العواصف
بينما يستعد الصحفيون المصريون لعقد مؤتمرهم العام السادس منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل انفجر الكثير من الهموم والمشاكل والتحديات التي واجهتهم طوال الفترة الماضية، وأصبحت تهدد بقاء المهنة نفسها، ومن ثم تهدد حاضرهم ومستقبلهم، وينتظر الصحفيون هذا المؤتمر العام ليطرحوا فيه هذه الهموم لعلهم يجدون حلا أو بعض حل لها أو لبعضها.
كانت الصحافة المصرية هي الرائدة في المنطقة العربية منذ مطلع القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1819 مع دخول مطبعة بولاق ونشر صحيفة الوقائع، التي تلاها صدور العديد من الصحف، وصولا إلى هذه الإمبراطورية الصحفية الكبرى التي تتنوع بين صحف عامة وخاصة وحزبية، لكن الصحافة المصرية بدأت تفقد ريادتها لصالح الصحافة اللبنانية أولا بحكم ما تمتعت به الأخيرة من حريات أوسع، ثم لصالح الصحافة الخليجية بحكم ما تمتعت به من تمويلات أكبر، واستعادت الصحافة المصرية توهجها مجددا بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مع ارتفاع سقف الحرية، ومع تدفق تمويلات خاصة كبيرة سواء محلية (أو حتى أجنبية!!)، لتعود الصحافة المصرية إلى الانكماش الشديد عقب الثالث من يوليو/تموز 2013، مع غياب الحريات، ومع غياب التنافس، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي قلصت الإعلانات وهي مصدر التمويل الرئيسي لها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
أزمة الحريات والاقتصاد
تتعدد مشاكل وهموم الصحافة المصرية في الوقت الحالي، لكن أهمها هو غياب الحريات، التي هي الهواء الذي تتنفسه الصحافة والصحفيون، وهي التي توجد منافسة بين الصحف ووسائل الإعلام تصب في النهاية في صالح القارئ والمشاهد، وغياب الحرية هنا لا يقتصر على حدود سقف النقد المتاح الذي تدنى إلى أقل درجة، بل يتعداه إلى ملاحقة الصحفيين الذين لا يلتزمون بالخط الرسمي والتوجيهات الرسمية (سواء من يعملون داخل مصر أو خارجها)، وكان نتيجة ذلك حبس عشرات الصحفيين، وإغلاق العديد من الصحف، وحجب مئات المواقع، وإدراج العديد من الصحفيين والإعلاميين في قوائم الإرهاب، ومنع العديد من الكتاب من الكتابة، ومنع العديد من البرامج التلفزيونية، أو منع العديد من الضيوف من الظهور فيها، لنصبح أمام إعلام الصوت الواحد، وقد تسبب ذلك في تراجع مصر على مؤشر حرية الصحافة الدولي إلى المرتبة 170 عالميا بعد ليبيا والعراق والسودان واليمن وفلسطين؛ لتستقر في المنطقة السوداء للمؤشر طوال السنوات العشر الماضية.
المشكلة الثانية الكبرى التي تواجه الصحافة المصرية وتهدد بانقراضها هي الأزمات الاقتصادية، التي هي جزء من الأزمة الاقتصادية العامة لكنها تزيد عليها بالنسبة للصحافة المصرية التقليدية في حجم مديونياتها وخسائرها الكبيرة المتراكمة عبر العقود، وفي انصراف القراء عن هذه الصحافة نتيجة ثورة الاتصالات، وسهولة الوصول إلى الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تتطلب دفعا ماليا من جهة، كما أنها تتمتع بحريات واسعة من ناحية أخرى، وإن كانت أقل مهنية أو مضللة أحيانا في نقلها للأحداث.
المؤسسات الصحفية القومية (الحكومية) الكبرى التي تضم حوالي 30 ألف صحفي وموظف، إضافة إلى قنوات التلفزيون الرسمي (ماسبيرو) التي تضم عددا مماثلا، كانت ولا تزال جزءا من مؤسسات الدولة التي يصعب التخلص منها بقرارات مباشرة، وغالبا يتم التخلص منها بالموت البطيء، فلا تعيينات ولا توسعات جديدة، مع دفعها للبحث عن حلول لمديونياتها.
لقد أصبح للنظام الجديد منظومته الإعلامية الجديدة الأكثر شبابا، والأكثر تعبيرا عنه وهي متمثلة في قنوات وصحف ومواقع الشركة المتحدة، ولم يعد بحاجة للإعلام القديم، كما لم تعد هناك مساحة للإعلام الخاص البعيد عن يد السلطة مع استثناءات قليلة في بعض المواقع الإخبارية المحدودة الانتشار.
تدهور أوضاع الصحفيين
هذه الأزمة الاقتصادية انعكست على الحالة المعيشية للصحفيين أنفسهم، حيث لم تعد رواتبهم ومكافآتهم تكفيهم مع تزايد صعوبات المعيشة، ولذا يلجأ الصحفيون للعمل في أكثر من مكان، بل إن الكثيرين منهم يلجؤون للعمل في أعمال غير صحفية لتوفير احتياجاتهم الضرورية، ويعاني الكثيرون منهم البطالة، وهنا يجدر التنويه إلى أن المبالغة في تأسيس كليات إعلام في الجامعات الحكومية والخاصة قدم للسوق الإعلامي أعدادا ضخمة من الخريجين تفوق احتياجاته، وتوجِد بطالة سافرة أو مقنعة.
يمثل المؤتمر العام للصحفيين منبرا مهما لطرح مشاكل وهموم مهنتهم، ومناقشتها بأسلوب علمي رصين وهادئ على خلاف الجمعيات العمومية التي تكون مختصة في شأن محدد، ولمدة ساعات قليلة، وقد بدأت الاستعدادات للمؤتمر العام السادس منذ أكثر من عام، علما بأن المؤتمر العام ينعقد على فترات متباعدة، حين يكون على رأس النقابة نقيب ومجلس قوي، أما النقباء والمجالس الروتينية فلا يهتمون بعقد هذا المؤتمر، ويمثل المؤتمر العام مرجعية مهنية وأخلاقية للصحفيين، يلتزمون بها طواعية، احتراما لشيوخ المهنة وخبرائها الذين يقدمون عصارات خبراتهم في تلك المؤتمرات.
المؤتمر العام السادس
المشكلات التي تحدثنا عنها سابقا ستكون حتما عناوين رئيسية للمؤتمر العام السادس، وقد حدد نقيب الصحفيين خالد البلشي المحاور الثلاثة للمؤتمر، وهي الأوضاع الاقتصادية، مثل الأجور، وأوضاع العمل، وأزمات الصحف المتعطلة، والمغلقة، واقتصاديات الصحافة، والموقف من قانون العمل، وتحسين أوضاع المؤسسات الصحفية، والمحور الثاني يتعلق بقضايا الحريات والتشريعات، ومنها أزمة حرية الصحافة، والصحفيين المحبوسين، والقيود التشريعية، وحرية الإصدار والحق في التنوع، وممارسة المهنة بدون قيود، ومشروع قانون لحرية تداول المعلومات ومنع الحبس في قضايا النشر، ومناقشة تعديلات قوانين الصحافة والإعلام، وعلاقتها بحرية المجال العام، أما المحور الثالث فيتعلق بمستقبل الصحافة والمهنة في ظل التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، وأزمات الصحافة الورقية والإلكترونية وتطوير قواعد مزاولة المهنة وبيئة العمل الصحفي وتطوير ميثاق الشرف المهني ولائحة القيد وتطوير التدريب وتطوير المحتوى الصحفي بين الحرية والمسؤولية.
يأتي انعقاد المؤتمر العام السادس في ظل أجواء سياسية واقتصادية عاصفة، وفي ظل حركة تغييرات لقيادات المشهد الإعلامي المصري غلبت عليها “الشكلانية”، ويحمد لنقيب الصحفيين خالد البلشي ومجلسه الإصرار على عقد المؤتمر العام رغم كل التحديات التي واجهته والتي أجلت عقده منذ مايو/أيار الماضي، وكل الأمنيات الطيبة لهذا المؤتمر بالنجاح والتوفيق، وكم كنا نود المشاركة فيه خاصة أننا شاركنا تحضيرا وحضورا في المؤتمرات العامة السابقة.