حماس هل تصبح ورقة ضغط في يد أنقرة؟!

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الفرنسية)

نجحت جهود الوساطة الدولية في إقناع كل من الكيان الإسرائيلي وحزب الله بقبول بنود الاتفاق الذي أفضى إلى وقف إطلاق النار في لبنان، ومهد الطريق أمام عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو شمال إسرائيل.

وهو ما يعني أن أهم جبهات المساندة لغزة وأكثرها فعالية قد أصبحت خارج خط المواجهة الدائرة بين حماس وإسرائيل، وهي الجبهة التي هدفت في المقام الأول -إلى جانب كل من العراق واليمن- لتخفيف الضغط عن مقاتلي حماس والفصائل الفلسطينية، الذين يقودون حربا وجودية داخل قطاع غزة ضد الممارسات العنصرية، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وابتلاع ما بقي من أراض بأيدي أصحابها الفلسطينيين.

وهو ما فتح الباب على مصراعيه للتساؤل عن مستقبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة لقياداتها، وما ينتظر المقيمين منهم في الداخل الفلسطيني أو الذين يديرون المعركة من الخارج، وتحديدا من الأراضي السورية والعراقية وبعض الدول العربية، مع عودة الحديث مجددا عن مطالب إسرائيلية أمريكية بضرورة ترحيلهم من أماكن تمركزهم في الدول التي تحيط بإسرائيل.

تركيا المرشحة لاستقبال قادة حماس

بعض التقارير الإعلامية والاستخبارية -خاصة الإسرائيلية والأمريكية- التي تم تداولها حديثا أشارت إلى نية تركيا استضافة عدد من هذه القيادات على أراضيها، والقبول بفتح مكتب رسمي لحماس يتولى مهمة تسيير الأمور السياسية والمالية والمادية داخل القطاع وخارجه، إلى جانب مهمة التفاوض حول حل القضية مع دولة الاحتلال، وهو الموقف الذي يهدف إلى رفع الحرج عن الدول الصديقة لتركيا، التي تستضيف عددا منهم منذ سنوات.

تركيا من جانبها نفت نفيا قاطعا ما حوته هذه التقارير من معلومات، وذلك في ردها على الرسائل التحذيرية التي وصلت إليها من الولايات المتحدة بشأن التداعيات السلبية التي يمكن أن تنعكس على علاقاتهما من جراء هذا القرار.

النفي التركي جاء مطابقا لوجهات نظر العديد من المحللين الإعلاميين المحليين، وبعض النخب السياسية القريبة من دوائر صنع القرار التركي، وهي وجهات نظر ترتكز على عدد من الأسباب التي تبدو منطقية في مجملها، ومنها:

1 – أن خطوة فتح مكتب لحركة المقاومة الإسلامية حماس، واستضافة عدد من قيادييها داخل تركيا من شأنه أن يضع العلاقات التركية الأمريكية على المحك، ويفسح المجال أمام كارهي تركيا في الإدارة الجديدة للبيت الأبيض برئاسة رونالد ترامب، والمؤيدين لإسرائيل منهم على وجه الخصوص، لممارسة ضغوط أكبر عليها، ومنحهم مبررا دامغا لعداواتهم المعلنة لها.

2 – أن تركيا ما زالت تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، وقد تعرض هذه الاستضافة اقتصادها للمزيد من الانهيار في حال قررت واشنطن معاقبتها على قيامها بهذه الخطوة، خاصة إذا ما عدتها تحديا لها، وهو ما بدا واضحا في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي صرح بأنهم بصدد إبلاغ الحكومة التركية أن الأمور لا يمكن أن تستمر مع حماس كما كانت من قبل، وعلى تركيا أن تعي ذلك جيدا.

3 – أن هذه الخطوة -إن تمت- يمكن أن تتسبب في عرقلة الجهود الدبلوماسية التركية لإقناع واشنطن بالموافقة على إقدامها على عملية عسكرية موسعة في الشمال السوري لتأمين حدودها، والحفاظ على أمنها القومي ضد التهديدات التي تمثلها الجماعات الكردية المسلحة بالمنطقة.

4 – أن الأوساط الأمنية والاستخبارية لكل من إسرائيل وأمريكا تصعد من ملاحقاتها لعناصر المقاومة الإسلامية، وتستهدفهم ليس فقط داخل قطاع غزة والضفة الغربية، بل في الخارج أيضا، وهو ما من شأنه تحويل تركيا إلى مسرح لمثل هذه الملاحقات والاغتيالات؛ مما سيؤدي إلى زعزعة استقرارها، ويضر بأمنها واقتصادها.

5 – هناك اتهامات لتركيا من جانب دولة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تمثل الرئة المالية التي تتنفس من خلالها حماس، حيث تسهل لها تعاملاتها المالية عبر مصارفها، وتمنحها حرية الحركة، وهو ما دفع مسؤولين أمريكيين إلى التهديد بوقف التعاملات المصرفية، وعرقلة وصول القطاع المصرفي التركي إلى الأسواق المالية الأمريكية في حال استمرت تركيا على السير في نفس النهج اتجاه حماس، فإلى أين يمكن أن تصل الأمور عند وجود قيادات حماس فيها؟

على الواجهة الأخرى فإن حكومة أنقرة تنظر إلى حماس باعتبارها منظمة تحرير شرعية، وليست منظمة إرهابية كما يصفها البعض، وأنها تسعى بواسطة أنشطتها وعملياتها ضد إسرائيل لاستعادة أراضيها المحتلة، بصفتها خيار الشعب الفلسطيني، الذي منحها صوته في انتخابات غزة عام 2006، بما يمنحها الشرعية الكاملة بالرغم من إقصائها عن السلطة.

ومن هذا المنطلق حملت سياسات الرئيس أردوغان خلال المدة الماضية المزيد من التعاطف معها، واتخذ عدة قرارات أثارت غضب واستياء إسرائيل والغرب عموما، حتى إنه سطر على منصة أكس ما يفيد أن دعم بلاده لفلسطين وغزة ولبنان أكثر بكثير مما يتم الحديث عنه، أو يعلن في وسائل الإعلام، وأنها ستظل على موقفها حتى تتوقف الإبادة الجماعية، ويتم تحرير غزة وفلسطين بالكامل.

مكاسب أمنية وسياسية واستراتيجية

وهو ما يمكن أن يستشف منه أن تركيا قد تقدم فعلا على خطوة استقبال عدد من قيادات حماس على أراضيها، وأن تمنحهم فرصة ممارسة أنشطتهم على أراضيها، دون الإعلان رسميا عن هذا الأمر، وذلك تحقيقا لعدة أهداف أمنية، وسياسية، واستراتيجية، منها:

1 – أن هذه الخطوة من شأنها أن تعيد لحزب العدالة والتنمية الحاكم الشريحة التي فقدها من الإسلاميين والمحافظين، الذين يرون أن مواقف الحكومة جاءت ضعيفة، وأن اتخاذ قرارات مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ووقف كافة قنوات التواصل مع الاحتلال، وإرسال بعض المساعدات الغذائية والطبية ليس كافيا، وأن ما ينتظرونه من دعم يتخطى هذا إلى ما هو أعمق وأكثر تأثيرا بما في ذلك الضغط لوقف الحرب، وإنهاء معاناة الفلسطينيين.

2 – إمكانية مقايضة موقف أنقرة الداعم لحماس واحتضانها لمقاوميها وقياداتها بموقف واشنطن الداعم لوحدات حماية الشعب في الشمال السوري؛ مما يعني أن تتحول حماس إلى ورقة ضغط في يد تركيا يمكنها استخدامها عند التفاوض مع إدارة ترامب فيما يخص تطورات الملف السوري.

3 –  استضافة قيادات حماس داخل تركيا من شأنها أن تزيد شعبية القيادة السياسية التركية في العالم الإسلامي في ظل حالة الصمت التي تلف مواقف دوله وشعوبه، بما لا يتناسب مع خطورة التطورات في قضية تعد الأولى بالنسبة للمسلمين.

4 – وجود حماس بهيئتها السياسية في تركيا رسالة واضحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بأن استعادة علاقاتها السابقة بها لن تكون ممكنة، وأن العداء معها أصبح خيارا للحكومة التركية إذا ما ظلت على تعنتها ورفضها الجلوس للتفاوض، وإفساح المجال أمام حل الدولتين، بما يتيح للفلسطينيين إنشاء دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

5 – وهي أيضا رسالة إلى الغرب عموما بأن تركيا أصبحت رسميا المدافع عن قضايا المنطقة والعالم الإسلامي، وأن هذا الأمر يمنحها الحق في المطالبة بتغيير ميثاق الأمم المتحدة، بما يتيح لها الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن بصفتها المتحدث الرسمي والمدافع عن قضايا وحقوق من لا صوت لهم.

هل تحسم أنقرة موقفها؟

مع التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة وتأثيراتها في الوضع بتركيا، برز حديثا تيار يمثل مختلف التوجهات الأيديولوجية بمن فيهم الإسلاميون، يرى أن الدولة التركية أصبحت بحاجة ماسة إلى مراجعة مواقفها، وإعادة النظر في نهجها السياسي، بما يتوافق مع توازن القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبما يحقق لها مصالحها.

وإن اتخاذ خطوات انفعالية غير مدروسة بدقة، لن يؤدي إلى نتائج عكسية فقط، بل أيضا سيعرقل مسيرتها التنموية والسياسية، ويضعها في مرمى نيران المتربصين بها، فمتى تحسم أنقرة موقفها، وتحدد خياراتها اتجاه هذه القضية؟

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان