زيادات ترامب الجمركية على الواردات.. هل تشمل العرب؟

ترامب خرج منتصرا بعد معركة قضائية طويلة
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (رويترز)

قبل أيام أعلن الرئيس الأمريكي الجديد ترامب أنه في اليوم الأول لتوليه في يناير/كانون الثاني القادم، سيقوم بفرض رسوم جمركية على جميع البضائع الواردة من المكسيك وكندا بنسبة 25%، وعلى البضائع الواردة من الصين بنسبة 10% إضافة إلى أي رسوم أخرى على منتجاتها. وأعلن ترامب أنه سيفرض تلك الرسوم على المكسيك وكندا لكي تقوما بتضييق الخناق على دخول المهاجرين والمخدرات لبلاده، وعلى الصين لتساهلها في تصدير مكونات أحد أنواع المخدرات الشائعة إلى الولايات المتحدة.

لكن الحقيقة وراء رسوم ترامب الجمركية تعود إلى مكانة الدول الثلاث في الواردات السلعية لبلاده، حيث استحوذت العام الماضي على نسبة 43% من الواردات السلعية، بنصيب 15.4% للمكسيك و13.9% للصين و13.7% لكندا، ويسعى ترامب للحدّ من العجز التجاري المزمن بالتجارة الأمريكية، المتواصل منذ عام 1976 بلا انقطاع، مع تزايد قيمته حتى تخطى تريليون دولار في السنوات الثلاث الأخيرة.

ورغم أن الولايات المتحدة تحقق فائضا بتجارتها الخدمية منذ عام 1971، فإن الفائض الخدمي أقل كثيرا من العجز السلعي؛ مما يصيب ميزان السلع والخدمات بالعجز، ففي العام الماضي بلغ العجز السلعي تريليون و153 مليار دولار، بينما بلغ الفائض الخدمي 271 مليار دولار فقط، ولذلك فقد اتجه ترامب في فترته الأولى إلى فرض المزيد من الرسوم على الواردات من الصين والاتحاد الأوروبي، وأعاد مراجعة نصوص اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وكندا ليقلل من الواردات.

كما قام بخفض الضرائب على الشركات من 35% إلى 21% في فترته الأولى لتشجيع الإنتاج وقدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، من أجل زيادة الصادرات الأمريكية السلعية كي يقلل من العجز التجاري، وهو ما ينوي الاستمرار فيه بعزمه على خفض الضرائب على الشركات من 21% إلى 15%، مع المزيد من المحفزات. وبالنظر إلى أن نصيب الدول الثلاث التي يعتزم ترامب زيادة الجمارك على سلعها بلغ العام الماضي 47% من مجمل العجز التجاري،  موزعة بين 26.2% للصين و14.3% للمكسيك و6.4% لكندا، يمكن إدراك سبب عزم ترامب فرض رسوم على بضائعها.

    أخطار فرض الدول إجراءات مضادة

ويمكن لتلك الدول القيام بإجراءات حمائية مماثلة مع السلع الأمريكية الواصلة إليها، حيث احتلت الدول الثلاث المواقع الثلاثة الأولى في الصادرات الأمريكية العام الماضي، واستحوذت على نسبة 41% من الإجمالي موزعة بين 17.5% لكندا و16% للمكسيك و7.3% للصين.

وستلحق تلك الإجراءات الحمائية الضرر بالعلامات التجارية الصغيرة داخل الولايات المتحدة، وتسبب زيادة سعر صرف الدولار أمام عُملات البلدان الثلاثة، وهو ما يزيد من تكلفة المنتجات الأمريكية داخل أسواق تلك الدول، الأمر الذي يتعارض مع سياسة ترامب بتفضيل الدولار الضعيف لتسهيل نفاذ البضائع الأمريكية إلى بلدان العالم.

وفي ضوء بلوغ نصيب دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين 19% من الواردات الأمريكية العام الماضي، وتحقيق الولايات المتحدة عجزا تجاريا مع الاتحاد بقيمة 208 مليارات دولار تمثل نسبة 19.5% من مجمل العجز الأمريكي، يصبح السؤال هل تمتد الزيادات الجمركية الترامبية إلى الاتحاد الأوروبي؟ وقد أجاب ترامب عن ذلك عندما صرح خلال حملته الانتخابية الأخيرة، بعزمه على فرض جمارك على الواردات الصينية بنسبة 60% ونسبة تتراوح بين 10 و20% على باقي دول العالم بما فيها الاتحاد الأوروبي.

وربما أجّل ترامب الإعلان عن زيادات الجمارك على الاتحاد الأوروبي لوجود متسع من الوقت حتى موعد توليه السلطة، أو ربما حتى يتفق مع دول الاتحاد على تفاصيل وعده بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وسعيه لتحميل دول الاتحاد جانبا من تكلفة الحرب بأوكرانيا.

نفس الأمر يتعلق بدول الآسيان العشر: الفلبين وإندونيسيا وسنغافورة وتايلاند وفيتنام وماليزيا وبروناي وماينمار ولاو، التي بلغ نصيبها من الواردات الأمريكية العام الماضي 10% من الإجمالي، وبلغ العجز التجاري الأمريكي معها 203 مليارات دولار تمثل نسبة 19% من مجمل العجز الأمريكي، حيث سيشملها تصريحه بفرض زيادة بنسبة ما بين 10 و20% من الجمركة على باقي العالم.

اتفاقيات تجارة حرة مع العرب

ونأتي إلى السؤال المهم إقليميا عن إمكانية فرض الرسوم الجمركية على الدول العربية، خاصة مع تصريحه بفرض نسبة ما بين 10 و20% على باقي دول العالم، وسبب التساؤل أن الولايات المتحدة تحقق فائضا تجاريا مع العالم العربي بشكل متواصل منذ عام 2015 وحتى العام الحالي بعكس العجز مع الدول الأخرى، حيث بلغ الفائض الأمريكي مع العرب العام الماضي 15 مليار دولار، وبلغ في الشهور التسعة الأولى من العام الحالي 15.3 مليار دولار.

وقد ساهم وجود أربع اتفاقيات تجارة حرة بين الولايات المتحدة والأردن والمغرب والبحرين وسلطنة عمان، في زيادة صادرات تلك الدول إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى اتفاقية الكويز التي تسهل دخول الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة بلا جمارك، إذا كانت تحتوي علي نسبة من المكونات الإسرائيلية، إلا أن الفائض الأمريكي الذي تحقق مع العرب في الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، جاء أساسا من تحقيق  فائض أمريكي مع الإمارات بلغ 14.8 مليار دولار، إضافة إلى فوائض مع 12 دولة عربية أخرى، مقابل تحقيق الولايات المتحدة عجزا مع ثماني دول عربية أبرزها العراق والجزائر والسعودية والأردن وليبيا وتونس.

ولم يعد ممكنا أن نعول على وجود اتفاقيات تجارة حرة مع أربع دول عربية لنطمئن على عدم فرض زيادات جمركية أمريكية عليها، بعد أن شهدنا إعلان ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا اللتين تربطه بهما اتفاقية النافتا للتجارة الحرة منذ عام 1994.

وتشير نتائج التجارة الأمريكية في الشهور التسعة الأولى من العام الحالي إلى توقع تنفيذ  عزمه على زيادة الرسوم الجمركية، إذ أشارت إلى زيادة قيمة الصادرات الأمريكية إلى دول العالم بقيمة 40 مليار دولار مقارنة بنفس الشهور من العام الماضي بنمو 2.7%، في حين زادت قيمة الواردات بـ119 مليار دولار بنمو 5.2%، ليرتفع العجز التجاري الأمريكي في الشهور التسعة إلى 872.5 مليار دولار بزيادة 79 مليار دولار عن العجز في فترة المقارنة بنمو 10% للعجز.

ويزيد هذا التوقع أنه إذا كانت الصين والمكسيك قد احتلتا المركزين الأول والثاني بقائمة دول العجز التجاري في الشهور التسعة الأولى العام الحالي، فقد جاءت كندا بالمركز التاسع لقيمة العجز التجاري بقيمة 46 مليار دولار، ومع ذلك فسيتم فرض جمارك عليها بنسبة 25%، بينما جاءت فيتنام بالمركز الثالث بقيمة 91 مليار وألمانيا 64 وأيرلندا 62 ثم تايوان وكوريا الجنوبية واليابان بالمركز الثامن بقيمة 50 مليار دولار.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان