هل انتصرت إسرائيل على حزب الله.. أم العكس؟
ما أن سكتت أصوات المدافع، مع سريان وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، فجر أمس (الأربعاء)، بموجب اتفاق وقف “الأعمال العدائية” بين لبنان وإسرائيل، برعاية أمريكية فرنسية؛ حتى توالت الأسئلة والتكهنات في المحيط العربي حول ما إذا كان الاتفاق (المكون من 13 بندا) هدنة مؤقتة أم نهاية للحرب بين حزب الله (المقاومة اللبنانية) والجيش الإسرائيلي؟ وهل يعني الاتفاق نصرا حاسما لإسرائيل، كما توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند إعلانه الحرب الشاملة على لبنان قبل أكثر من 60 يوما؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هُزم “حزب الله”؟ وهل يتم تفكيكه ونزع سلاحه، حسبما استهدف نتنياهو، من هذه الحرب؟
نتنياهو.. والنصر المطلق
لو عُدنا إلى الوراء قليلا، قبل 74 يوما من الآن، حين اندلعت شرارة الحرب الإسرائيلية الموسعة على لبنان، بموقعة تفجير أجهزة البيجر الشهيرة (17 /9/ 2024)؛ مما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين (من منتسبي حزب الله)، ثم اغتال الجيش الإسرائيلي الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله (28 /9/ 2024)، في الضاحية الجنوبية، وبعده نائبه هاشم صفي الدين، وقبلهما تصفية القائد فؤاد شكر، وغالبية قادة الوحدات القتالية بالحزب. فرغم هذه الضربات الشديدة الألم استعاد الحزب خلال أيام معدودة تماسكه ولياقته القتالية، واختار الشيخ نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لـ”نصر الله”. وكان نتنياهو قد أعلن الحرب على لبنان مستهدفا إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، وتدمير حزب الله، وقدراته الصاروخية، ونزع سلاحه، وإقامة منطقة عازلة داخل الجنوب اللبناني. متوعدا بـ”النصر المُطلق”. سكان مستوطنات الشمال كانوا قد نزحوا على وقع القصف اليومي لمستوطناتهم، في سياق حرب الإسناد لغزة التي شنها حزب الله على إسرائيل (8 /10/ 2023)؛ وذلك لإرغام جيش الاحتلال على حشد بعض قواته البرية، على الجبهة اللبنانية، تخفيفا للضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
أسدود.. وصافرات الإنذار 500 مرة
الاتفاق الذي تم عقده، هو هدنة طويلة (قد تستمر سنوات)، وكلا الطرفين في حاجة إليها. نتنياهو، لم يُنجِز أهدافه من الحرب على لبنان، فسكان الشمال سيعودون، بعد إعادة إعمار مستوطناتهم، نتيجة لوقف إطلاق النار، ولم يتمكن من إنشاء منطقة عازلة في الجنوب اللبناني، وليس في الاتفاق بنود صريحة لنزع سلاح حزب الله. كما أن إيقاع القصف الصاروخي اليومي لمدن الداخل الإسرائيلي، يُكذب ادعاءات جيش الاحتلال عن تدمير 80%، أو 70% من قدرات الحزب الصاروخية. بل إن استهداف الحزب لغالبية البلدات الإسرائيلية بـ340 صاروخا يوم الأحد الماضي كان حاسما في إجبار نتنياهو على الذهاب إلى اتفاق وقف إطلاق النار، والقبول به مرغما. فصافرات الإنذار دوّت 500 مرة، واندفع أربعة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وتنوعت الصواريخ (ومنها صواريخ باليستية) في مدياتها وأهدافها، ووصلت إلى أسدود التي تبعُد 150 كيلومترا عن الخط الأزرق.
تجربة أمريكية فرنسية مريرة في لبنان
مع التوصل لاتفاق بين لبنان وإسرائيل أطل الرئيس الأمريكي جو بايدن، مساء أمس الأول (الثلاثاء)، مبشرا بوقف الحرب، وأن بلاده ستقود فريقا للرقابة على تنفيذ الاتفاق، دون نشر قوات أمريكية على الأراضي اللبنانية. فلدى أمريكا وفرنسا تجربة مريرة في لبنان عندما جرى تفجير شاحنة بمجمع سكني لجنودهما في بيروت (23 /10/ 1983)، وهو ما أسفر عن مقتل 241 جنديا أمريكيا، و58 فرنسيا، وإصابة عشرات غيرهم. “الاتفاق” يستند إلى القرار الأممي 1701، الذي صدر لوقف الحرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، التي استمرت 33 يوما لم يستطع خلالها الجيش الإسرائيلي اجتياح جنوب لبنان، ولحقت به خسائر فادحة جندا وعتادًا، وجرت مجزرة لـ40 دبابة في بلدة وادي الحجير اللبنانية (12 /8/ 2006). القرار 1701، ينص على تراجع حزب الله إلى شمال الليطاني، ومنع أي وجود مسلح لأي منظمات في الجنوب عدا الجيش اللبناني، الذي يتعين عليه التصدي لأي خرق. ولكل طرف حق الدفاع عن النفس عند الهجوم عليه من الطرف الآخر.
استراحة لجيش الاحتلال
تأكيدا، فالاتفاق يعكس فشلا إسرائيليا كبيرا، فرغم قتل المدنيين، وتدمير العمران في الضاحية الجنوبية ومدن لبنانية عديدة، فلم يتمكن جيش الاحتلال طوال 57 يوما، من التقدم بريا بجنوب لبنان لإنشاء منطقة عازلة، فيما عدا قرى صغيرة غير مُهمة عسكريا، على حافة الشريط الفاصل (الخط الأزرق) بين البلدين. نتنياهو برر الموافقة على وقف إطلاق النار بالتركيز على إيران، وتوفير استراحة لقوات الجيش (لكثرة حالات تمرد الجنود)، وتعبئة مخازن السلاح. الشارع الإسرائيلي ووسائل الإعلام العبرية، ردوا على نتنياهو، بأنه لو كان قد عقد صفقة مع حماس، لاستعادة الأسرى، لكان قد أغلق الجبهة اللبنانية، دون هذه “الحرب الخاسرة”، وهو ما يشي بأن الضغط على نتنياهو سيزداد لاحقا، لدفعه إلى صفقة مع حماس، لاستعادة الأسرى.
برقية النخالة.. ووحدة الساحات
الأمر لم يخل من انتقادات حادة من البعض لحزب الله؛ للتراجع عن وحدة الساحات والتخلي عن غزة، تجاهلا لتضحيات وخسائر الحزب، وإمكانية اشتعال فتنة في لبنان. في هذا السياق، فليس هناك أبلغ في الرد على هذه الانتقادات من كلمات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة، في برقيته إلى حزب الله مُهنئا بوقف إطلاق النار. ومما قاله النخالة: “لقد قاتلتم، وصمدتم، وناصرتم إخوانكم في فلسطين، وقدمتم الدماء الغالية، الطاهرة.. في حين لم يستطع غيركم تقديم شربة ماء للعطشى والجوعى من شعب فلسطين”. هل انتصرت إسرائيل أم حزب الله في هذه الحرب؟
قطعًا إسرائيل لم تنتصر، وهذا بالضبط ما قاله وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، لصحيفة معاريف العبرية، إذ أكد أنها ذهبت إلى وقف إطلاق النار تحت الإكراه. يكفي المقاومة أنها صمدت، وقاومت بشرف على مدار 417 يوما، ولم تنكسر أو تنهزم رغم شدة الضربات التي تلقتها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم
من تحرير سوريا.. إلى بيع عبد الناصر!
المجد للمقاومة.