اتفاق روسي إيراني شامل في الأفق يثير قلق أمريكا
يقول برتراند بديع الكاتب والفيلسوف الفرنسي اللبناني الأصل في كتابه “زمن المذلولين” إن النظام الدولي القائم اليوم، الذي يهيمن عليه قطب واحد، يمتلك قدرة تفوق الخيال على إذلال كل من يحاول الخروج عن طوعه.
لقد أصبح مفهوم الكاتب واضحًا اليوم، حيث إن النظام العالمي ذي القطب الواحد يعتبر أي تمرد على سياساته تهديدًا يتطلب أكثر من العقوبات، بل تتم مواجهته بكل وسائل التدمير المتاحة حتى يتم تحطيمه تمامًا. لكن الهزيمة لا تنتهي هنا، بل يسعى النظام إلى إقصاء المهزوم من الساحة الدولية، ليُصوَّر على أنه مصدر كل الشرور في الأزمات العالمية والإقليمية، عبر حملات تشويه تصوّره بالإرهاب، والتوحش، والعداء للقيم الغربية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالصمود لا يمنع السقوط.. “بشار” طويل القامة قصير النظر!
أين الله مما يحدث لسوريا؟ وجاء الجواب!!
سوريا وسقوط الأسد.. ملاحظات أولية
منذ العصور القديمة، لخص برينوس وهو قائد “غالي” قديم هذا المعنى بقوله “الويل للمغلوبين”. وقد اشتهر في التاريخ بسبب غزوه لمدينة روما عام 390 قبل الميلاد، وبعد النصر استولى الغاليون على مدينة روما، وقاموا بنهبها واحتلالها؛ مما جعل الرومان يعيشون في خزي وذل.
إذلال وعزلة
وفقًا لهذا الفهم، يسير النظام الدولي في مسارين متوازيين: التسلط وبثّ الفوضى في سياق سياسة قائمة على العنجهية والإذلال. هذا المسار لا يقتصر على الأفعال الاستفزازية وحدها، بل يشمل أيضًا توجيه ضغوط مفرطة إلى دول بعينها، كما هو الحال مع روسيا وإيران، حيث تم فرض عقوبات اقتصادية وأمنية قاسية، بموجب أوامر أمريكية، في محاولة لفرض العزلة على تلك الدول وإخضاعها. الهدف الأعمق هنا هو إبقاؤها خارج دائرة المنافسة، وإضعاف قدرتها على إعادة تشكيل موازين القوة، حتى لا تشكل تهديدًا للقطب الواحد الذي يسيطر على العالم. في هذا السياق، يصبح إذلال هذه الدول جزءًا أساسيًّا من استراتيجية البقاء والتفوق.
ومع الحدث التاريخي المرتقب الذي أعلنت عنه روسيا وإيران من أنهما وضعتا اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاقية تعاون شامل بين البلدين، نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مؤخرا، وثيقة قدمتها مسؤولة في وزارة الدفاع أمام الكونغرس الأمريكي، سلطت الضوء على الأخطار التي يشكلها التحالف المتنامي بين روسيا وإيران على الولايات المتحدة وحلفائها.
أظهرت الوثيقة أن التعاون بين موسكو وطهران يقترب من أن يصبح شراكة استراتيجية تهدد النظام العالمي القائم. يشمل هذا التحالف العسكري والسياسي والاقتصادي مجالات متعددة؛ مما يجعل تأثيره واسع النطاق وخطيرًا، وفقا لما أكدته المسؤولة.
معاداة النظام العالمي
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى هذه الاتفاقية على أنها إحدى التحديات الخطيرة التي تواجههما خلال الفترة المقبلة، وأن هذا التعاون الذي يتجاوز الاختلافات الأيديولوجية بين الدولتين سيعمل على توحيدهما في معاداة النظام العالمي.
ومع اقتراب التوقيع على الاتفاقية التاريخية، أصبحت أمريكا وحليفتها إسرائيل تترقبان ما ستؤول إليه الأمور، خاصة مع اتهام روسيا بأنها تعتمد بشكل متزايد على إيران للحصول على الأسلحة، ومنها الطائرات المسيّرة، لاستخدامها في أوكرانيا، بينما توفر موسكو لطهران أنظمة دفاعية متطورة وطائرات حربية حديثة؛ مما يعزز قدراتها العسكرية التقليدية، وهو أمر ينفيه البلدان.
لكن الخطر الأكبر الذي يقلق مضاجع واشنطن وتل أبيب يتجاوز الجانب العسكري ليشمل أيضًا دعم روسيا لإيران في مساعيها النووية. فهناك مخاوف متزايدة من أن روسيا قد تساعد طهران على تجاوز عتبة تطوير الأسلحة النووية، إما عبر تقديم الدعم التقني أو الامتناع عن اتخاذ موقف حازم في مجلس الأمن.
الصين في الطريق
ومما يعمق القلق الغربي من هذا التعاون احتمال توسع التحالف ليشمل دولًا أخرى مثل الصين، وهو ما سيعزز قوة هذا المحور الاستراتيجي في مواجهة الهيمنة الغربية. الخوف يكمن أيضا في أن الشراكة بين روسيا وإيران قد تؤدي إلى تطوير تقنيات وأساليب جديدة في المجال العسكري والاقتصادي، وهو ما يهدد المصالح الأميركية والأوروبية. إضافة إلى ذلك، يشكل هذا التعاون تحديًا حقيقيًّا لنظام العقوبات الاقتصادية الذي تفرضه واشنطن وحلفاؤها، ويعزز التوجه نحو نظام خارج سيطرة القطب الواحد؛ مما قد يقلل تأثير الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
ويعكس جدية البلدين في توقيع اتفاقية التعاون ما صرح به نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، حيث أعلن أن نص معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران قد اكتمل بعد مشاورات مكثفة بين خبراء البلدين في موسكو في يونيو/حزيران الماضي. وأوضح أن إعداد الوثيقة استغرق نحو عامين ونصف، وأن الإجراءات الداخلية لتوقيعها قد بدأت بالفعل.
وفي مواجهة العقوبات المتزايدة والمتوقع تشديدها مع تولي دونالد ترامب السلطة، تسعى إيران وروسيا لتخفيف الضغوط الاقتصادية عبر خطوات استراتيجية، من أبرزها اتفاقية مبادلة العملات الوطنية بين البنكين المركزيين، لتعزيز الروبل والريال واستبعاد الدولار من التعاملات الثنائية.
ولا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي أدّته مجموعة بريكس في دعم هذه المساعي، هذا التحول يعكس رفضًا واضحًا للسياسات الأمريكية التي تعتبرها روسيا غير عادلة، ويسعى إلى بناء نظام مالي مستقل بعيدًا عن الهيمنة الغربية ويقلل تأثير الدولار في التجارة الدولية.
والسؤال المطروح هنا هو: هل ستتغاضى أمريكا وحليفتها إسرائيل عن هذه الاتفاقية، أم ستسعيان إلى عرقلتها؟ وإذا كان الخيار الثاني، فما الأساليب التي قد تستخدمانها؟
من المعروف أن تاريخ الولايات المتحدة مليء بالمؤامرات التي تهدف إلى إذلال الدول التي ترفض الانصياع لنفوذها. ويرى محللون أن واشنطن تضغط بشدة لمنع توقيع اتفاقية استراتيجية بين إيران وروسيا، خاصة أن الاتفاقية تشمل القطاعات العسكرية والأمنية والتكنولوجية وتطوير الطاقة النووية. وهناك تسريبات بأن أمريكا بدأت تقدم وعودًا بالانفتاح كوسيلة لإقناع إيران، تحت قيادة بزشكيان، بعدم التوجه بعيدًا نحو روسيا.
لا شك أن السمعة التي التصقت بالولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وممارستها المعايير المزدوجة اتجاه انتهاكات إسرائيل، قد عززت صورتها بوصفها داعمًا غير متوازن في قضايا حقوق الإنسان. هذا الواقع يزيد استياء العديد من الدول من سياساتها، ويعزز التقارب بينها، ولا سيما الدول التي طالما شعرت بالإذلال والتهميش.