مطاعم المشاهير.. الحاضر والجذور التاريخية!

الشيف التركي بوراك (يوتيوب)

المشاهير دائمًا محط الأنظار، وحياتهم مادة خصبة للقصص والإعجاب. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد دورهم مقتصرًا على الشاشة أو المسرح، إذ تحول العديد منهم إلى عالم ريادة الأعمال، ولا سيما الاستثمار في قطاع المطاعم والمقاهي، ليوجدوا مساحات تعبّر عن شخصياتهم وتجذب المعجبين بهم. فما سر هذا التوجه؟ وهل هو شغف بالطعام أم استثمار يضمن المستقبل؟

تاريخ الظاهرة من السينما إلى المائدة

ارتباط المشاهير بعالم المطاعم ليس ظاهرة جديدة، بل تعود جذورها إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين أدرك أصحاب المطاعم أن بريق نجوم السينما والمسرح يمكن أن يصبح وسيلة فعالة لجذب الزبائن وتعزيز شهرة أماكنهم. وقد أدّت الصحف دورًا محوريًّا في الترويج لهذه الظاهرة، حيث كانت تغطي زيارات النجوم للمطاعم الفاخرة؛ مما منح تلك الأماكن طابعًا من الحصرية والأناقة، وجعلها وجهة مفضلة للجماهير الراغبة في الاقتراب من عالم الشهرة. ومع تطور أساليب التسويق، تطورت الفكرة لتشمل استخدام أسماء المشاهير علامات تجارية أو في قوائم الطعام، وهو ما فتح أفقًا جديدًا لعلاقة تجمع بين سحر الأضواء ونجاح الأعمال.

على سبيل المثال، أُطلق اسم النجم فرانك سيناترا على أنواع بيتزا فاخرة في بعض المطاعم الإيطالية بأمريكا تكريمًا لأصوله الإيطالية، كما برزت فطيرة إلفيس بريسلي -وهي نوع من الحلوى- المستوحاة من حبه الشديد للموز وزبدة الفول السوداني.

في ستينيات القرن العشرين، منح الملاكم الأمريكي الشهير روكي جراتسيانو اسمه لمطعم بيتزا، في خطوة تهدف إلى استقطاب عشاقه ودعم العلامة التجارية. ولم يكن وحده، فقد سلك لاعب كرة القدم الأمريكي فران تاركنتون نفس الطريق في السبعينيات، عندما أسس سلسلة مطاعم “فران تاركنتون ستيمر بوت”، مستغلًّا شعبيته في الرياضة لتعزيز نجاحه التجاري.

وفي التسعينيات، برزت مشاريع عالمية مثل سلسلة مطاعم “بلانيت هوليوود”، التي أطلقها نجوم كبار كأرنولد شوارزنيجر وسيلفستر ستالون وبروس ويليس. وهو مشروع جمع بين تجربة الطعام، وسحر هوليوود بديكوراته المستوحاة من عالم السينما.

الشهرة بين الشغف والاستثمار

في وقتنا الحالي الذي تحكمه العلامات التجارية، أصبح امتلاك مطعم لدى الكثير من المشاهير بمثابة تجسيد حقيقي لشخصياتهم وأسلوب حياتهم، إذ يرى النجوم الذين يعشقون الأطباق الفاخرة أو فن الطهي، في المطاعم فرصة لإيجاد تجربة تعكس بصمتهم الخاصة.

في مصر تجلى هذا الاتجاه بوضوح مع أسماء لامعة مثل الفنان أحمد فهمي، الذي اختار تقديم تجربة المشويات الراقية، والفنان أشرف عبد الباقي الذي أعاد تقديم الأكلات الشعبية المصرية بأسلوب عصري، بينما احتفل تامر حسني مؤخرًا بافتتاح مطعمه الخاص، ليضيف بصمته إلى هذا العالم المليء بالتنوع.

أما تجربة الطاهي (الشيف) التركي بوراك، فقد اجتاحت الساحة المصرية بافتتاح مطعمه الجديد قبل عدة أيام، ليضيف بصمته الخاصة إلى مشهد الطهي في القاهرة. المطعم الذي يمزج بين الطابع التركي والعالمي، شهد إقبالًا هائلًا من الجماهير، ليس فقط بسبب الأطباق التي يقدمها، بل أيضًا بفضل شخصيته الكاريزمية وطريقته الفريدة في التفاعل مع الزبائن. أسلوبه المميز في تقديم الطعام، الذي يعكس روح الضيافة التركية، جذب العديد من محبي المأكولات الفاخرة إضافة إلى المشاهير؛ مما جعل زيارته حدثًا لافتًا في العاصمة.

لكن التجربة لم تخلُ من الجدل، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صور فواتير الطعام الباهظة. وقد لفتت إحدى الفواتير الأنظار بعدما تجاوزت قيمتها 14 ألف جنيه مصري لشخص واحد، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا بين الجمهور حول تكلفة هذه التجربة الفاخرة.

لماذا يفضل المشاهير قطاع المطاعم؟

رغم الشهرة والنجاح في مجالهم الفني، فإن تقلبات السوق وعدم ضمان الاستمرارية يدفعان المشاهير للبحث عن استثمارات طويلة الأمد، تضمن لهم دخلًا ثابتًا وآمنًا. قطاع الضيافة، وخاصة المطاعم، خيار مثالي، فهو يتمتع بالاستقرار مقارنة بالكثير من المجالات الأخرى، فالطعام حاجة أساسية للجميع. إلى جانب ذلك، يفتح هذا المجال أمامهم آفاقًا لتحقيق دخل ثابت ومستدام، كما يمنحهم فرصة لدمج أسمائهم اللامعة في علامات تجارية تجسد هويتهم الخاصة.

تجربة الفنان أشرف عبد الباقي تمثل نموذجًا حيًّا لهذا التحول. بعد تراجع أدواره التمثيلية لفترة، ركّز عبد الباقي على تطوير استثماراته في مجال المطاعم؛ مما وفر له دخلاً ثابتًا بعيدًا عن تقلبات السوق الفني. ومع نجاح مطعمه، أصبح قادرًا على الاستمتاع بحياة مستقرة، معززًا مكانته بوصفه رجل أعمال بجانب كونه فنانًا. هذه الخطوة لم تكن مجرد تأمين مالي، بل كانت تعبيرًا عن إدراكه لأهمية تنويع مصادر الدخل في ظل التحولات المستمرة في عالم الشهرة.

ظاهرة مطاعم المشاهير، تمثل بلا شك تحولًا عميقًا في العلاقة العميقة بين الشهرة والاستهلاك. فالمطاعم التي تحمل أسماء النجوم تكسب بريقًا لا ينفصل عن الهالة الإعلامية التي تحيط بهم، وفي الوقت نفسه تعيد تعريف تجربة الطعام كوسيلة للتواصل الاجتماعي وتعزيز الهوية الشخصية.

إن دخول المشاهير لهذا القطاع يتجاوز كونه مجرد استثمار مادي ليصبح محاولة لدمج شغفهم وصياغة صورتهم في أعين جمهورهم.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل تساهم هذه التجارب في إثراء تجربة الاستهلاك بالمعنى الحقيقي، أم أنها مجرد تعبير عن استعراض فارغ يعزز السطحية في ثقافتنا الاستهلاكية؟

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان