“المصري” بقايا أغنية قديمة

الفنانة التونسية لطيفة (مواقع التواصل)

تعرف تتكلم بلدي

وتشم الورد البلدي

نورك في العالم يسري

يبقى أنت أكيد المصري

هذه كلمات الأغنية المصرية للشاعر المصري جمال بخيت التي كتبها منذ أكثر من 23 عاما لتغنيها بطلة فيلم يوسف شاهين “سكوت ها نصور” المطربة التونسية لطيفة، والفيلم تدور أحداثه حول مطربة كبيرة تتعرض لعملية نصب من شاب في مقتبل العمر يوقعها في حبه ليستولي على أموالها، وفي الوقت نفسه يحاول إغواء ابنتها الصغيرة.

تقدم المطربة أغنية “المصري” في إحدى حفلاتها بدار الأوبرا المصرية، وقد شاعت الأغنية يومها بين الجمهور نظرا لكونها أغنية الفيلم الرئيسة والاهتمام الكبير الذي أولاه شاهين للأغنية وتصويرها في وجود عدد كبير من المشاهير جماهيريا في ذلك الوقت، وتعدد الأشكال الفنية التي قدّم بها يوسف شاهين الأغنية كجزء من أحداث الفيلم أو أغنية منفصلة وزعها فريق إنتاج الفيلم كجزء من الدعاية له.

جاءت الأغنية بسيطة في كلماتها ليس لها عمق كبير من حيث المعاني، ولكن وجود اسم شاهين وعمر خيرت ولطيفة بالإضافة إلى جمال بخيت كواحد من أشهر شعراء جيله وصاحب تجارب متعددة للأغنية الوطنية المصرية والعربية، ساعد في انتشار الأغنية.

الأغنية لم تبق طويلا مثلها كالفيلم الذي عرضت فيه، فالفيلم أحد تجارب شاهين الخفيفة التي أعاد فيها تجربته الفريدة مع شادية وفريد الأطرش في فيلم “أنت حبيبي”، وأيضا فيلم “بياع الخواتم” مع المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز، فكان شاهين بين الحين والآخر يقدم فيلما خفيفا ربما استراحة من إرهاق الأفلام الضخمة، وكما الفيلم العابر جاءت أغنية بخيت وخيرت ولطيفة “المصري” عابرة فلم تستقر في وجدان المصريين طويلا.

أعمال لا يبقى للإعادة أثرا

أثار جمال بخيت وعمر خيرت ولطيفة الرأي العام المصري الأسبوع الماضي بعدما أعادوا تقديم الأغنية بلحنها نفسه وطريقة غنائها بعد تغيير كلماتها لتصبح “تعرف تحيا بتحدي.. على كل الصعب تعدي.. تبقى أنت أكيد العربي” أيضا كلمات بسيطة وبلا عمق حقيقي في ظل أوضاع عربية يعرفها الجميع، وفي ظل مأساة عربية في فلسطين ولبنان يباد فيها الشعب الفلسطيني العربي وتتعرض فيها بيروت للقصف المتواصل من قبل جيش الكيان الصهيوني، وفي ظل صمت عربي مخزٍ.

الواقع أن أفكار من عينة إعادة الأغاني القديمة أو الفنون بشكل عام سواء سينما أو مسرح أو دراما تليفزيونية لم تلق أبدا نجاحا مهما كانت قيمتها، فالأصل يظل حاضرا في وجدان من شاهدوا أو استمعوا له لأول مرة، وتحفظ ذاكرتهم مشاهد وأحداث خاصة بفترة الأغنية أو الفيلم أو المسرحية.

لعل أكثر ما شاهدناه كان تحويل قصص أفلام إلى أعمال درامية تليفزيونية، مثل شيء من الخوف، اللص والكلاب، ورد قلبي، وغيرها من الأعمال السينمائية، ولم يبق أثر لأي من هذه الأعمال الدرامية وبقي الأصل بحالته وجودته في وجدان الجمهور، فكانت تجارب عابرة صنفت في بعض الأحيان على أنها مجرد “شغلانة” أو بتعبير مصري آخر “سبوبة” لم يفلت من تلك الأعمال ربما صدفة، ولوجود ممثل كبير محمود مرسي في إعادة ثلاثية نجيب محفوظ (السكرية، قصر الشوق، بين القصرين).

لحظة تاريخية

جاءت الأغنية الجديدة “القديمة” لجمال بخيت في لحظة تاريخية يحيط بها الغضب والحزن على الأوضاع التي يتعرض لنا أهلنا في فلسطين، وأيضا لحظة مصرية تتعرض فيها بعض الآثار المصرية للهدم، وكأنما أراد جمال أن يشارك في هذا التشوية بإعادة تقديم أغنيته التي تصنف أنها من أقل أعماله فنيا من حيث الكلمات، فقوبل التغيير بهجوم من جماهير النخبة المصرية رغم أن الأغنية الأصلية لا أثر لها في الوجدان، لكن ثلاثية بخيت، خيرت، ولطيفة باللحن نفسه والأداء أثارت الجميع.

الأغنية الوطنية إذا عدت تلك الأغنية “المصري” وطنية لا يمكن استنساخها مرة أخرى ولا تغيير كلماتها، وهي بقايا أغنية قديمة لا أثر لها، ولكن مجرد طرح فكرة إعادة الأغاني الوطنية، أو المسماة مجازا وطنية “كالمصري” تعدّ إعادة لمنهج “السبوبة” حتى أن أغنيات ذات تاريخ مثل “صورة” و”بالأحضان” لعبد الحليم حافظ عندما قام المطرب هاني شاكر بإعادتها لم تخرج من قاعة المسرح و”الأستوديو” التي قدمت فيه، فما بالك بتغيير كلماتها؟ والواقع أنه لا يوجد مبرر لشاعر كجمال بخيت لكي يقوم بهذا العمل بتغيير كلمات أغنية وتحويلها إلى أغنية مهرجان للقراء أو الثقافة العربية، فكان الأجدى له كتابة أغنية جديدة، أو تقديم أغنية قديمة له تعبيرا عن فكرة العروبة أو القراءة العربية، والثقافة العربية.

يذكرني هذا الموقف بأغنية كتبها الأبنودي وغناها محمد ثروت “مصر يا أول نور في الدنيا”، وفي الكواليس أنها كانت أغنية عيد ميلاد لإحدى الأميرات، ولضيق الوقت أو السهولة حولها الأبنودي لهذه الأغنية، وبالمناسبة هي أيضا كانت أغنية عابرة ولم تبقَ أو تؤثر في الوجدان مثلها مثل أكثر من 20 “أوبريت” مسرحيًا وأغنية كتبها شعراء في احتفالات “أكتوبرية” مصرية كانت تقام سنويا في عهد مبارك مثال “اخترناك” للأبنودي نفسه وفيها:

“لا هيديني، ولا يرقيني، ولا فيه مصلحة بيني وبينه، إلا بلدنا وحب بلدنا، وبقولها ورزقي على الله”، كلمات بلا معنى وأن تعمقت فيها وجدتها كلمات لا تضع مسؤولية على رئيس الجمهورية، ذلك على عكس ما قدمه الأبنودي شعرا مغنى وقصائد وطنية في أعقاب حرب حزيران 1967 مع عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي مثال عدى النهار، المسيح، أضرب، إنذار، ودواوينه عن سنواته في السويس بعد تلك الحرب، وأغنيته في يناير 2011 “ضحكة المساجين”.

لجمال بخيت أيضا إنتاجه المميز ـوهو صديق عزيز ولنا تاريخ مشترك معا-، ومن أبرز أعماله العربية ديوانه “مسحراتي العرب”، وفيه من الأغاني العربية ما تفيد كثيرا خاصة فيما يتعلق بقضايا عربية خالصة مثل فلسطين، الوحدة العربية، التاريخ المشترك للثقافة العربية الإسلامية، وهو مشروع لعمل مسحراتي بشكل عربي، وكان من ضمن مشاريع خاصة بيني وبينه في 2001، وقدّم لمحطة تليفزيونية عربية ولكنه تعثر في لحظاته الأخيرة، ويومها قدّم لي جمال عملا آخر بديلا بترشيحه لي لهذه المحطة، وعملت مع المحطة ولم يكتمل مشروع جمال مسحراتي العرب، وفي هذا العمل كتب جمال ما هو مناسب لفكرة مهرجان ثقافة أو قراءة عربي.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان