الهجرة العكسية: الحلم الإسرائيلي في جبال الألب الإيطالية!

هنا يقيم الإسرائيليون الراحلون من الأرض المحتلة (منصات التواصل)

هجرة إسرائيلية غير عادية إلى الخارج، إلى اليونان، إيطاليا، قبرص، البرتغال، والولايات المتحدة. إنهم يبحثون عن أمن واستقرار بعد النهج الذي سلكته الحكومة اليمينية المتطرفة تحت قيادة نتنياهو منذ سنة 2022.

كثيرون في إسرائيل بدأت تنتابهم مشاعر الخوف من المستقبل. منذ وأد حركات السلام الإسرائيلية بعد اغتيال رابين في سنة 1995، بدأ الشعور بأن إسرائيل تنحرف نحو اليمين المتشدد، وبالفعل بدأت سلسلة من الحروب تتوالى حتى وقتنا هذا، ما ساهم في هجرة غير مسبوقة من إسرائيل!

تكتب صحيفة جيروزاليم بوست في تقرير لها أن الشهور الأولى من هذا العام شهدت هجرة 40,600 شخص من إسرائيل مقارنة بعام 2023. أكثر المهاجرين من الشباب، وتبلغ نسبتهم 40%، وأغلبهم في العشرينيات والثلاثينيات. وهذا بالتأكيد يعني أن إسرائيل تفقد قوة بشرية كبيرة، وتلجأ بسببها إلى استدعاء مئات الآلاف من قوات الاحتياط لسد الاحتياجات العسكرية، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد المتضرر أصلًا.

يسكنون قري الآلب النائية

صحيفة تاغ تسايتونغ الألمانية عالجت قضية هجرة الإسرائيليين من منظور آخرقائلة: إنه بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وصل في غضون أيام قليلة أكثر من 30 أسرة إسرائيلية إلى وادي فاليسيا، الواقع في حضن جبال الألب الإيطالية، للبحث عن مساكن للعيش فيها،  وعندما وجدوها أرسلوا أطفالهم إلى المدارس هناك. وكان واضحًا لمعظمهم: أنه لا عودة مرة أخري في ظل مايحدث في إسرائيل!

آخرون لا يستطيعون تحمل تعريض حياة عائلاتهم للخطر، خاصة الذين لديهم أولاد ذكور، فيقررون الهجرة للهروب من الخدمة العسكرية.

أصبح لهذا الوادي سمعة إسرائيلية كبيرة. فهم اختاروا الانتقال من إسرائيل للعيش فيه بحثًا عن مستقبل أفضل واستقرار عائلي، خاصة للإسرائيليين الذين يحملون الجنسيات الأوربية حيث يستطيعون العيش بسهولة.

لكن لماذا هذا الوادي بالذات؟ يتميز هذا الوادي الجميل بالكثير من القرى الجبلية التي لم يعد يسكنها أحد بسبب هجرة الشباب إلى ميلانو وتورينو القريبتين للعمل أو الدراسة. ويمكن عند المرور في شوارع القري رؤية لافتات صفراء على واجهات البيوت تحمل كلمة “للبيع”، وتسجل حركة البيع عشرات المنازل المباعة للإسرائيليين.

هرتزل الإيطالي

لقد شيد أحد سماسرة العقارات، واسمه أوجو لوتساتي، وهو مهاجر إسرائيلي، مشروعًا عملاقًا لتسكين الأسر القادمة من إسرائيل في القرى الإيطالية. تتحدث الصحيفة عن مشروع “بايتا” الذي أقامه، وتقول إنه اختار اسمًا ذكيًا له. فالاسم “بايتا” جاء بين كلمتين إيطالية وعبرية تحملان تقريبًا نفس المعنى؛ فكلمة “هابيتا” تعني المنزل بالعبرية، لكن “بايتا” بالإيطالية تعني الكوخ الجبلي. أي أن الكلمة باللغتين تشير إلى المسكن.

مكتب لوتساتي تزوره على الأقل أسرة إسرائيلية كل يوم، وهو محل ثقتهم لأنه عاش تجربتهم من قبل ويفهمهم بشكل جيد. ورغم أنه كان في إيطاليا في ستينيات القرن الماضي، فإنه هاجر إلى القدس في سنة 1986. فقد كان يرى مستقبله هناك بعد سنوات صعبة في إيطاليا شهدت عداءً ضد اليهود وتعاطفًا مع القضية الفلسطينية. لكنه بعد عقود من الحياة المستقرة في إسرائيل مع أسرته، بدأ الأمر يختلف مع صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، وبدأ يرى موت حركات السلام الإسرائيلية، فقرر الهجرة مع أفراد أسرته. ومن ثم أسس مشروع “بايتا”، وأصبحوا يُطلقون عليه مازحين لقب “ثيودور هرتزل الإيطالي”، معتبرين أنه صاحب مشروع الخروح إلي إيطاليا فيما يراه البعض الآخر رجلًا ذو رؤية.

يرى لوتساتي أن هذا المشروع ليس مجرد محاولة لتقديم منازل جديدة، بل هو رؤية للتغيير والسعي لخلق مستقبل أفضل في مكان مختلف!

حكومة نتنياهو المتطرفة تقود إسرائيل إلي التهلكة

من واقع تلك الهجرة التي نراها يوميًا، أصبح كثيرون يؤمنون بأن اليمين المتطرف في إسرائيل سيقودها إلى كارثة كبرى. وأن التحكم في الدولة بهذا الشكل السلطوي تحت قيادة اليمين دفع المزيد من الإسرائيليين إلى القدوم لمعاينة الوادي ولسان حالهم يقول: “لا أحد يعرف إلى أين ستتجه الأمور”.

بعض المهاجرين يفتقدون العيش في القدس والمدن الأخرى التي تركوها، لكنهم يتفقون على شيء واحد: أنه لا يمكن لهم أن يقبلوا العيش على أرض فاسدة بتوجهات فاشية عنصرية وعنف غير مسبوق، ووفق الصحيفة كل هذا كان موجودًا منذ فترة طويلة، لكنه أصبح الآن مرئيًا للجميع.

تعد الهجرة الإسرائيلية موضوعًا يستحق التأمل حتى بين الإيطاليين أنفسهم. فسكان وادي “فاليسيا”، الذين لا يتعدى عددهم السبعة آلاف، أصبحت اللغة العبرية مسموعة بشكل متزايد في شوارعهم، خاصة كلمة “ما شلومخا؟” (كيف الحال؟)، التي تتردد في المقاهي حيث يشربون القهوة الصباحية، ويسمعونها في زوايا الشوارع أمام أكشاك الصحف.

اليسار الإيطالي يؤيد الفلسطينيين

الشعب الإيطالي معروف عمومًا بتأييده لفلسطين، خاصة اليسار الإيطالي، الذي لم يرتح له الشباب اليهودي أبدًا، وكان يتهمه بأنه يؤيد حركات التحرر الفلسطينية، ففي سنة 1982، عندما اندلعت حرب لبنان، كانوا يرسمون الصلبان المعقوفة على جدران المنازل ويكتبون شعارات مثل “الموت لليهود”. ما أدى إلى هجرة اليهود إلى إسرائيل. أما وقد تبدل الحال وعادوا مرة أخرى إلى إيطاليا، ترى كيف ستسير الأمور؟

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان