وقف إطلاق النار في لبنان.. اتفاق في خدمة إسرائيل!

نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله اللبناني (الفرنسية)

يمثل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان اختراقا كبيرا حققته الدبلوماسية الأمريكية، من وجهة نظر واشنطن، ويعد إنجازا مرحليا لإدارة بايدن المنتهية ولايته، في إطار تعهد أمريكا الدائم وحلفائها الأوربيين بضمان أمن إسرائيل وحمايته.

ويمكن القول إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان هو اتفاق في خدمة إسرائيل، بنوده الثلاثة عشر بمثابة الرأس الطافي من جبل الجليد، أما ما لم يذكره الاتفاق فهو الجزء الغاطس، الذي يحوي الكثير مما يصب في تمكين إسرائيل من السيطرة العسكرية الفعلية على الأراضي اللبنانية، ويجعل من لبنان بلدا خاضعا لحصار ووصاية دولية.

ففي بيان مشترك لهما يوم الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، اعتبر الرئيس الأمريكي جون بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن الاتفاق سيضمن حماية لإسرائيل من تهديد (حزب الله) ويوفر الظروف “لهدوء دائم”، وأشار كل من بايدن وماكرون إلى أن إعلان الاتفاق سيوقف القتال في لبنان، وسيحمي إسرائيل من تهديدات (حزب الله) وفصائل المقاومة الأخرى العاملة في لبنان، الذين وصفهم البيان بالمنظمات الإرهابية!

هدنة على حافة الهاوية

من الناحية النظرية، ينص اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان على وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوما، لكن الواقع يؤكد أنه هدنة على حافة الهاوية، فمنذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في الرابعة فجر الـ27 من نوفمبر/تشرين الثاني، انتهك جيش الاحتلال الإسرائيلي الاتفاق مرات عديدة، من خلال الخروقات الجوية، واستهدف الأراضي اللبنانية بالأسلحة المختلفة، علما أن خروقات اتفاق وقف إطلاق النار بلغت حتى يوم الخميس الـ28 من نوفمبر/تشرين الثاني نحو 18 خرقًا، ولن تتوقف وفقا لما عُهد من طبيعة الاحتلال الإسرائيلي في اتفاقاته السابقة جميعها.

ما يجري ليس وقفا للحرب

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، توالت العديد من القراءات حول الاتفاق، وقد تناولت الكثير من التحليلات الأسباب التي دفعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي للقبول باتفاق وقف إطلاق النار، وكذلك الأسباب وراء قبول (حزب الله)، ولسنا هنا في معرض تناولها، خاصة أنه لا خلاف عليها، ويمكن الاطلاع عليها في الكثير من المصادر، لكن من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار ولو لفترة مؤقتة، كان مطلبا ملحا لكل من (حزب الله) والاحتلال الإسرائيلي، قادت إليه حالة الإنهاك الميداني لكلا الطرفين.

ومن ناحية أخرى، استغرقت بعض القراءات في تناول مدى قدرة هذا الاتفاق على الصمود، وما إذا كان مجرد هدنة مؤقتة أم تسوية ووقف دائم لإطلاق النار.

على أرض الواقع هناك تباين بين رؤية كل من لبنان وإسرائيل لإعلان وقف إطلاق النار، ففي الوقت الذي يرى فيه لبنان أن اتفاق وقف إطلاق النار هو اتفاق سياسي، وليس مجرد اتفاق أمني أو هدنة مؤقتة لستين يوما، بل سيؤدي إلى مفاوضات لاستعادة الأرض المحتلة، وترسيم الحدود البرية، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنظر للاتفاق على أنه أقرب للهدنة المؤقتة.

وقد جاءت تصريحات نتنياهو للقناة 14 الإسرائيلية لتضع النقاط على الحروف بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، فقد هدد نتنياهو (حزب الله) بحرب طاحنة شاملة، واعتبر ما جرى في لبنان وقفا لإطلاق النار قد يكون قصيرا، حيث قال: “لم أقل إن ما يجري هو وقف للحرب بل وقف لإطلاق النار وقد يكون قصيرا”.

فخ للدولة اللبنانية

13 بندا تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، الذي تم برعاية وضغط أمريكي، ويراه مراقبون يمثل تنازلا كبيرا من (حزب الله).

بالنظر في بنود اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، فإن الاتفاق لا شك يحمل الكثير من الفخاخ للدولة اللبنانية، ويطرح العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تنفيذ بنوده، وخاصة ما يتعلق بنزع سلاح (حزب الله).

وفقا للاتفاق، فإن بنوده تتضمن قبول لبنان بترتيبات تسمح لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالمشاركة في تنفيذ نزع السلاح في جنوب لبنان، ما يعني سيطرة إسرائيلية عسكرية على الأراضي اللبنانية.

والحقيقة التي يجب الوقوف عندها، هي: أن القبول بتنفيذ مثل هذه الشروط هو بمثابة تنازل عن سيادة الدولة، وتخلٍ عن القوة الرادعة العسكرية الوحيدة التي يملكها لبنان في مواجهة إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، فإن بعض التصورات المطروحة، وخاصة ما يتعلق منها بمحاولات إيجاد بديل لقوات “يونيفيل”، وذلك بنشر قوات متعددة الجنسيات لها صلاحيات أوسع، تتولى مراقبة الحدود برا وبحرا وجوا، لضمان أمن إسرائيل، ومنع دخول أية أسلحة للأراضي اللبنانية يمكن أن تصل إلى المقاومة، كل ذلك سيجعل من لبنان خاضعا لحصار ووصاية دولية.

وفي ظل الواقع الذي تعيشه المنطقة، وما يمثله الاحتلال الإسرائيلي من تهديد لدولها، وللدولة اللبنانية تحديدا، يطرح سؤال نفسه، وهو: ماذا لو لم تكن الترسانة العسكرية لـ(حزب الله) موجودة؟ الإجابة دون شك ستكون في احتلال إسرائيلي للأراضي اللبنانية دون عناء أو مقاومة، ولذلك يُعد من السذاجة أن يطالب أحد بنزع سلاح (حزب الله)، لأن ذلك يعني ترك لبنان نهبا لآلة الحرب الإسرائيلية.

ختاما

في الوقت الذي يعلن فيه الرئيس الأمريكي بايدن عن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، تستمر الإدارة الأمريكية في دعمها العسكري لإسرائيل.

إن أمريكا تدعم حرية عمل إسرائيل عسكريا في لبنان، ووقف الحرب ليس هدفا مدرجا على الأجندة الأمريكية والإسرائيلية على الإطلاق، فواشنطن التي تقود مسار المفاوضات والاتفاق هي التي وقفت طوال الفترة الماضية وراء الحرب على لبنان وغزة، وخلاصة الأمر، أن ما تقوم به واشنطن من حراكات دبلوماسية ومفاوضات واتفاقات إنما هي لهدف واحد، هو: خدمة إسرائيل التي يُراد لها أن تكون شرطي المنطقة، الذي يحرس مصالح أمريكا والغرب.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان