البحث عن “بوب وودورد” المصري..!

بوب وودورد (منصات التواصل )

ليس هناك “بوب وودورد” في مصر حاليًّا، ولم يكن موجودًا سابقًا.

هذا لا يعني أن “وودورد” الذي نقيس عليه، وهو الصحفي والكاتب والمؤلف الأمريكي المعروف، هو عبقرية الزمان، وحالة نادرة واستثنائية في عالم الصحافة.

هو قد يكون كذلك، لكن تقديري أن من يصنع شخصية كهذه متميزة في مجال عملها هو مناخ الحرية.

فالحرية أصل كل نبوغ، وتفجر كل موهبة، وتقدم كل شعب، وتطور كل أمة.

والحضارة الحديثة لم تنطلق وتصعد في أوروبا، إلا عندما تحررت من سلطة الاستبداد والحكم المطلق وهيمنة الفرد الواحد.

تحرر العقل فانطلق يفكر ويبحث ويبدع ويبتكر ويخترع، فكان ما نراه اليوم من إنجازات عظيمة في بناء الإنسان والمكان وتطويع الزمان نتاج الحرية.

بدون الحرية لن تكون هناك أي خطوة في صناعة الحضارة وبناء الإنسان ورفاهيته وكرامته.

مناخ الترهيب هو القاتل المؤكد لأي قدرة لدى الإنسان على أن يكون شيئًا مذكورًا، أن يكون إنسانًا فاعلًا حقيقيًّا.

لو لم تكن هناك الحرية في أمريكا ما كانت صحيفة واشنطن بوست تكتب ما تشاء دون تعليمات عليا، أو رعب لدى ملاكها من إغلاقها، أو فزع لدى محرريها من اعتقالهم.

الحرية و”ووترغيت”

عبر واشنطن بوست، والحرية في النظام السياسي الأمريكي، فإن بوب وودورد فجر مع زميله كارل برنستين إحدى أهم وأخطر القضايا الصحفية والسياسية في القرن العشرين وهي المعروفة باسم “ووترغيت” عام 1972، وكانت نهايتها إجبار الرئيس الأمريكي (من الحزب الجمهوري) نيكسون على الاستقالة عام 1974.

وطالما أن مناخ الحرية مقيد ثم مُفتقد ومُصادر فلن يكون هناك صحفي حقيقي، ولن يكون هناك كتاب ذا قيمة يُقرأ كاملًا مثل كتاب وودورد الجديد بعنوان: “الحرب” الذي يعالج فيه 3 حروب: حرب روسيا وأوكرانيا، وحرب إسرائيل على غزة (عدوان وإبادة)، وحرب رئاسة أمريكا بين بايدن وترامب، ثم كامالا هاريس وترامب بعد انسحاب بايدن، وهذه الحرب تُطوَى صفحتها خلال ساعات بإعلان الفائز فيها.

كتاب كله معلومات

لست أرغب في عرض كتاب وودورد، فأي عرض هنا في هذه السطور القليلة إخلال بمضمونه، وما ورد فيه من معلومات كثيرة مفصلة.

نحن لسنا إزاء كتاب قص ولزق من كتب أخرى تُوصف بأنها مراجع، ولا تجميع مقالات كتبها واعتبرها كتابًا له، ولا خواطر ذاتية، ولا تحقيقات منشورة، ولا أفكار عامة، إنما نحن إزاء شخص في الـ81 من عمره ولا يزال يعمل كما لو كان في بداية حياته الصحفية.

كتاب كله معلومات جديدة، والرأي فيه محدود جدًّا، والمعلومات مستقاة من مصادرها المباشرة، أو مصادر شاهدة عليها، أو مصادر مقربة منها، أو أوراق رسمية مُسربة إليه قصدًا أو حصل عليها بوسائله الخاصة.

الكتاب وما يحتويه من معلومات عن الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان على غزة، وصراع الرئاسة بأمريكا يصلح أن تخرج منه مانشتات صحف قوية وجذابة، وأن يتحول إلى سلسلة تحقيقات استقصائية مقروءة.

لماذا لا يوجد “بوب وودورد” المصري؟

لأنه أولًا لن يجد مساحة الحرية التي تمكنه من الوصول إلى المعلومات ومصادرها.

وإذا وصل إلى بعض المعلومات المهمة فإنه قد لا يجد من ينشرها له، وإذا تجاسر أحد ونشرها فقد يُصادر الكتاب، وقد تُغلق دار النشر، وقد يجد المؤلف والناشر نفسيهما خلف الأسوار.

هناك نماذج كثيرة على حبس حرية، ليس مؤلفي كتب فقط، إنما كتاب مقالات، وأصحاب آراء، وناشري تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبهذا المنطق فإن “وودورد” لو وُجد بكتابه هذا في المناخ الأمني القاتل للإبداع فإنه كان سيتعرض لعشرات القضايا والاتهامات ويكون مصيره السجن أو العزلة والاكتئاب.

مواقف عربية ضد حماس

لكن ما يهمنا أكثر في “الحرب”-وهو الكتاب رقم 23 للمؤلف، وكتبه في معظمها تحتل مرتبة متقدمة في التوزيع المليوني- هو الفصول المتعلقة بالعدوان على غزة، فهي خطيرة، وتكشف معلومات مزعجة جدًّا عن مواقف العواصم العربية من حماس وبالتبعية المقاومة.

وإذا كانت هذه المواقف معروفة بقراءة الواقع خلال حرب الإبادة، فإن بوب يقدم معلومات موثقة عن هذه المواقف من مصادره الرفيعة في إدارة بايدن، بل من صناع القرار أنفسهم في الإدارة.

المواقف السلبية اتجاه حماس بل الداعية إلى هزيمتها والقضاء عليها عبروا عنها سريعًا خلال أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن للمنطقة في  12 أكتوبر 2023، ومن قد يتشكك في روايات وودورد فعليه أن يطابق ما يقرؤه مع الواقع على الأرض طوال أكثر من عام من الإبادة ومن التواطؤ والخذلان العربي ليحكم بنفسه وعقله.

المؤلف جاء بتفاصيل مذهلة من مصادر صناعة الأحداث والقرارات، وهذا يعني مجددًا أن حماس/المقاومة لا تواجه الصهيوني والأمريكي والأوروبي والعواصم التي تدور في هذا الفلك الشرير فقط، إنما تواجه العرب أيضا الداعين صراحة إلى استئصال حماس/ المقاومة، فكرة ووجودًا.

الدوحة هي العاصمة الوحيدة التي لم تهاجم حماس مثل بقية العواصم، ولم تحرض على المقاومة.

كتاب مهم، لكن ما يُؤخذ على المؤلف فيما يتعلق بالعدوان على غزة، هو تبنيه للتلفيق الصهيوني بشأن اغتصاب حماس للنساء، وقتل الأطفال، بل وسلقهم والتهامهم، يوم 7 أكتوبر 2023.

هل عقل وودورد الذكي، ومتابعاته، وسعة اطلاعه، تجعله يقتنع بهذه الرواية الكاذبة، أم هو يجامل اللوبي اليهودي في أمريكا تفاديًا للغضب عليه؟

على العموم الكتاب في مجمله جيد، ولا تقلل من قيمته هذه الكذبة التي تبناها بايدن أيضا وسقطت سريعًا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان