صراع السرقة في سوريا بين الكبتاغون والملوخية

بشار الأسد في البرلمان السوري (رويترز)

انقسمت سوريا بعد الثورة إلى مقاطعات أخذت اسمها من اسم الجهة التي تحكمها وتسيطر عليها. وأشهر تلك المقاطعات الجنوبية الواقعة تحت حكم ملك الكبتاغون والشمالية الواقعة تحت حكم ملك الملوخية.

الأسد يحكم جزءا من جنوب سوريا والجولاني يحكم جزءًا من الشمال السوري. وقد عُرف الأسد بلقبه الجديد حين انكشف أمر تهريبه للمخدرات إلى الدول العربية التي قامت ضده حتّى إنّ الأردن اتّخذ إجراءات عنيفة وصلت إلى قصف مناطق في الجنوب بطائرات مسيّرة قتل الكثيرين ممن يقومون بتهريب الكبتاغون. كما قامت دول أخرى بإحباط عمليات تهريب واعتقال أشخاص قاموا بها.

ولأنّ الجولاني “أمير المسلمين” فقد ابتعد عن المخدرات، واختار نبتة خضراء جميلة ليحتكر زراعتها وبيعها ألا وهي الملوخية، وبذلك يكون قد ابتعد عن التجارة الحرام!

ترتبط الملوخية تاريخيًّا بالسياسة، فقد عرفت منذ اكتشافها باسم “الملوكية”؛ لأنّ طبيبًا وصفها لأحد الملوك علاجًا لمرض ألمّ به.

ولم تعرف في الشمال السوري وفي إدلب تحديدًا قبل السبعينيات من القرن الماضي، لكنّها انتشرت بكثرة في أواخر التسعينيات، وصارت تباع في الأسواق مع بداية الألفية الجديدة وتسلّم بشار الأسد للسلطة.

الجولاني والملوخية

لا يوجد ارتباط وثيق بين حكم بشار وانتشار الملوخية في الشمال، لكنّها ولأسباب غامضة صارت الأكلة المفضلة عند معظم الناس في المحافظة المنسية!

المشكلة التي عانى منها السوريون النازحون في بداية الثورة على المعابر التركية، صار يعاني منها سكّان المحرر من الشمال على المعابر الفاصلة بينه وبين مناطق النظام.

لكن الجولاني الذي سيطر على معظم الأراضي في الشمال وامتلكها بقوة السلاح، ارتأى أن يستفيد من الاستهلاك الضخم لسكّان الشمال لأكلة الملوخية، فزرعها في الأراضي التي سيطر عليها، ورفع سعرها بما يتناسب وسعر الملوخية المستوردة، أي أضاف إلى كلفتها الأجور التي كانت تضاف حين نقلها من حماة، والمبالغ التي كانت تدفع في المعابر!

السوريون المقيمون في تركيا الذين شعروا بإهانة كبيرة من احتقار الجندرمة لتلك العشبة، ومنعهم من إدخالها إلى تركيا. قرروا في أوائل عام 2015 استثمار الأراضي الواسعة قرب نهر العاصي في منطقة أنطاكية بزراعة الملوخية لتوفيرها للراغبين بسعر معقول لا يكلفهم أجور نقلها، وعذاب تمريرها من الرقابة على الحدود. ولم تمضِ سنة حتى وصلت الملوخية إلى إسطنبول، وصارت تباع في أسواق منطقة “الفاتح”، ومنطقة “كيبزا” الآسيوية التابعة لبلدية إسطنبول.

مدينة حماة -التابعة للنظام- المُورد الأكبر للملوخية، وهي التي ترسلها إلى إدلب، وحلب ومدن الشمال عامة. وقع تجارها في ضائقة نتيجة منع تصديرها، واضطر المزارعون لزرع أراضيهم بنباتات أخرى لكساد سوق الملوخية.

الضجة حول الملوخية هدأت في الشمال، وصار سعرها المرتفع أمرًا واقعًا، على الناس أن يرضوا به أو يمتنعوا عن أكلها، لكن الهيمنة على أراضي الزيتون والحصة التي يأخذها أمير المؤمنين الجولاني من محصول الزيتون والزيت التي انتهت برقابة شديدة على معاصر الزيتون بتركيب كاميرات لإحصاء عدد تنكات الزيت لكلّ شخص يدخل المعصرة كي يأخذ الأمير نصيبه من الزيت والزيتون بقوة السلاح غيّبت سيرة الملوخية وشكوى الناس من غلائها.

ولم يتوقف الجولاني عند هذا الحد من السيطرة على أرزاق الناس فقد أصدر قرارًا باستعادة الأراضي الجبلية التي كانت أراضي صخرية استصلحها الناس، وبنوا فيها بيوتًا، وأصبحت مزارع خاصة لهم، بحجة أنّ هذه الأراضي كانت ملكًا للدولة أيام البعث والآن أصبح الجولاني هو الدولة!

لم يتوقف الجولاني عن مدِّ يده الطويلة لاستملاك كلّ شيء في المناطق التي تحت سيطرته ومنها مقالع الحجارة المشهورة في الشمال كشهرة الزيتون. فأصبحت المقالع تحت سيطرته وحراسته لا يستطيع أحد الدخول إليها. أو حتّى تخمين ما يجري هناك بالضبط على الرغم من الفيديوهات التي تصوّر هناك وتتحدث عن تصدير الحجارة إلى إسطنبول.

هل أصبحت ثروة الجولاني من الزيتون والملوخية ومقالع الحجارة توازي ما يكسبه بشّار الأسد من تجارة الكبتاغون؟

من يشابه سيّده فما ظلم

يبدو أنّ أحدًا نصح الجولاني بأن يظهر للناس ويلقي خطابًا، ويتخلى عن الاحتجاب؛ كي يتسنى له في المستقبل تقديم نفسه رئيسًا معترفًا به وندًّا لبشار الأسد.

خرج الجولاني وألقى خطابًا في العلن، وبدا في ذلك الخطاب الموجه إلى لا أحد نسخة من المهبول الذي دمّر سوريا وأرسله ليحكم الشمال حين أصدر عفوًا عامًّا عن جرائمه.

لكنّ الخطاب الذي ألقاه لم يأتِ بالنتيجة المرجوة، بل على العكس، صار الناس في الشمال يخرجون بمظاهرات ضده، كما خرجوا ضدّ الأسد في بداية الثورة. ووجود المظاهرات يعني تفكك الجبهة الداخلية، وزعزعة أركان الحكومة وبالتالي لا بدّ من معركة حدودية تحفظ لدولة إدلبستان الجولانية تماسكها عبر إسكات الناس، واتهام من يتظاهر بالخيانة فلا صوت يعلو فوق صوت السلاح، كما جرت العادة في البلدان العربية في معظم حروبها، لذلك كان لا بدّ من إسكات تلك الأصوات المتظاهرة عبر اتّباع السياسة ذاتها.

لا صوت يعلو على صوت المعركة

وهكذا أعلن الجولاني قراره ببدء المعركة لتحرير حلب! وأعطى الناس مهلة كي يستعدوا، واستنفر خطباء المساجد أبواق السلطة الجولانية لتنبيه الناس كي يضعوا “أكياس الرمل” أمام بيوتهم، ويشتروا مؤونة كبيرة من الطعام استعدادًا للمعركة.

بدأت المعركة يوم الخميس 31 أكتوبر. راجمات الصواريخ تمطر أريحا، والمرصد يطمئن الناس من خلال قبضات اللاسلكي بأن القصف من “نيران صديقة”! أين المعركة؟ وأين العدو؟ وما علاقة أريحا بحلب إن كانت المعركة لتحرير حلب! يتساءل الناس عن سرّ هذه المسرحية دون إجابة واضحة.

لكنّ ذلك في محصلة الأمر ليس مهمًّا، المهم أن تسكت الأصوات المطالبة برحيل الجولاني، فلا صوت يعلو على صوت المعركة!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان