العرب الحائرون في بلاد “العم سام”
لا يختلف وضع الأمريكيين من أصول عربية كثيرًا عن أبناء جلدتهم الذين يعيشون في تلك البقعة الجغرافية الواقعة بين المحيط والخليج، إذ يبدو بوضوح أن كل آفات العلاقات العربية من انقسام وتشرذم وعدم وضوح الرؤية قد حملها العرب معهم إلى بلاد العم سام.
وبينما تنشغل الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس (الثلاثاء)، فإن المحصلة النهائية أيا كان الفائز هي أن الوزن العربي ضئيل الحجم أو غير موجود في الانتخابات التي ستحدد اسم الجالس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
وقد ألقت أجواء التنافس الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين في هذه الانتخابات بظلال مختلفة على الجالية العربية في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ عدد أفرادها نحو 3.7 ملايين موزعين بين ولايات كثيرة ويشكلون 1٪ فقط من أصوات الناخبين في عموم أمريكا، لكنهم مع احتدام المنافسة أصبحوا فجأة محط الأنظار والاهتمام من كلا الحزبين، وهدفا لحملات دعائية لا تبحث عن الحق.
ماذا يقول التاريخ؟
الالتزام بأمن الدولة العبرية وبدعمها سياسة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، ويتفق عليها الساسة في الحزبين الكبيرين، وقد كان الأمريكيون من أصول عربية يميلون تقليديًا نحو الحزب الديمقراطي يصاحبهم في هذا موقف تاريخي أفضل نسبيًا نحو قضية السلام في الشرق الأوسط.
في عام 1979 نجحت جهود الرئيس الأمريكي الديمقراطي جيمس كارتر (1977-1981) في توقيع اتفاق أنهى فعليًا حالة الحرب بين مصر كبرى الدول العربية وبين إسرائيل الدولة التي نشأت بدعم الغرب على أرض فلسطين التاريخية في 15 مايو/أيار 1948.
بعد مفاوضات سرية استمرت نحو عامين في العاصمة النرويجية “أوسلو” نجح الرئيس الأمريكي الديمقراطي “بيل كلينتون” 1993 في جمع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ممثل الشعب الفلسطيني المعترف به دوليا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ووزير خارجيته شيمون بيريز لتوقيع اتفاقية سلام في واشنطن بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل بهدف تحقيق حل للصراع التاريخي من خلال إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة في الضفة الغربية وغزة لمدة خمس سنوات، على أن تؤجل المفاوضات لتحقيق تسوية نهائية للقضايا الخلافية لعام 1999 وهو ما لم يحدث حتى الآن.
الضفة الأخرى
يتمتع الحزب الجمهوري بسجل قوي إذا تحدثنا عن دعمه للكيان الصهيوني بشكل واضح لا لبس فيه.
لا يمكن للمصريين والسوريين نسيان الجسر الجوي الذي أقامه الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون (1969-1974) حيث تم بواسطته نقل أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية للقوات الإسرائيلية مباشرة للاشتباك الفوري في جبهتي سيناء والجولان في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ولولاه ما استطاعت إسرائيل الوقوف في وجه الجيشين المصري والسوري والقوات العربية الرمزية التي شاركت معهما في القتال.
ويمتلئ سجل الجمهوريين بالنقاط السلبية تجاه العرب عموما إذ قام الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن (2001-2009) بغزو العراق في 2003 بعد معلومات ثبت كذبها عن امتلاك العراق لأسلحة “الدمار الشامل”، لكن النقطة الأكثر قتامة في هذا السجل فعلها الرئيس دونالد ترامب (2017 -2021) حيث أصدر قرارًا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في 2018، وهي الخطوة التي أحجم عنها جميع الرؤساء الأمريكيين منذ زُرعت دولة إسرائيل في الأرض العربية، كما اعترف في خطوة مفاجئة ومنفردة عام 2019 وضد القانون الدولي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة.
لكن ترامب الذي دعا سابقا لفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة عاد يغازل الأصوات العربية بسبب ترشحه مجددًا للرئاسة وأعرب عن سعادته بأن أحد أحفاده نصف عربي، في إشارة إلى زواج ابنته “تيفاني” من اللبناني “مايكل بولس”.
العدوان والانقسام
في مايو/أيار الماضي نشرت صحيفة نيويورك تايمز، استطلاعًا للرأي أشار إلى أن ملف الحرب في غزة، سيكون المتحكم الأكبر، في الطريقة التي سيصوت بها 70٪ من الأمريكيين العرب.
وينقسم الأمريكيون العرب بشدة في هذه الانتخابات بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل إذ خرجت نسبة معتبرة منهم من عباءة التأييد التقليدي للحزب الديمقراطي وبدا أن هناك اتجاهات لمعاقبة نائبة الرئيس كمالا هاريس كمرشحة للديموقراطيين على تأييد إدارة “جون بايدن” لإسرائيل وتزويدها بالسلاح وفشلها في فرض وقف إطلاق النار في فلسطين أو لبنان.
وبرغم سجل” ترامب” في دعم إسرائيل حتى في عدوانها الأخير على غزة ثم الضفة الغربية ولبنان، لدرجة اتهامه لإدارة الرئيس الحالي بايدن بأنه لم يفعل ما هو كاف لدعم إسرائيل، إلا أن تغيرا ملحوظا حدث في توجهات الأمريكيين العرب حيث تلقى ترامب تأييدًا علنيًا من شخصيات عربية ومسلمة بينهم عمدة وإمام مسجد في ولاية ميشيغان المتأرجحة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي كشف استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) عن تحول كبير في تراجع تأييد الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين للمرشحة الديمقراطية هاريس، لصالح مرشحة حزب الخضر جيل ستاين الناقدة بشدة للسياسة الإسرائيلية العدوانية وللحزبين الرئيسيين في دعم إسرائيل.
وفقا لنتائج استطلاع أجرته مؤسسة “YouGov” للأبحاث والدراسات، قبل أيام، يحظى ترامب بتأييد 45٪ مقابل 43% لهاريس بين الناخبين الأمريكيين من أصل عربي.
وفي استطلاع ثان أجراه المعهد العربي الأمريكيين، الذي يرأسه جيمس زغبي، تفوق ترامب على هاريس بنقطة واحدة، لكن زغبي كشف في مقال أخير أن مجموعة مؤيدة لترامب أنفقت عشرات الملايين من الدولارات لاستهداف الناخبين العرب في ميشيغان التي ستكون ولاية حاسمة في تحديد الرئيس القادم، عبر توجيه رسائل مضللة لثنيهم عن التصويت لهاريس، ويشمل هذا الجهد البريد المباشر والإعلانات الرقمية الموجهة لنحو 300 ألف أمريكي عربي في ولاية تضم 6 ملايين صوت.
وبرغم أن عدد العرب ليس كبيرا إلا أن تقارب السباق في الولايات المتأرجحة جعل لكل صوت قيمة وسط توقعات بأن الحسم سيكون بأصوات بضع آلاف أو مئات.
ولفت زغبي إلى أن الناخبين العرب يلقون يوميا رسائل تذكرهم بأن هاريس مؤيدة لإسرائيل، دون تذكير بمواقف ترامب، وأشار زغبي إلى أن هذه الرسائل والمنشورات يتم تمويلها من قبل مجموعة أموال غير مشروعة، Future Coalition PAC يدعمها الملياردير إيلون ماسك، مالك منصة X والداعم القوي لترامب.
النتائج
يختلف اليهود وداعمو إسرائيل في أمريكا عن العرب في أنهم لا يلقون بثقلهم أبدا وراء مرشح واحد بل لهم خطوط مفتوحة مع الحزبين بحيث لا يكون أمن إسرائيل مادة للتجاذب في أي انتخابات بل على العكس أصبحت موضوعًا ثابتا للمزايدة وللتسابق في إعلان التأييد وتقديم فروض الولاء.
ليس هناك استراتيجية واضحة للعرب الأمريكيين تجاه أي مرشح وبعد إقامة طويلة في أحضان الحزب الديمقراطي بدأ موسم الهجرة نحو الجمهوريين والخُضر، في انتظار متغير جديد يكرس حالة الترحال بين القوى السياسية، دون تخطيط لإقامة دائمة في دهاليز كل الساسة وفق مصلحة القضايا العربية مع تنحية الرؤى المحدودة جانبا والاعتماد على استراتيجية غير موسمية، لا تتأثر بحملات الدعاية ودون ذلك سيظل الأمريكي العربي نموذجا لإنسان حائر لديه قضية عادلة لكنه لا يعرف كيف يقدمها ويدافع عنها.