لم يترك الديمقراطيون لنا ما نأسف عليه
فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة لن يكون نهاية العالم بالنسبة لمنطقتنا على الأقل، كثيرون وضعوا سيناريوهات سوداوية للتغيير في المنطقة بناء على خبرة التعامل السابقة مع ترامب، لكن الظروف تغيرت بين ولاية ترامب (2016-2020) والولاية الحالية، الثور الهائج في الولاية الماضية ربما استوعب تعقيدات السياسة في المنطقة التي لم يكن يدركها من قبل، وحكام المنطقة أيضا استوعبوا در التاجر الجشع الذي لا يهمه سوى الأموال.
يخشى الكثيرون أن ترامب سيكون أكثر دعما للكيان الصهيوني، وسيدفع نتنياهو لتنفيذ ما تبقى من مخططه بشأن القضاء على القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع على المنطقة برمتها، والحقيقة أن إدارة بايدن الديمقراطية لم تبق لترامب شيئا ليفعله، فقد قامت بالواجب تماما تجاه الكيان، لم تبخل عليه بأي مساعدة مالية أو عسكرية أو معلوماتية، زودته بأحدث ترسانتها العسكرية من أدوات وأسلحة قتل وتدمير، زودته بصواريخ وقنابل ذكية لم يستخدمها الجيش الأمريكي نفسه بعد، حمته من الصواريخ والقذائف الإيرانية التي اعترضتها الدفاعات الأمريكية قبل أن تصل إلى الكيان، منعت صدور عشرات القرارات ضده من مجلس الأمن، ووجهت سهامها ضد المحكمة الجنائية الدولية لإجبارها على التوقف عن إصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغيره من قادة العدوان، حضر بايدن بنفسه مجلس الحرب الإسرائيلي، وكذا وزير خارجيته بلينكن، الذي زار المنطقة وإلى جانبه عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين الآخرين أيضا مرات عديدة من أجل حشد الدعم للكيان في مواجهة المقاومة الفلسطينية، ومحاولة انتزاع اتفاق تسوية سياسية ظالم يسترد بموجبه أسرى الكيان دون أن يلتزم الكيان نفسه بوقف نهائي للحرب، أو تبيض سجونه من الأسرى الفلسطينيين!!
جرائم الديمقراطيين بحقنا
ماذا سيقدم ترامب للكيان أكثر من ذلك؟! لم يعد هناك جديد سوى أن يعلن ترامب الكيان ولاية أمريكية!!، وعلى العكس من التكهنات السابقة كلها فإن هناك من يرى أن شخصية ترامب المتقلبة المزاج يمكن أن تفاجئ الجميع بما لا يتوقعونه، لقد أعلن هو بالفعل أنه سيوقف الحروب، وهذا ما لم يصدقه أحد على الأقل فيما يخص قضيتنا الفلسطينية، لكن ماذا لو فعلها؟ ولكن سيبقى السؤال بأي ثمن سيفعلها؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالاقتصاد السوري.. عجز تجاري سلعي وخدمي مزمن
كيف أصبحت تركيا اللاعب الأكثر فاعلية على الساحة السورية؟
لماذا فزع القوميون العرب لسقوط بشار؟!
المتباكون على خسارة الديمقراطيين يتجاهلون أن هذه الحرب اللعينة، وما تبعها من تدمير واسع تم في عهد الديمقراطيين وبدعمهم الكامل لها، ويتجاهلون أن الديمقراطيين في عهد بايدن تخلوا تماما عن فكرة الدفاع عن الديمقراطية في المنقطة التي كانوا يتميزون بها من قبل، وتركوا شعوب المنطقة نهبا للاستبداد والفساد، وغياب الحريات وحقوق الإنسان، وحتى قضايا البيئة التي تقع في بؤرة اهتمام الديمقراطيين لم يعبأوا بالدفاع عنها في منطقتنا.
فوز ترامب قطع حبال الأمل المهترئة في مساعدة أمريكية لقضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان في منطقتنا، ولكن هذا بحد ذاته أمر إيجابي كونه يقنع قوى التغيير والديمقراطية بالاعتماد على أنفسهم فقط دون انتظار مساعدة أحد، ووفق برامج وطنية لا برامج تغازل الخارج فقط، وتهتم بالقضايا الهامشية التي يفرضها نظير التمويل.
مشكلة المهاجرين
فوز ترامب ليس كله شرًا محضًا، ففي القضايا الأخلاقية سنجد حسنة له ولحزبه الجمهوري الذي يعارض بشدة الشذوذ، الذي يواجه أي اعتداء على القيم العائلية، والذي يرفض الإساءة للمقدسات الدينية، وهي قضايا ينشط الديمقراطيون في نشرها وتسويقها بدعوى احترام الحريات الخاصة، وربما لهذا السبب فضّل بعض المسلمين في الولايات المتحدة انتخاب ترامب ضد هاريس، خاصة أنهم لم يجدوا فروقا مهمة بينهما فيما يخص قضايانا السياسية.
تبقى المشكلة هي سياسة ترامب المعلنة ضد المهاجرين الأجانب التي سيتضرر منها بالتأكيد الكثير من العرب والمسلمين سواء المقيمين حاليا في الولايات المتحدة، أو الذين يخططون للهجرة إليها، وليس من المتوقع أن يفعل شيئا تجاه المهاجرين الحاليين سوى نشر أجواء سلبية ضدهم، بينما سيتشدد في منع الدخول عبر الحدود أو منح تأشيرات زيارة عبر قنصلياته في العواصم المختلفة.
الدرس المهم بعد فوز ترامب أنه “ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك”، فالتقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لن يأتي منحة من ترامب أو غيره، ولكنه يأتي نتيجة وعي الشعوب ونضالها وتمسكها بحقوقها، وحماية الأوطان لن تأتي أيضا من الخارج بل بتطوير جيوشها، وقدراتها الأمنية الذاتية، وتوحيد جبهاتها الداخلية وتمتينها لتكون قادرة على مواجهة أي مؤامرات خارجية.