النصيب العربي في التجارة الأمريكية وتأثيره السياسي

العلم الأمريكي على واجهة بورصة نيويورك صبيحة يوم الانتخابات (رويترز)

تشير خريطة التجارة السلعية الأمريكية العام الماضي إلى استحواذ دولتي المكسيك وكندا، اللتين تربطهما اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، على نسبة 31% من التجارة الخارجية الأمريكية، وبإضافة دول الصين وألمانيا واليابان يصل نصيب الدول الخمس إلى 51% من التجارة الأمريكية، وبإضافة دول كوريا الجنوبية وإنجلترا وتايوان وفيتنام والهند يصل نصيب الدول العشر إلى 65% من التجارة الأمريكية.

وهكذا تخلو قائمة الدول العشر الأوائل لشركاء التجارة الأمريكية من أية دولة عربية أو إسلامية، ونفس الأمر بقائمة الشركاء العشرة الثانية، حيث خلت قائمة الشركاء العشرين الأوائل من أية دولة عربية، وقد حلت ماليزيا وحدها بالمركز التاسع عشر، وبقائمة الشركاء الثلاثين الأوائل جاءت إندونيسيا بالمركز الثالث والعشرين، والإمارات العربية وتركيا والسعودية بالمراكز من الثامن والعشرين حتى الثلاثين، وهو ما يعني إجمالا ورود دولتين عربيتين وثلاث دول إسلامية بقائمة الثلاثين الأوائل لشركاء التجارة الأمريكية في مراكز متأخرة.

ويرتبط استحواذ القارة الأوروبية على نسبة 24% من التجارة الأمريكية، بوجود تسع دول أوروبية ضمن الثلاثين الأوائل لشركاء التجارة الأمريكية، إلى جانب عشر دول آسيوية غير عربية، والبرازيل وشيلي وكولومبيا بالجنوب الأمريكي وأستراليا، والدول الإسلامية الخمس، ودولتي الشمال الأمريكي المكسيك وكندا.

الأمر الذي ينعكس على العلاقات السياسية الأمريكية الأوروبية والآسيوية، بينما كان نصيب الدول العربية الاثنتين والعشرين نسبة 2.3% من مجمل التجارة الأمريكية بقيمة 116 مليار دولار، من مجمل التجارة الأمريكية البالغة 5.104 تريليونات دولار، وهي نفس النسبة في العام الأسبق، وكانت تلك النسبة للعرب 5% عام 2008، لكنها تراجعت في السنوات التالية حتى بلغت أقل من 2% عام 2020، ويعود تراجع نصيب العرب في التجارة الأمريكية إلى تقليص الولايات المتحدة لوارداتها النفطية من المنطقة العربية.

  تراجع صادرات النفط العربي إلى أمريكا

حيث تراجعت كمية واردات الخام الأمريكية من المنطقة العربية من 856 مليون برميل عام 2012 إلى 235 مليون برميل العام الماضي، وبعد أن كان العرب يشكلون نسبة 28% من واردات النفط الأمريكية عام 2012، تراجعت النسبة إلى 10.2% العام الماضي، وتوزعت بين: 5.4% من السعودية و3.4% من العراق و0.8% من ليبيا وثلاثة بالألف من كل من الكويت والإمارات.

إذ تعتمد الولايات المتحدة على استيراد 72% من الخام من دولتي الجوار الجغرافي كندا والمكسيك، إضافة إلى دول كولومبيا والبرازيل ونيجيريا وفنزويلا والإكوادور والأرجنتين وغانا. وتكرر الأمر في الغاز الطبيعي، إذ استوردت الولايات المتحدة أكثر من 99% من وارداتها من الغاز من كندا إلى جانب كميات قليلة من دول بأمريكا الوسطى.

وها هي الولايات المتحدة تتحول إلى منافس قوي لصادرات الخام العربي، سواء بالدول الآسيوية أو الأوروبية بعد تقلص الصادرات الروسية إليها، ونفس الأمر في منافستها لصادرات الغاز الطبيعي العربي بالأسواق الآسيوية والأوروبية، كما أنها مُصدرة صافية للمنتجات الغذائية إلى العرب.

ومع تقلص الواردات البترولية الأمريكية من المنطقة العربية، تحول الميزان التجاري للولايات المتحدة مع العرب، من عجز بلغ أكثر من 16 مليار دولار عام 2013 حين بلغ سعر برميل نفط برنت 109 دولارات، وعجز بلغ 12 مليار دولار عام 2014 إلى فائض تجاري أمريكي في السنوات التالية حتى العام الحالي، بلغ 23 مليار دولار عام 2016 مع بلوغ سعر البرميل 42 دولارا، واستمر الفائض التجاري الأمريكي ليبلغ 15 مليار دولار العام الماضي.

    2.3 % نصيب العرب من التجارة الأمريكية

ونظرا إلى ضعف مساهمة التجارة العربية في التجارة الأمريكية العام الماضي، التي وصلت إلى 3.2% من مجمل صادرات الولايات المتحدة إلى العالم، و1.6% فقط من وارداتها و2.3% من مجمل تجارتها؛ فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على ضعف التأثير السياسي العربي في عملية صنع القرار بالولايات المتحدة، خاصة أن هذا النصيب العربي رغم انخفاضه لا يتم التعامل به ضمن كتلة واحدة، بل بشكل مجزّأ حين تتعامل كل دولة عربية مع الولايات المتحدة على حدة.

فقد كانت الإمارات تمثل الصدارة بالتجارة العربية مع الولايات المتحدة بقيمة 31 مليار دولار، تليها السعودية بقيمة 30 مليار دولار والعراق بـ11 مليار دولار، وأقل من 7 مليارات دولار لكل من مصر وقطر، إلا أن النصيب النسبي للإمارات من التجارة الأمريكية بلغ نسبة ستة بالألف ونفس النسبة للسعودية، وبلغ نصيب العراق اثنين بالألف، ونصيب كل من مصر وقطر نسبة واحد بالألف.

ورغم وجود أربع اتفاقيات للتجارة الحرة للولايات المتحدة مع أربع دول عربية، نفذتها مع الأردن عام 2001 والمغرب والبحرين 2006 وسلطنة عمان عام 2009، فإن تلك الدول جاءت بمراكز متأخرة بين الدول العربية من حيث قيمة التجارة مع الولايات المتحدة، حيث جاء المغرب في المركز السادس، والأردن في الثامن، وسلطنة عُمان في العاشر، والبحرين في الحادي عشر عربيا.

وفي الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي لم تختلف الصورة كثيرا عنها خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ نصيب العرب مجتمعين من التجارة الأمريكية مع العالم نسبة 2.2%، موزعة بين 3.2% من صادرات أمريكا إلى العالم، و1.5% من واردات أمريكا من العالم، وحققت الولايات المتحدة فائضا بتجارتها مع العرب بأكثر من 11 مليار دولار في الأشهر الثمانية، ليتأكد ضعف التأثير التجاري العربي في السياسة الأمريكية المنحازة تاريخيا إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

       0.8 % نصيب العرب من السياحة الأمريكية

مجال آخر شهد نفس التأثير العربي الضعيف في السياسة الأمريكية، تمثل في ضعف نصيب العرب من السياحة الواصلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغ عدد السياح العرب الواصلين إلى الولايات المتحدة العام الماضي 503 آلاف سائح، من إجمالي 66.5 مليون سائح بنسبة ثمانية بالألف من الإجمالي، وهي السياحة التي تستحوذ دولتا كندا والمكسيك على نسبة 53% منها، إلى جانب إنجلترا وألمانيا والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وفرنسا والصين، لتستحوذ تلك الدول على نسبة 75% من مجمل عدد السياح الواصلين إلى الولايات المتحدة، في حين لا تتعامل الدول العربية سياحيا ضمن كتلة واحدة وإنما تتعامل فرادى.

وكان العدد الأكبر للسياح العرب الواصلين إلى الولايات المتحدة من الإمارات إذ وصل إلى نحو 108 آلاف سائح، وتلتها السعودية بـ98 ألفا ومصر بـ75 ألفا والكويت بـ40 ألفا والمغرب بـ38 ألف سائح، ليصل النصيب النسبي للإمارات من مجمل السياحة الواصلة إلى أمريكا إلى نسبة اثنين بالألف فقط وللسعودية إلى واحد بالألف.

ومن ناحية أخرى تشير خريطة دول الاستثمار الأجنبي بالولايات المتحدة في عام 2022، إلى عدم وجود أية دولة عربية أو إسلامية ضمن العشر الأوائل الأكثر استثمارا بالولايات المتحدة، التي استحوذت على نسبة 81% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر، وتصدرتها اليابان وتلتها كندا وإنجلترا وألمانيا وفرنسا وأيرلندا وسويسرا وهولندا وأستراليا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان