المنشقون عن إدارة بايدن وكشف الوجه الخفي للنظام الأمريكي!

ألواح شوكولاتة تحمل صور ترامب وهاريس، تُعرض في متجر بنيويورك (رويترز)

قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، استغرق كثيرون في طرح سؤال الفوارق بين المتنافسين على منصب الرئيس، فيما يتعلق بقضايا المنطقة العربية وأزماتها المتفجرة، وخاصة القضية الفلسطينية والحرب على غزة، وأسهب كثيرون في محاولة الإجابة والاستقراء.

سؤال الفوارق بين هاريس وترامب

لكن سؤال الفوارق كان فاقدا لقيمته السياسية، إذ إن الحقائق والممارسات تؤكد أنه لا فرق بين هاريس التي تمثل امتدادا لإدارة بايدن الديمقراطية، وترامب الرئيس السابق وإدارته الجمهورية.

بل إنه يمكن القول إنه لا فرق بين الديمقراطيين والجمهوريين، فالاستراتيجية واحدة، والاختلاف ليس إلا في الوسائل والتكتيكات.

وبعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، بفارق كبير عن كامالا هاريس، وجمعه بين الفوز بالتصويتين “الشعبي” و”المجمع الانتخابي”، أصبح هناك رئيس جديد بترسانة قديمة!

المنشقون عن الإدارة الأمريكية

وفي خضم زخم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عرضت الجزيرة حلقات بعنوان “المنشقون”؛ وهي حوارات مع عدد من المستقيلين من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية رفضا لسياسة الإدارة الأمريكية اتجاه الحرب على غزة.

لقد لفتت تلك الحوارات النظر إلى نقطة هامة، وهي: أن الشعب الأمريكي ليس هو الذي يحكم، وكلمته لا قيمة لها، بل هناك آخرون هم من يتحكمون، وأن الكونغرس جزء أساسي مما يحدث، وأن المشكلة تكمن في الطريقة التي بُنيت عليها المنظومة الأمريكية، حيث يُسمح للسياسيين باستقبال التبرعات لحملاتهم الانتخابية من شركات السلاح وجماعات الضغط؛ مما يجعلهم ينصاعون للمتبرعين الذين يربحون منهم بسبب الحرب، وليس للدبلوماسيين والشعب الأمريكي.

وقد أُجريت هذه الحوارات مع كل من أنيل شيلين، المسؤولة السابقة بالخارجية الأمريكية، وهالة غريط المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، وليلي غرينبرغ كول اليهودية الأمريكية، المساعدة الخاصة السابقة لرئيس الأركان في وزارة الداخلية الأمريكية، إضافة إلى هاريسون مان، الضابط اليهودي المستقيل من وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، وألكسندر سميث، المستشار بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

لقد بلغ المنشقون عن الإدارة الأمريكية مرحلة وصلوا فيها إلى مفترق طرق بين مواقعهم السياسية والوظيفية ومبادئهم الأخلاقية وقيمهم؛ فتركوا مناصبهم انتصارا للمبادئ والقيم.

وهنا سوف أشير إلى بعض ما يلقي الضوء على حقيقة السياسات الأمريكية اتجاه المنطقة العربية وقضاياها، خاصة في حوارات كل من: ” أنيل شيلين، وهالة غريط، وليلي غرينبرغ”.

لا أمل في سياسات أمريكية أفضل بخصوص الشرق الأوسط

عند سؤال أنيل شيلين، المسؤولة السابقة بالخارجية الأمريكية، عن الإدارة المقبلة، سواء بقيت ديمقراطية أو صارت جمهورية، وتقييمها للسباق الانتخابي، قالت: إنها تعتقد أن الديمقراطيين والجمهوريين مسؤولون كلهم عن “السياسات المريعة” اتجاه الشرق الأوسط، فعلى مدى عقود كانت “سياسات الحزبين سيئة”، وإنها لا تتوقع أن يكون هناك سياسات أفضل. كما أعربت عن قلقها الشديد مما سيحدث في حال فوز ترامب بالرئاسة، ليس فيما يتعلق بموضوع الشرق الأوسط فقط، بل في أشياء أخرى كثيرة أيضا!

ومن ناحية أخرى، ذكرت أنيل شيلين أنه كان من المحبط جدا أن فريق المترشحة الرئاسية كامالا هاريس لم يكن مستعدا لاتخاذ موقف فيما يحدث في الشرق الأوسط، وأن هاريس وفريقها لم يعطوا إشارة بأنهم سيكونون أفضل من بايدن في هذه القضية.

وقد أعربت شيلين عن أسفها، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كبير عن الكثير من العنف والألم في المنطقة، مؤكدة أنها ترى أن الأمر مريع جدا.

جماعات الضغط ودوائر صنع القرار

السياسة الأمريكية أسيرة لجماعات الضغط المختلفة مثل “إيباك” وشركات صناعة السلاح المتحالفة مع جماعات الضغط الموالية لإسرائيل.

تتغلغل جماعات الضغط في مفاصل دوائر صنع القرار الأمريكي، وقد أصبحت الإدارة الأمريكية انسياقًا معها تنتهك القوانين الأمريكية وتتحايل عليها.

وقد أشارت هالة غريط، المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، في إطار تفسيرها للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في الحرب على غزة إلى أن إدارة الرئيس بايدن انتهكت العديد من القوانين الأمريكية، بما فيها قانون ليهي للتحقق، وقانون مراقبة تصدير السلاح، وقانون المساعدات الخارجية، وأن هذه الإدارة تحاول استخدام دبلوماسييها للتحايل على هذه القوانين.

الأيديلوجية والفساد والعنصرية وراء الدعم الأمريكي لإسرائيل

وقد ربطت هالة غريط كسر إدارة بايدن لكل هذه القوانين بثلاثة أشياء:

أولا: الأيديلوجية، فالرئيس بايدن صرح بأنه صهيوني ولديه التزام لا يتزعزع اتجاه إسرائيل.

ثانيا: الفساد المؤسسي، الذي يمثل أكبر قضية أساسية، بحسب غريط؛ لأن واشنطن تؤثر فيها جماعات الضغط التي لديها أجندات كبرى، مثل شركات تصنيع السلاح، التي تتحالف مع جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، وهو ما يمثل شراكة خطرة.

فالسياسيون الذين يقررون إرسال الأسلحة أو عدمه، ينتفعون من وراء هذه الأسلحة؛ ولذلك لا يوجد ما يحفزهم لوقف تدفق السلاح إلى إسرائيل، بل العكس.

وقد أشارت المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية إلى أن السياسيين الأمريكيين الذين من مسؤولياتهم فرض القوانين المتعلقة بتصدير السلاح والمساعدات الخارجية وقانون ليهي للتحقق، هم أنفسهم ينتهكون هذه القوانين.

ثالثا: العنصرية، فقد أكدت هالة غريط أن هناك نزعًا للإنسانية عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وأن الأمر قد مضت عليه عقود، وتغلغل إلى العقل الباطن، إلى درجة عدم الاكتراث بقتل طفل في غزة كما يفعلون إذا مات طفل في أوكرانيا، وهذا المستوى العميق من نزع الإنسانية هو الذي مكن كل شيء من الوقوع.

ولفتت غريط النظر إلى أن السياسة الأمريكية اتجاه غزة والمنطقة تجعل أمريكا خاسرة، حيث تتصرف الإدارة الأمريكية بناء على المصالح السياسية وليس بناء على الحقائق، وهذا لا يخدم الشعب الأمريكي. وقد أشارت إلى أن كلمة الشعب الأمريكي أصبحت لا قيمة لها، وأنه ليس الذي يحكم، ولكن هناك آخرون هم الذين يتحكمون.

استغلال الشعب اليهودي لتبرير الإبادة

وعلى جانب آخر، أكدت ليلي غرينبرغ كول، اليهودية الأمريكية، الموظفة السابقة في وزارة الداخلية الأمريكية، أن الولايات المتحدة لا تدعم إسرائيل دعما غير مشروط لحرصها على حماية اليهود والإسرائيليين وأمنهم؛ إنما بسبب مصالحها العسكرية في المنطقة، ومصلحة الصناعات العسكرية الأمريكية التي تستفيد من استمرار القتل والعنف، وأيضا من أجل الصهيونية المسيحية التي لديها قوة هائلة في أمريكا.

ووصفت غرينبرغ الرئيس بايدن وإدارته بأنهم يستغلون الشعب اليهودي لتبرير إبادة شعب آخر، وادعاء أن ذلك بطريقة ما لأجلهم.

ختاما

تتجلى قيمة حوارات “المنشقين” المستقيلين من دوائر صنع القرار الأمريكية في أنها كشفت الوجه الخفي للمنظومة الأمريكية، الذي يتلاشى معه أي سؤال عن الفوارق بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث ألقت الضوء على حقيقة محركات صنع القرار الأمريكي فيما يخص الشرق الأوسط، والحرب على غزة على وجه الخصوص، وأكدت أنه لا فرق بين رئيس ديمقراطي وآخر جمهوري، كما أظهرت وجها قبيحا من الفساد المهيمن على دوائر صنع القرار في واشنطن.

لقد جمع هؤلاء المنشقين قاسم مشترك، لا يقف عند حدود الانتصار للمبادئ والقيم فقط، بل ينطلق أيضا من الحرص على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان