إشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”

صورة من قلب العاصمة الإيرانية طهران بعد الهجمات الإسرائيلية على أهداف عسكرية في اكتوبر2024
صورة من قلب العاصمة الإيرانية طهران بعد الهجمات الإسرائيلية على أهداف عسكرية في أكتوبر 2024 (غيتي)

تتصاعد أهمية الدور الإيراني في ظل الأحداث الملتهبة التي تمر بها المنطقة والعالم، ودخول لبنان للحرب خاصة أن اتفاق وقف اطلاق النار الموقع مؤخرا مهدد بالانهيار في أي لحظة، ووجود تهديدات قوية باشتعال حرب عالمية لا تحاول أي جهة نزع فتيلها بصورة جدية، ثم عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة بأجندة جديدة لم تتضح معالمها كاملة، بالرغم من أن اختياراته لأعضاء حكومته تحمل دلالات سيئة تجاه القضايا العربية، وبين حالة السجال الإيراني الإسرائيلي من جهة، والتقارب الخليجي الإيراني من جهة أخرى.

بين كل ذلك يعود الملف النووي الإيراني ليكون عامل تهديد معلن ومباشر للضغط عليها إذا ما حاولت التدخل بصورة مؤثرة في الحرب الدائرة في غزة، والرد على سياسة الاغتيالات التي انتهجتها تل أبيب ودفعت طهران ثمنا كبيرا لها.

وليس من الجديد استخدام ذلك الملف للضغط على الجمهورية الإسلامية، فقد ظل محل جدل منذ منذ سبعينات القرن المنصرم، ومن المفارقة أنه أطلق وقتها بدعم من الولايات المتحدة وعدة دول غربية في عهد الشاه الإيراني، واستمر العمل عليه حتى قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 والتي بدلت السياسات الإيرانية داخليا وخارجيا بشكل كلي، مما أثار قلق الغرب من دخول إيران النادي النووي خاصة مع سيطرة الإسلاميين على الحكم.

التحديات والمواقف الدولية

تباينت ردود الأفعال والمواقف الخارجية تجاه المشروع النووي الإيراني خاصة بعد اكتمال البرنامج الباكستاني التي اتخذت موقفا حياديا وحذرا، حيث أنها على علاقات ودية مع دول الخليج، ومع إيران في ذات الوقت، لذلك لم يكن مقبولا من بعض الجهات تمرير برنامج نووي إسلامي آخر.

ولقد كانت إسرائيل من أكثر الدول تشنجا واعتراضا، ورأت فيه تهديدا مباشرا لأمنها بل ووجودها، وصرحت مرات عديدة أنها لن تسمح بنجاحه، وكان موقف الولايات المتحدة داعما كبيرا للموقف الإسرائيلي لتطفوا المشكلة والتهديدات كلما ازدادت حدة الصراع بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، وانتهجت واشنطن سياسة فرض العقوبات بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي،، فيما تبلور الموقف الأوروبي حول الحفاظ على الاتفاق الذي تم مع الشاه محمد رضا بهلوي، والتحكم فيه ليظل في إطار الاستخدام المدني لمنع انزلاق المنطقة لصراع لا قبل لها به.

وعلى الجانب الآخر، ظهر الجانب الروسي والصيني في صورة الداعم وإن اتخذت روسيا موقف الوسيط للحد من التوترات، أكثر من موقف المؤيد.

وأما بالنسبة لدول الخليج، فبالرغم من التقارب الخليجي الإيراني خاصة بعد حرب غزة ولبنان، إلا أن المخاوف الخليجية قد تضاعفت نظرا للحالة المحتقنة التي تمر بها المنطقة عموما، ونظرا لإمكانية استخدام تلك القوة في إثارة الصراعات الطائفية، ودعم الطرف الشيعي في المنطقة، ولذلك فإن إيران تلاقي تحديات كبيرة في سبيل انجاز برنامجها إن لم تكن قد أنجزته بالفعل كما صرح نتنياهو، وأما إن لم تكن قد أنهته فعليها انتهاج سياسة التهدئة لبضعة أشهر على الأقل حتى تستطيع إحداث نوعا من توازن القوى أمام القوة النووية الإسرائيلية بالرغم من الصعوبات الاقتصادية والتوترات الداخلية التي تمر بها نظرا للإنفاق المتزايد في ذلك المجال.

الملف النووي الإيراني في ظل حالة الاحتقان القائمة

أثبتت سرعة الأحداث الجارية على أن الجهود الدبلوماسية في إيقاف الصدامات وتقليل حدة الصراع القائم قد فشلت فشلا ذريعا، وأن إمكانية تدخل السلاح النووي ولو بصورة جزئية قائمة، وأن انجرار المنطقة لحرب شاملة قد يتطور بشكل سريع ليمثل تهديدا وجوديا للجميع، خاصة بعد الصدمة الاسرائيلية والغربية من صمود المقاومة الفلسطينية لمدة طويلة تجاوزت كافة سوابق المواجهات الإسرائيلية العربية من قبل.

فأشار هذا الأداء بالنسبة للكيان على وجود دعم مباشر من إيران وحزب الله لحركة حماس، ولذلك امتدت الحرب من غزة للحزب، وتم اغتيال بعض قادته، وتأكدت مخاوف اسرائيل من مشروع ايران النووي ليتحول من دائرة التهديد، لحيز التنفيذ، لقد استطاعت إيران وقبل تحقيق أي من طموحاتها النووية، وقبل طوفان الأقصى أن تشكل لنفسها خريطة جديدة في المنطقة بحشد مؤيديها على مساحات أكبر في اليمن على سبيل المثال، وأن تفرض نوعا من النفوذ أكبر على سوريا ولبنان، وأصبح لها حضور واضح بالرغم من حالة الترقب العربي وخاصة الخليجي.

لكل هذه الأسباب فان نتائج الحرب انعكست على الموقف الإسرائيلي ليمتد من مجرد التهديد، لاحتمالية فعلية اتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية بطهران، وهو ماأعلنته في أكثر من مناسبة وبشكل صريح بأن لديها خططا لضرب تلك المنشآت إذا استشعرت بإمكانية استخدامها عسكريا.

إحتمالات ومآلات الملف

لمعرفة مآلات ذلك الملف وجب علينا ايجاد اجابات للتساؤلات عن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة منه؟ وهل تنتقل حالة الدعم الروسي والصيني المعنوي لايران من الدعم السياسي إلى الدعم المادي لإحداث توازن قوى في المنطقة في حال نشوب حرب مع المعسكر الأمريكي والتي تتزايد احتمالاتها كل يوم؟

ولعله في هذه الحالة سيكون من الصعب على أمريكا وإسرائيل عرقلة المشروع الإيراني أو وقف دخوله المجال العسكري، أما إذا استمرت الحرب والاستنزاف اليومي للقدرات الإسرائيلية بالرغم من الدعم الغربي الكامل، من أن تستغل إيران الأوضاع الدولية وحالة اللا سلم واللا حرب في تطوير برنامجها قبل اتخاذ أي رد فعل إسرائيلي وبذلك تكون في حاجة فقط لمزيد من الوقت الذي يحتمل أن يكون أشهر معدودة للوصول لتحقيق طموحها النووي.

ومن الاحتمالات أن يتطور الأمر لضربة عسكرية مجمعة وموسعة، او الضغط عليها لحصر برنامجها على الاستخدامات السلمية.

على كل حال يجمع المراقبون أن إيران تدير الأزمة ببراعة وانقضى منها الكثير وبقى القليل.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان