العين على مصر

صلاح جاهين

يقول الكاتب الدرامي المصري أسامة أنور عكاشة في رائعته الدرامية (زيزينيا) على لسان بطل العمل بشر عامر عبد الظاهر متمثلا مصر “أنا السؤال والجواب” هكذا هي دائما في أكثر حالاتها ضعفا وفي أشدها قوة، مصر هي سؤال كل المشاكل في المنطقة أين، متى، لماذا، كيف؟ ودوما هي حل كل المعضلات القائمة فيها نتساءل ما حالها؟ لماذا هي هكذا؟ كيف تنجو وننجو؟ ومتى تصحو فنصحو؟ يتردد السؤال أمام كل معضلة وبحثا عن كل حل.

حين تنجو مصر تنجو الأمة، هكذا علمني التاريخ وتعلمنا المواقف حتى إذا اعتقدنا أنها جثة هامدة ولا أمل فيها، وهكذا يصورها صلاح جاهين الشاعر المصري في قصيدته الملهمة (على اسم مصر):

كـان عمـرها ستـلاف سنة

كلها سنين خضر

بـس الزمـان يختـلـف زي اخـتـلاف الناس

نـاس تبـنى مجـد وحضـارة

وناس بلا احساس

ونـاس تـنـام لمـا

يزحـف موكـب الأحـداث

هكذا هي دائما عند المصريين والعرب وأيضا عند من يدرك كنهها وأصلها، وفي العمل الدرامي التركي فاتح القدس صلاح الدين الذي يعرض الآن على الشاشات التركية ويتعرض لحياة صلاح الدين يوسف الأيوبي محرر القدس وبيت المقدس يتناول المسلسل في موسمه الدرامي الثاني حكاية صلاح الدين مع مصر وتحريرها أو سقوط الخلافة الفاطمية واستيلاء الأيوبيين على حكمها، وكان العمل قد تناول في عمله الأول قصة قبيلة غزة واستيلاء الصليبين عليها وعسقلان، وكيف استطاع الأمير صلاح الدين وجيش السلطان نور الدين زنكي تحريرهما في طريق تحرير القدس من الصليبيين والقضاء على مملكتهم في القدس.

 

مصر مفتاح التحرير

 

تشتد الأزمة المصرية في مرض الخليفة الفاطمي الأخير العاضد لدين الله، ويتصارع الوزيران ضرغام وشاور على الحكم، يستعين ضرغام بالملك الصليبي أمالريك (عموري الأول) في القدس، يرسل له الملك مجموعة من الجنود الصليبيين بقيادة أحد قادة جيشه مايلز، بينما يتحرك شاور مع القاضي الفاضل قاضي مصر لمنع تعاون ضرغام مع الصليبيين ومنع وضع قدم لهم في القاهرة.

لا يجد الوزير بعد طرده من مصر وسيلة إلا إرسال القاضي إلى السلطان نور الديم زنكي في الشام، ليساعد شاور على العودة للوزارة وتولي الحكم في ظل غياب الخليفة الفاطمي، وفي مقابل ذلك يعد القاضي السلطان بالحصول على الذهب الذي سرقه ضرغام، وتبدأ رحلة الصراع على مصر بين ملك القدس الصليبي صاحب التجارة الواسعة مع ضرغام، ونور الدين زنكي الذي يرى أن طريقه إلى القدس وحلمه في تحريرها لا يمكن إتمامه إلا عبر مصر، وها هي الفرصة قد جاءت وبإرادة مصرية.

فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي عمل بدأ عرضه في يناير الماضي، وقدم الجزء الأول في 28 حلقة درامية تتراوح مدة كل حلقة ما بين ساعتين ونصف ساعة وثلاث ساعات، ويتميز العمل بنصه المكتوب بعناية فائقة، وسرعة إيقاعه وبعده عن التطويل الذي اشتهر به بعض الأعمال التاريخية السابقة في الدراما التركية، كما أن العمل يتميز بجودة فريق عمله من حيث التصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية.

أما فريق التمثيل فقد أحسن المخرج اختياره وعلى رأسه بطل العمل أوغور غونيش في دور صلاح الدين، ومحمد على نور في دور السلطان نور الدين زنكي، ومصطفي كوناك في دور الملا عمر من أبطال الموسم الأول.

انضم إليهم في الجزء الثاني مجموعة من الممثلين المتميزين منهم محمد أوزان في دور باليان الأبليني الفارس المسيحي الذي لا تتوافق قيمه مع المؤامرات التي يحكيها فرسان المعبد، والممثلة الجديدة جوتشا تركان في دور شمسة حبيبة صلاح الدين، واليف دوغان في دور الكونتسية ميلا زوجة الكونت مايلز، ومايلز أرسله الملك أمالريك إلى مصر لدعم ضرغام فيقتله صلاح الدين وتسعى ميلا للانتقام من صلاح الدين.

يرى ملك القدس عموري الأول أنه يجب التعاون مع مصر تحت أي قيادة سعيا وراء الحصول على القمح وإقامة تجارة مع مصر حتى يتجنبها في صراعه مع السلطان نور الدين زنكي الذي يسعى مع صلاح الدين لتحقيق حلمه بتحرير القدس.

في ظل صراع ضرعام وشاور على وزارة مصر ارتمى الأول في أحضان مملكة القدس وعموري الأول مستغلا التجارة ليسكت الشعب عن مظالمه، وحماية له من تعاون الثاني مع الزنكيين والأيوبيين، تظل علاقة ضرغام مع الصليبيين خفية تحاشيا لغضب الشعب، ويرسل عموري جنودًا وقادة متخفيين يحيطون بالوزير ضرغام.

كان وصول القاضي الفاضل إلى الشام حيث السلطان نور الدين هي فرصة السلطان لتأمين مصر، بل وتخليصها من الخلافة الفاطمية المريضة وصراع الوزراء، ويجهز نور الدين زنكي جيشه بقيادة أسد الدين شيركوه لمساعدة شاور في استرداد عرشه، ومحاولة سيطرة الزنكيين على الأوضاع فيها حتى يأتي الظرف المناسب للسيطرة عليها في طريق تحرير القدس، كان وصول جيش الزنكيين متواكبا مع دخول صلاح الدين مصر بعد أن فقد في أحد المعارك ضد الصليبيين في غزة وعسقلان، ويتمكن الأيوبيون والزنكيون من إعادة شاور والتخلص من ضرغام الوزير الفاسد المستبد.

يحاول شاور التملص من وعد القاضي الفاضل للسلطان نور الدين، ويتعاون مع رجال ضرغام في التخلص من الزنكيين في مصر، بإثارة الشعب ضد الزنكيين، وفي الوقت ذاته يقرر القاضي الفاضل أن يفي بوعده للسلطان نور الدين وصلاح الدين الأيوبي، وتبدأ مرحلة جديدة في الصراع على مصر.

إثارة القلاقل بين زنكي وعموري

في بلاط ملك القدس عموري الأول مجموعة من فرسان المعبد يطمحون في الاستيلاء على مصر ثم الحرب مع الدولة الزنكية على الشام، ولا يريدون لعلاقة مملكة القدس المؤقتة مع زنكي أن تستمر، وبقيادة أحد أذرع الملك تبدأ مجموعة من الاضطرابات عن طريق فرسان المعبد.

يقوم فرسان المعبد الصليبيون بمذبحة في غزة ويقتلون النساء والأطفال حول قبر السيد هاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم، يرسل السلطان نور الدين صلاح الدين إلى غزة، ويرسل الملك عموري باليان الأبليني أيضا في محاولة لإثبات حسن نيته، وفي الوقت ذاته يرسل شاور رسالة للقدس يعرض فيها التعاون بين مصر والصليبيين وتبادل التجارة.

يحاول صلاح الدين وباليان حل لغز مذبحة غزة، ومحاولة عمل مذبحة في دير مسيحي أيضا، ولكن يتم قتل الشاهد الوحيد ضد فرسان المعبد، ويعود صلاح الدين إلى الشام، وباليان إلى القدس ليتم إرسالهم إلى مصر، وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع لمحاولة منع الزنكيين من وجودهم في مصر، واستمرار تعاون مملكة القدس معها من خلال شاور.

هكذا يستمر الموسم الثاني للعمل الدرامي فاتح القدس صلاح الدين في حلقاته حتى استيلاء الأيوبيين بقيادة الوزير أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي على الحكم في مصر، وتأسيس الدولة الأيوبية لتبدأ رحله صلاح الدين لتحرير القدس التي استمرت محاولاته فيها عشر مرات حتى تم تحريرها.

عشر جولات هزم في بعضها، وانتصر في أخرى حتى تحقق له النصر في النهاية وتحرر بيت المقدس والمسجد الأقصى، لم ييأس صلاح الدين ولم يمت حين هزم، لم يركن لهزيمة عقود من السنوات، بل استمر في بناء قوة الأمة وحاول حتى الانتصار.

لكن كما قال السلطان نور الدين زنكي لا تحرير للقدس بلا مصر.

هكذا تظل مصر هي مفتاح السؤال والجواب، وإلى أن يأتي الجواب من مصر تظل محاولات كل المقاومين من أجل تحرير فلسطين والمسجد الأقصى طريقا نحو الهدف الأكبر، وأنه لقادم في المقبل من الأيام بمصر ولها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان