دون حكم ديمقراطي رشيد.. أوطاننا في خطر

ما تبقى من حافظ وبشار الأسد في دمشق (الفرنسية)

(1) الطغاة يأخذون الدولة معهم

جميعنا شاهدنا عبر وسائل الإعلام فرحة السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد، والمشهد لا يختلف كثيرا عن ما نقلته وسائل الإعلام بعد سقوط نظام صدام حسين في بغداد على يد الغزاة الأمريكيين، ولا يختلف أيضا عن المشهد بعد هروب زين العابدين بن علي وتنحي مبارك ومقتل القذافي وعبد الله صالح والانقلاب على البشير، طبيعي أن يكون هناك ارتياح شعبي بعد زوال الغمة المتمثلة في رأس الحكم المستبد الفاسد.

القادة المستبدون في منطقتنا وفي العالم يجعلون أمن النظام أهم من أمن الوطن واستقراره المستمد من شرعية الحكم ورضا الشعب، الذي يتحقق في ظل احترام القانون والدستور والحرص على كرامة المواطن وتأمين معيشته والمساواة والعدل.

الحكام الطغاة يخلطون بينهم وبين والدولة، ويظنون أنفسهم لطول بقائهم في الحكم أنهم والدولة سواء، فمن يعارضهم يصبح خائنًا للدولة ومجرمًا في حق الوطن، يستبدلون بنود الدستور بقوانين تفصيل على مقاسهم يحيكها لهم رجال قانون باعوا ضمائرهم مقابل حفنة من المال والامتيازات، قوانين تسمح لهم بانتهاك حقوق المواطنين وانتشار الفساد والظلم وبقائهم في الحكم للأبد.

الطغاة يقسمون الشعب لطائفتين: معهم وضدهم، الأولى تنعم بكل الحقوق والمزايا والثانية ينكل بها ويضيقون عليها سبل العيش وتعتقل، يعيش المواطن تحت حكم الطغاة في خوف على حياته وقلق على قوت يومه، ومع الوقت يفقد المواطن انتماءه إلى بلده وحين يتأكد أن نظام الحكم في خطر لا يدافع عنه، بل يعين المخلص بغض النظر عن هويته وأهدافه.

المحنة الكبرى التي تعاني منها الدول التي سادت فيها الأنظمة الاستبدادية لعقود، أنه حين يذهب الحاكم المستبد يترك الخراب وراءه لأن المؤسسات التي أنشئت في عهده تكون هشة وفاسدة، تسير وفق أهوائه الشخصية وليس لها معايير أداء وقواعد عمل راسخة، ولذا تدخل هذه الدول في حالة فوضى عارمة يصعب فيها التفرقة بين الخبيث والطيب بسبب عدم نضج الوعي العام بسبب القهر والفساد والمعلومات المضللة، وهنا لا يستطيع المواطن البسيط الحكم الصائب على الأمور، ويكون عرضة للخديعة من المنقلبين على النظام كما كان مخدوعا من قبل من النظام.

(2) لماذا سقط بشار الآن؟

السؤال عن سقوط بشار بهذه السرعة، وانهيار جيش النظام هكذا يستحق التأمل.

عاد بشار إلى الساحة العربية والإقليمية بعد أن أصبح وجوده مقبولا على اعتبار أنه خيار أفضل من الفوضى في سوريا، لكننا نجد أن الأمر تغير بعد “طوفان الأقصى”، ووجدت قوى إقليمية ودولية فاعلة في المنطقة أن خيار الفوضى في سوريا أفضل من استمراره كممثل لإيران ومحور المقاومة رغم عدم قدرة نظامه على ذلك، واستباحة إسرائيل لسماء بلاده وأرضها.

بشار ليس حافظ الأسد، فهو شخصية هشة لم يكن يوما أكثر من قطعة على رقعة الشطرنج مصيره مرتهن بمهارة اللاعب وقوته الذي يحركه، وبالنسبة له كان هناك أكثر من لاعب يتناوب على تحريكه، اللاعب الإيراني والروسي.

كان استمرار نظام بشار الأسد يستند على عكازين: الإيراني والروسي، للأسف لم يحاول الأسد مثل الطغاة كلهم أن يجعل من شعبه سندا يدعمه في الأزمات والمحن، وهذا درس يجب أن يعيه كل حاكم: المحمي بغير شعبه عارٍ.

بعد الضربات الإسرائيلية الأمريكية القوية لمحور المقاومة في غزة ولبنان أدركت إيران أن طبول الحرب اقتربت من حدودها الجغرافية الطبيعية، من قبل اعتمد الراحل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني سياسة حماية حدود إيران بميليشيات مسلحة، تمتد من العراق إلى لبنان وسوريا وغزة وأيضا اليمن لتمثل قوة الدفاع الأولى عنها وأداة ردع لمنافسيها في المنطقة، وفي مقدمتهم إسرائيل.

إيران الآن تفكر في كيفية ترميم صورتها والدفاع عن نفسها بما لديها، ولا يمكنها أن تمد الأسد بما يحتاجه كالحال في السابق، وهو موقف روسيا نفسه، بوتين في حاجة لكل رصاصة في أوكرانيا ولا يريد أن يشتت جهوده ويعرض الأمن القومي لبلاده للخطر، ويكفي أنه أعطى بشار حق اللجوء.

أما جيش النظام فلقد انهار بهذه السرعة لظروف عدة منها المعاناة الاقتصادية وشعورهم بضعف قائدهم الأعلى، والافتقاد إلى العقيدة التي تجعلهم يدافعون عنها حتى آخر نفس.

الأسد حاكم فاشل ومستبد، لكن سقوطه بهذه السرعة وفي هذا التوقيت يجعلنا نراجع باهتمام الأفكار التي سبق ترويجها عن شرق أوسط جديد بخرائط جديدة للمنطقة، سقوط بشار ليس نتاج كفاح الشعب السوري للأسف، لكن نتيجة دعم قوى إقليمية غير عربية للفوز بحصة أكبر في الكعكة السورية.

سوريا خلعت اليوم العباءة الإيرانية لترتدي عباءة جديدة غير عربية أيضا لا تسعى بالتأكيد لمصلحة السوريين، لكن لمصالحها.

(3) حان وقت اليقظة العربية

منذ سقوط بغداد عام 2003، وانهيار البوابة الشرقية للوطن العربي لم تعرف بلداننا سوى الفوضى غير الخلاقة.

ثورات 2011 أدت إلى فوضى وحروب أهلية مستمرة حتى الآن نتيجة تدخل قوى خارجية.

الشعوب العربية كان لديها كل الحق في الثورة على الحكام الفاسدين، وكان لديها كل الأمل أن تصبح بلدانهم أفضل، لكن للأسف كل الدول العربية التي تعرضت لثورات الربيع العربي تعاني أكثر من ذي قبل، مع وجود أنظمة حكم أكثر استبدادا وسوءا من سابقتها.

اللعبة لم تنتهِ بعد، ما يحدث في سوريا سيعقبه تداعيات أخرى، بدأتها إسرائيل بالتمدد في سوريا والتهام المزيد من الأراضي في الضفة الغربية.

القوى العالمية الصاعدة تتابع ما يجرى في الشرق الأوسط وأوكرانيا وتدرك أنها حرب عالمية ثالثة بكل المقاييس وستتوسع رقعتها، ولن تسمح هذه القوى بفوز سهل وساحق للغرب تستمر معه أمريكا في الهيمنة على العالم.

الأهم لنا كعرب أن ما حدث في سوريا سيكون له تداعيات على الأمن القومي العربي، تأثير رفة الفراشة يتحقق، وخوفي الشديد أن يكون سقوط الأسد بداية لتداعي قطع “الدومينو”، وتكرار الأحداث في دول أخرى.

صمام الأمان ضد الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي وغلق المنافذ أمام القوة الإقليمية والدولية في التدخل في شؤوننا هو أن تُحكم الشعوب العربية بالديمقراطية والقانون، الطغاة يجلبون الغزاة.. والتتار الجدد ينتظرون بلهفة وراثة أرض العرب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان