لماذا فزع القوميون العرب لسقوط بشار؟!
ما إن بدأت عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها المعارضة السورية المسلحة تؤتي أُكلها، حتى فزعت مجموعات النخب والمثقفين المنضوين تحت لافتات القومية العربية.
وعلى الرغم من قلة أعداد القواعد الجماهيرية لتلك الفئات، فإن أصواتهم كانت واضحة لأن أغلبهم من المشاهير والكتاب والصحفيين والمؤثرين، وكان من الغريب أنهم نافسوا الذباب الإلكتروني التابع للأنظمة العربية في تخوين وتشويه المعارضة السورية، رغبة منهم في إجهاض الأمر وإنكاره قدر ما استطاعوا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلا إعمار أو مقاومة.. الهدنة تقترب في غزة والسلام يبتعد!
حتى لا ينتصر دعاة الهزيمة
ينابيع الحكمة تتدفق من غزة
بيد أن الأحداث على الأرض سرعان ما أزاحت أراجيف الكارهين والمنتفعين، ولقد خرجت الملايين من الجماهير السورية لتحتضن الثورة على نظام أذاقها الويل والثبور لأكثر من نصف قرن، كما تم تحرير عشرات الآلاف من المعتقلين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والرجال ليكونوا دليلًا حيًّا على وحشية النظام البائد، وشاهدًا على سقوط تُرهات النخب الملتصقة بالأنظمة العربية المستبدة.
ومع انتشار التهاني في كل الأقطار العربية عقب تحرير مدينة تلو الأخرى، أقبلت الليلة الكبيرة، ليلة تحرير العاصمة دمشق وسقوط نظام الأسد وإطلاق سراح عشرات الآلاف من الأبرياء، وقتها بات هناك أمر حير الجماهير العربية التي احتفل معظمها بسقوط نظام الأسد، والحيرة برزت في عدة أسئلة على رأسها: لماذا انحازت تلك النخب إلى ذلك النظام المستبد على حساب ملايين المظلومين والمهجرين والمعتقلين من الشعب السوري؟
وكيف لتلك المجموعات التي تنضوي تحت لافتات القومية العربية أن تتجاهل الشعوب العربية، وأن تؤيد نظامًا يستمد قوته ويثبت أركانه عبر تبعيته التي كانت لا تخفى على أحد لقومية أخرى مناهضة، وهي القومية الإيرانية التي تمتلك مشروعًا مناوئًا كثيرًا لا تتقاطع مصالحه مع مصالح القومية العربية، بل هي على حساب سيادتها وأرضها؟
والسؤال الأهم: كيف ومتى حدث هذا التحور وتكون ذلك الهجين المتناقض الذي يجمع بين قوميتين، حيث يرفع لافتة العروبة، في حين يعمل لصالح لافتة أخرى مناهضة لها في كثير من الأحيان، وهو ما يتناقض مع فكرة القومية والانتماء للجغرافيا والتاريخ واللغة والنشأة والتكوين.
الجماعات التكفيرية
بمجرد بدء عملية “ردع العدوان” لإزاحة النظام السوري، ومحو مظالمه انتابت القوميون حالة من الفزع والرفض والإدانة، وظهرت عشرات الحجج والمبررات التي لا دليل عليها، ومنها: ادعاء أن الجهات الداعمة للعملية هي الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني لضرب محور المقاومة، كما اتهموا أيضا قادة المعارضة بالعمالة للغرب وللكيان الإسرائيلي، إضافة إلى الاتهام بالتبعية لداعش والجماعات التكفيرية، فما سرّ التنكر لحقوق عشرات الملايين من السوريين، وما سبب تلك الحساسية الزائدة اتجاه أي مظهر من مظاهر الإسلام السني، أليس غريبًا أن ينتقد البعض وجود شبان سوريين ملتحين في صفوف المعارضة في الوقت الذي لا يجد فيه مانعًا من تأييد الوجود والدعم الإيراني داخل سوريا؟!
الإجابة في نظري تعود إلى كراهية ومعاداة المرجعية الفكرية للمعارضة السورية المسلحة، فلا يخفى على أحد حجم العداء والكراهية التاريخية من قبل الشخصيات والكيانات القومية المتناثرة لكل التيارات ذات المرجعية الإسلامية.
وربما كانت أحداث الربيع العربي هي خير شاهد على حجم التربص والتصيد والاستعداء ضد كل ما هو إسلامي، خاصة إذا تعلق الأمر بشأن من شؤون السلطة.
المؤتمر القومي العربي
انتقد بعض القوميين غير التنظيميين فكرة ارتباط فعاليات وبيانات المؤتمر القومي بمصالح إيران، بل وصل الأمر إلى اتهام الأخيرة باختطاف المؤتمر القومي.
ولا يخفى على أحد أن المعارضة السورية نفسها هاجمت من قبل الحج السنوي لشخصيات المؤتمر القومي العربي إلى قصر دمشق، فقد اعتاد بشار الأسد منذ سنوات رعاية ودعم ودعوة شخصيات المؤتمر القومي العربي إلى دمشق، حتى وإن أقيمت جلسات المؤتمر في دولة أخرى.
وفي زيارة تلك الشخصيات الأخيرة لبشار، استقبل أكثر من 250 شخصية من أعضاء المؤتمر على رأسهم حمدين صباحي الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، وهؤلاء الآن هم في طليعة من يصرخ على ضياع سوريا المقاومة والصمود.
في النهاية تظل كثير من الأسئلة التي توجه إلى المؤتمر القومي العربي (باعتباره أكبر الكيانات القومية العربية) دون إجابة شافية: كيف يتحول مؤتمر كهذا إلى أداة من أدوات نظم الاستبداد الأشد وحشية وقسوة؟
وما سرّ ولع المؤتمر القومي بالدكتاتوريين؟! فقد اعتادت شخصياته الإشادة بنظام بشار في الوقت الذي كان هذا النظام يرتكب فيه المجازر بحلب، ويرمي فيه البراميل المتفجرة على حمص وإدلب.