لماذا كان السقوط سريعا؟

صورة لبشار وأسماء الأسد من شهر يوليو/تموز الماضي (رويترز)

يحار المرء، لهذا السقوط المُهين، السريع (خلال 12 يوما فقط) للرئيس السوري بشار الأسد (59 سنة)، الحاكم بقبضة حديدية، طوال 25 عاما. من المفارقات أن سقوط الأسد، وفراره هاربا إلى موسكو مع أسرته مع ما بدا من هشاشة نظامه، يتزامن مع ذكرى مرور 35 عاما، التي تحل بعد أيام، على انهيار نظام الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو (1918- 1989م)، الدكتاتور الذي حكم بلاده بالحديد والنار.

دول الكتلة الشيوعية.. وعرقيات متعددة

تشاوشيسكو، اعتلى أريكة حكم رومانيا، في زمن المد الشيوعي، منذ عام 1967، وحتى سقوطه، وإعدامه يوم 27/12/ 1989. قصة سقوط الدكتاتور الروماني ترجع إلى مدينة تيميشوارا عاصمة مقاطعة تيميس الرومانية، التي اندلعت منها شرارة الثورة، باحتجاجات غاضبة يوم 16/12/ 1989، على خلفية إقصاء وزير ينتمي للأقلية المجرية، يُدعى لاسلو توكيس. إذ تضم “رومانيا”، عرقيات، وطوائف دينية متعددة، وكانت ضمن ما كان يُعرف بـ”دول الكتلة الشيوعية”، التي يتزعمها حينذاك الاتحاد السوفيتي (1922- 1991، حيث تفكك، وورثته روسيا). سُرعان ما تصاعدت وتيرة الاحتجاجات، وامتدت إلى كل رومانيا. بعد خمسة أيام من اندلاعها أمر الدكتاتور، أجهزته بالحشد وسط العاصمة بوخارست، لمؤتمر شعبي كبير، يخطب فيه، يوم 21/12. بدلا من الهتاف بحياته، أثناء الخطبة، وتأييده، حسبما هو مُخطط، و”مُعتاد” صُدم بثورة الحضور، وهم بمئات الآلاف، وهتافهم بسقوطه، ومطالبته بالرحيل، ثم اندلعت أعمال شغب وعُنف واقتتال في الشوارع، سقط خلالها أكثر من ألف روماني، بأيادي حُراس نظامه.

المستبدون يفرون

مثلما فر الأسد هاربا مع زوجته أسماء إلى موسكو (ليلا) لم يجد تشاوشيسكو مفرا من الهروب مع زوجته إيلينا، على متن مروحية، إلى إحدى المناطق النائية ليتم القبض عليه بعد يومين (27/12/1989)، ويحاكم، وزوجته التي شغلت منصبا حكوميا رفيعا، ويُمثلا لمُحاكمة صورية، لم تستغرق ساعتين، وينُفذ فيهما الحكم بالإعدام في الحال، رميا بالرصاص أمام حشود هائلة، وكما أنهار نظام تشاوشيسكو الشيوعي الحديدي في أيام قليلة فقط، وكان يحسب أنه عصي على التمرد الشعبي والثورة، تهاوى نظام بشار وريث والده حافظ الأسد رئيس سوريا منذ عام 1971 حتى وفاته عام 2000. كل منهما، أفقر شعبه إرضاء لنزواته الاستبدادية، والانفراد بالرأي، وانطبقت عليه مقولة المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي (1855- 1902)، في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، بأن المستبد منذ لحظة جلوسه على عرشه، يرى نفسه، إلهًا يريد للشعب أن يكون قطيعا طائعا من الغنم، فكلاهما صادر حرية المواطن، ولم يسمح له بالتنفس ببنت شفة، وإلا فالسجن مصيره المحتوم، حيث التعذيب، والقتل أحيانا، فليس مقبولا من أفراد الشعب سوى التذلل والتملق، والتسبيح بحمده.

الكبت والسجون.. والإفقار والتشريد

أفقر الأسد بلاده بالاستبداد، وشرد الملايين من شعبه، وصادر حرية مواطنيه، وسجن مئات الآلاف في زنازينه التي تحولت إلى مسالخ للتعذيب والقتل، لكل من سولت له نفسه الاعتراض ولو همسا. مثلما أن تشاوشيسكو، اتبع سياسات تقشف شديدة، نتج عنها إفقار أفراد الشعب الروماني وتجويعه بحجة سداد الديون التي جلبها هو نفسه، لمشروعات غير مهمة، وراح يكتم صوت الشعب، ويمنع عنه هواء الحرية، فكان “الانفجار”، في مثل هذه الحالات هو النتيجة الطبيعية للكبت والقهر والقمع، ومصادرة الحريات، وإعلاء شأن الموالين والمنافقين، وتغييب الكفاءات وأصحاب الفكر والرأي، فكل مستبد على شاكلتهما، لا يسمع إلا نفسه وصوته، والذين يزينون له رؤاه الفاسدة بالباطل.

 مجازر الأب والابن

كان بإمكان بشار، احتواء الأزمة منذ اندلاع الثورة عام 2011، بالاستماع إلى الثائرين، والتشاور معهم، وأن ينزل قليلا من برجه العاجي، بتلبية بعض مطالبهم. لو تنازل عن بعض كبريائه المذموم، لحفظ شعبه، وحمى البلاد من هذا الخراب الذي انتجه، ثم تركها عليه، ففي السياسة يكون نزول الحاكم على مطالب الشعب محمودا ومُقدرا، ويرفع مقامه لدى الناس، وليس العكس، لكنها الحماقة المختلطة بالجهل. لم يدرك الأسد (الابن)، أن غلق سُبل الحوار يفتح أبواب الجحيم على البلاد والعباد، فكان طبيعيا لجوء الغاضبين إلى مسالك أخرى، لإثبات وجودهم، والتعبير عما يجيش بصدورهم. لم يصم بشار الآذان، فحسب، بل سلك طريق والده في القمع، وإعمال القتل لمن يشق عليهما عصا الطاعة، وكما قتل والده الآلاف عام 1982 في مجزرة حماة، لم يتورع الابن عن قتل نصف مليون سوري (في بعض التقديرات)، وتشريد مليونين آخرين، اضطروا للهجرة، والعيش في خيام.

صراع مصالح شبه عالمي

الأخطر أن بشار بحماقته وجهله بالسياسة، أفسح المجال واسعا للتدخلات الخارجية، لتتحول سوريا إلى ميدان لصراع مصالح شبه عالمي (أمريكا، روسيا، إيران، تركيا، ميليشيات إرهابية)، لتدفع سوريا، ثمنا غاليا من استقلالها، وها هي إسرائيل تنتهز الفرصة، وتلغي اتفاق الهدنة عام 1974 المنعقد عقب حرب أكتوبر 1973، وتحتل المنطقة العازلة، وتواصل الإغارة (أكثر من 300 غارة)، لتدمير المواقع والمُقدرات العسكرية السورية، ولو زحف جيش الاحتلال نحو دمشق، لما وجد صدا ولا ردا، في ظل السيولة الحالية، وتبخر الجيش السوري الذي لم يكن -في ظل الأسد- مانعا لـ”الطيران الإسرائيلي”، من الإغارة عليه وقتما يشاء، كما أن حال “العرب” لا يسُر، وليس بوسعهم لجم إسرائيل إلى أن تتعافى سوريا.

هشاشة الأنظمة الدكتاتورية

ليت كل دكتاتور مُستبد في عالمنا العربي يدرك قبل فوات الأوان، أن القبضة الحديدية لا تمنع أصحابها من السقوط، بل تورد الدول موارد التفكك والانهيار، فالديمقراطية تحفظ للشعوب تماسكها، وتمنعها من التشرذم، وتضمن لها الازدهار والرخاء، وتحمي استقلالها، وتمنع انهيارها، وتحصن النُظم والدول من هذه الهشاشة التي بدت على نظام بشار الأسد، ومن قبله تشاوشيسكو، وكل من على شاكلتهما.

حفظ الله الشعب السوري، وحمى سوريا العروبة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان