هل يكفي سقوط الأسد لوقف نزيف المخدرات عبر الحدود؟
لطالما كانت الحدود الأردنية السورية بمثابة بوابة أمل للملايين من السوريين الفارين من ويلات الحرب، فمنذ بداية الثورة السورية في 2011، ومع تصاعد العنف والدمار، كانت القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) في مقدمة الصفوف، تستقبل اللاجئين السوريين بكل تفانٍ لضمان سلامتهم وتأمين دخولهم إلى المملكة، ليصبح الأردن في تلك اللحظات العصيبة ملاذًا إنسانيًا آمنًا لأكثر من 1,3 مليون سوري.
لكن مع مرور السنوات، تبدّل المشهد على الحدود، وتحولت هذه النقاط من ممرات آمنة للاجئين إلى مراكز لتهريب المخدرات، وعلى رأسها “الكبتاجون”، الذي أصبح يشكل مصدر دخل رئيس للنظام السوري وحلفائه، في ظل تأثيرات (قانون قيصر) الذي فرض قيودًا على الاقتصاد السوري، ومن ثم تحولت هذه الحدود من ملاذ آمن للهاربين من حكم الاستبداد إلى نقطة اشتباك جديدة في حرب شرسة، إذ وقفت الأردن سدًا منيعًا لصدها وتمكنت قوات حرس الحدود في الجيش العربي من إحباط العشرات من محاولات التهريب، التي أدت إلى استشهاد وإصابة عدد من نشامى القوات المسلحة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالكتيبة الإعلامية في غزة.. وطوفان الوعي
“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة
اللافت أن عائلة الأسد خلال فترة حكمها، لم تكتفِ بما ارتكبته من جرائم ضد الشعب السوري، من قتل وتهجير واعتقال، بل تجاوزت كل الحدود الأخلاقية والإنسانية حين حولت سوريا إلى مصدر رئيس لتهريب المخدرات، ففي مشهد مرعب، أصبح النظام عدوًا لشعبه ولبقية الشعوب، لا يتردد في تدمير كل شيء من حوله، حتى وإن كان ذلك على حساب الأرواح والعقول.
عصابة حاكمة
هذه التجارة المدمرة تعكس الوجه الحقيقي لنظام يفتقد للإنسانية، ولا يعرف سوى العنف والفساد، فلم يعد النظام الحاكم في سوريا مجرد آلة قمعية، بل تحول إلى وكيل لدمار لا حدود له، مستخدمًا المخدرات كوسيلة لتمويل حربه الداخلية، في خطوة تفضح عمق الانحلال الأخلاقي الذي بلغته هذه العصابة الحاكمة.
وطوال السنوات الماضية، خاضت القوات المسلحة الأردنية–الجيش العربي حربا شرسة ضد تجار المخدرات، وأحبطت إدخال كميات كبيرة منها بعمليات نوعية كانت معدة لتهريبها إلى دول الجوار عن طريق الأردن، ولطالما أعربت عمّان عن انزعاجها من استمرار عمليات تهريب السلاح والمخدرات، التي أخذت منحى جديدا ومتطورا خلال الفترة الماضية من خلال استخدام الطائرات المُسيّرة على خط عصابات التهريب مع محاولة إدخال مواد متفجرة من سوريا.
وبعد سقوط النظام السوري، أعرب رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان عن تطلع الأردن إلى مرحلة جديدة لسوريا، تتيح لها تجاوز ما مرّت به من عنف وصراعات، وما نتج عن ذلك من انتشار المخدرات والميليشيات، التي امتدت آثارها إلى الأردن والمنطقة.
هذه الجرائم، التي لطالما جرى تسهيلها من قبل النظام السوري السابق عبر (الفرقة الرابعة) التابعة للجيش السوري، بقيادة ماهر الأسد، كانت تشكل تهديدًا إقليميًا متفاقمًا، إذ استمر الأردن في هذه المواجهة حتى اليوم الأخير من حكم النظام السوري السابق، ومع سقوط الأسد، ظهرت إلى العلن مقاطع “فيديو” بثتها المعارضة السورية، تكشف عن كميات هائلة من المخدرات التي كانت مخبأة في أماكن تابعة للنظام السابق. أظهرت هذه “الفيديوهات” عمليات ضبط وإحراق شحنات ضخمة من “الكبتاجون” وغيرها من المواد المخدرة، عُثر عليها داخل (مطار المزة العسكري) الذي كان يُستخدم كمركز رئيس للتخزين والتوزيع، بالإضافة إلى “فيلات” وقصور فاخرة تعود لمسؤولين بارزين في النظام.
هذه الاكتشافات لم تكن مفاجئة للأردن أو للمجتمع الدولي، الذي طالما اتهم النظام السوري بالتورط في تجارة المخدرات لدعم اقتصاده المنهار وتمويل ميليشياته، ومع سيطرة المعارضة على هذه المواقع، بدأ يتضح حجم العمليات الضخمة التي كانت تُدار تحت إشراف مباشر من (الفرقة الرابعة).
جمهورية “الكبتاجون”
وفقًا للتقارير، فإن “الكبتاجون”، المعروف بـ “كوكايين الفقراء”، بات يحتل مكانة كبيرة في سوق المخدرات العالمية، إذ تشير التقارير إلى أن سوريا تنتج حوالي 80% من إنتاج “الكبتاجون” العالمي.
كما تشير التقارير إلى أن الأردن ضبط أكثر من 65 مليون قرص “كبتاجون” عام 2022، وتقدر القيمة الإجمالية لهذه الشحنات المضبوطة بنحو ملياري دولار، مما يكشف حجم هذه التجارة.
تُدار تجارة المخدرات هذه بشكل مباشر من قِبل النظام السوري، إذ توفر دخلًا سنويًا يقدر بنحو 5.6 مليارات دولار، ما يجعلها أكبر مصدر تمويل للنظام ومليشياته، خاصة مع استمرار العقوبات الدولية التي كانت تعيق مصادر الإيرادات التقليدية. علاوة على ذلك، يُستغل السكان المحليون في المناطق الحدودية، الذين يعانون من أوضاع معيشية متردية، في أعمال التهريب، فبالرغم من أن دخل المواطن السوري الشهري لا يتجاوز 25 دولارًا، يمكن أن يحقق دخلًا يصل إلى 10 آلاف دولار من عملية تهريب واحدة، مما يغري العديدين بالمشاركة في هذه الأنشطة الخطرة.
في مارس 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات بارزة قريبة من النظام السوري، بما في ذلك اثنان من أبناء عم الرئيس الأسد وعدد من رجال الأعمال اللبنانيين المتورطين في تصنيع “الكبتاجون” وتهريبه، وفي مايو من العام نفسه، شهدت القمة العربية في جدة عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الساحة السياسية الإقليمية، ومع ذلك، ورغم تعهدات سوريا بوقف تصنيع المخدرات، لم تشهد الحدود أي تحسن يُذكر.
تهديدات تتطلب حلولًا شاملة
والآن مع تغير النظام السوري، فإن السيطرة على حدود تمتد لأكثر من 375 كيلو مترًا لن تكون مهمة سهلة لأي جهة جديدة تتولى السلطة، خاصة مع ضعف البنية الأمنية في الداخل السوري، لذا يبقى السؤال حول قدرة المعارضة على كبح جماح هذه التجارة القاتلة.
الأردن الذي ظل لسنوات طويلة خط الدفاع الأول في مواجهة تدفق المخدرات إلى المنطقة، يترقب بحذر إلى ما ستؤول إليه الأمور، فاستمرار عمليات التهريب يعني أن التحدي لم ينتهِ بسقوط النظام، بل ربما تتفاقم الفوضى إذا لم تتمكن الجهات المسيطرة الجديدة من فرض سيطرتها على المناطق الحدودية وتنظيفها من شبكات الجريمة المنظمة، لتتحول إلى مناطق عبور مهمتها فقط تأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.