هل حقا يريد الغرب سوريا مستقرة؟
زحمة من التصريحات الغربية بخصوص سوريا، تدعو حقيقة إلى القلق، وتثير تساؤلات بشأن النيات الأمريكية والأوروبية، وماذا يريدون من سوريا والقيادة الجديدة للبلاد، التي لم يمض على وجودها سوى أيام معدودة بعد سقوط بشار الأسد؟
ففي الوقت الذي توغلت فيه إسرائيل في المنطقة العازلة بين فلسطين المحتلة وسوريا، وقامت بعمليات قصف داخل الأراضي السورية، ودمرت ما بين 70% و80% من القدرات العسكرية السورية، أعلنت الولايات المتحدة تأييدها لهذا الاعتداء، وعَدَّته دفاعا إسرائيليا عن النفس في مواجهة الأخطار التي تهدد أمنها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل غادر لبنان محور المقاومة بشكل كامل؟
الكلمة والسيف
لا إعمار أو مقاومة.. الهدنة تقترب في غزة والسلام يبتعد!
أما بالنسبة لدول أوروبا، فلم يتحدث أحد بأن القصف الإسرائيلي يمثل اعتداء مباشرا على دولة ذات سيادة، وأن تدمير مقدّرات الشعب السوري عمل غير شرعي.
فرض وصاية وإملاءات
ومن ناحية أخرى، كان مثيرا للاهتمام ما صرَّح به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، من أن الوضع في سوريا يمثل مجموعة من الأخطار “بما في ذلك احتمال حدوث انقسام في تلك الدولة”، وهنا لا بد من السؤال: هل هذا الانقسام المحتمل الذي تحدَّث عنه سوليفان بناء على معلومات ميدانية أم رغبات تود الإدارة الأمريكية لو أنها تتحقق؟
وأضاف سوليفان أن الفراغ في السلطة قد يفسح المجال أمام نمو جماعات إرهابية، وذكر أن السلطة الجديدة في دمشق قد تكون معادية لجيرانها، بما في ذلك إسرائيل. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب، عقب اجتماع مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كان لافتا للنظر أن المواقف الأمريكية والأوروبية اتجاه سوريا وقيادتها الجديدة تشير إلى أن هناك شروطا ولوائح غربية لدعم الانتقال السلمي والسياسي في البلاد، وهو ما يمثل نوعا من فرض الوصاية والإملاءات، ويُعَد استفزازا في التعامل من قِبل واشنطن وعواصم أوروبية.
يُظهر توالي التصريحات الغربية أن لديهم رؤية وتصورا لمسار التحولات في سوريا الجديدة، بل قد يكون لديهم من يريدون فرضهم على المشهد السوري.
محددات الموقف الأمريكي من سوريا الجديدة
لكن السؤال الذي يطرحه هذا الاهتمام الأمريكي والأوروبي الكبير بسوريا، هو: هل يقف وراء هذا الاهتمام حسابات قد تكون غير متوافقة وتتصادم مع ما يريده السوريون؟
من الجدير بالذكر أن موقف الولايات المتحدة وإسرائيل على الخط نفسه فيما يتعلق بسوريا ووصول المعارضة إلى السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ويمكن إجمال أهداف التوجهات الأمريكية في مرحلة سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في نقاط أهمها: ضمان أمن إسرائيل ومصالحها وحماية المصالح الأمريكية، وهذا هو المحدد الأهم لمدى الانخراط الأمريكي في ترتيبات سوريا الجديدة بعد نظام الأسد.
كذلك تهدف أمريكا إلى الحد من النفوذ الروسي وحرمان روسيا من الوصول إلى المياه الدافئة عبر الشواطئ السورية على البحر المتوسط، مما يعمق من استنزاف روسيا، ويحد من تعزيز مكانتها على الساحة العالمية.
ومن ناحية أخرى، يُعَد تقليص النفوذ الإيراني والعلاقة مع حزب الله أحد المحددات المهمة للموقف الأمريكي، علما بأن النخبة الأمريكية ترى أن انتهاء سوريا كممر آمن بين إيران وحزب الله يمثل نجاحا كبيرا للولايات المتحدة وإسرائيل، ويجب تعميق ذلك. كما يُنظر إلى سقوط نظام الأسد ووصول المعارضة إلى الحكم على أنه أكبر تغيير استراتيجي في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، فبعد أن كانت سوريا حليفا مقربا لإيران، تحولت إلى عدو محتمل بعد سقوط بشار الأسد.
ويضاف إلى ما سبق، منع عودة تنظيم داعش، وألا تكون سوريا ملاذا آمنا له.
سوريا بين تأثيرات الداخل والخارج
بالنظر إلى المشهد السوري الآن، تعيش البلاد حالة من السيولة والضعف وانعدام الوزن، وهذا ما ينبغي أن تعمل القيادة الجديدة على الخروج منه سريعا، وأن يساعد على ذلك المجتمع الدولي إن كان صادقا في رغبته أن يرى سوريا مستقرة.
في سوريا تأثير الخارج لا يقل أهمية عن تأثير الداخل، فإذا كان تأثير الداخل يتحدد في هيئة تحرير الشام والفصائل المشاركة معها وغيرها من أطراف أخرى، فإن تأثير الخارج يتحدد في الدول صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا، وأبرزها بطبيعة الحال تركيا الجارة الإقليمية والولايات المتحدة القوة الدولية الكبرى.
حتى الآن يتلخص موقف واشنطن من القيادة السورية الجديدة في اعتبار أنهم إن لم يكونوا معادين، لكنهم في الوقت نفسه ليسوا أصدقاء للولايات المتحدة.
منذ اللحظة الأولى تحاول القيادة السورية الجديدة من خلال تصرفاتها على أرض الواقع أن تثبت أنها عامل استقرار في المنطقة، ولذلك فإن المنطق يقتضي ألا تمارَس ضغوط على هذه القيادة، بل يجب مساعدتها دوليا وإقليميا لعودة سوريا والحياة فيها إلى المسار الطبيعي.
أثبتت القيادة السورية الجديدة خلال أيام قليلة من توليها السلطة أنها تتمتع بنضج واحترافية في إدارة المرحلة التي تمر بها البلاد، مقارنة بما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بعد سقوط صدام، الذي تحوَّل بسبب إدارة واشنطن الفاشلة لمرحلة التحول السياسي إلى بلد قائم على المحاصصة والتقسيم الطائفي للسلطة، ووصل إلى ما هو عليه الآن.
ومما يثير الانتباه أن هناك محاولات أمريكية غربية للتدخل الكثيف لرسم المسار في سوريا الجديدة، كما أن هناك قلقا مبالغا فيه ومقصود أن يكون هكذا.
فهل تريد أمريكا والغرب عبر الرسائل الكثيفة المتتالية والنصائح بشأن النظام السياسي أن تصبح سوريا مثل العراق، رغم الاختلاف التام في النسب السكانية؟
من خلال رصد التصريحات الغربية، وما يصدره الإعلام ويركز عليه من الحديث عن الانقسامات والتحذير من ظهور داعش من جديد، والتخوف من أن تتحول سوريا إلى عراق آخر، يبدو واضحا التهويل ومحاولة التخويف وخلق ذرائع للتدخل في سوريا.
على أرض الواقع تكاد داعش تتلاشى، وإن كان لها وجود فقد تقوضت قدرتها على القيام بأي عمليات، ولكن يبدو أن هناك محاولات أمريكية غربية لاستدعاء عصا داعش إلى المشهد من جديد.
أما ما يخص الانقسام الذي تحذر منه الإدارة الأمريكية ويدندن عليه الأوروبيون، فإن الفصائل لم تُبدِ أي انقسام يُذكَر، ولذلك يبدو الحديث عن الانقسام وكأنه محاولة لخلق هذا الانقسام وإثارته.
إن مدى قدرة القيادة السورية الجديدة على إدارة التفاعلات مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة والمعنية بالملف السوري ستحدد مستقبل البلاد، وهو ما يعني أن الوصول إلى مرحلة سوريا المستقرة سيتطلب مواجهة التحديات عبر اعتماد رؤية متكاملة، توازن بين بناء الدولة والوقوف في وجه الطموحات والأطماع الخارجية وخاصة الإسرائيلية.
إن سوريا الضعيفة والمجزأة وغير المستقرة والعاجزة عن النهوض لعشرات السنين هي مطلب أمريكي إسرائيلي، والوقوف في وجه ذلك كله سيعتمد في نهاية المطاف على الشعب السوري.