السوريون في ألمانيا: من مخاوف الترحيل إلى دعوات البقاء!

احتقال السوريين بسقوط نظام الأسد (الأناضول)

فجأة ودون سابق إنذار، صدرت تصريحات غير مسبوقة من الساسة الألمان بشأن اللاجئين السوريين، بعيدًا عن أجواء المزايدات الانتخابية المعتادة. فقد جاء سقوط نظام الأسد ليعيد ترتيب الأولويات ويدفع الساسة الألمان إلى إعلان مواقف داعمة لبقاء اللاجئين السوريين في ألمانيا، في خطوة عكست إدراكًا لمصالح ألمانيا الاقتصادية والاجتماعية.

تحول في الموقف الألماني

قبل سقوط نظام الأسد، لم يكن هذا التوجه موجودًا. فقد ظل هاجس الهجرة واللجوء يؤرق الألمان، خاصة بعد القرار التاريخي الذي اتخذته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل عام 2015، بفتح أبواب اللجوء لأسباب إنسانية، فيما عُرف حينها بـ”الهجرة الموسعة”. وكان هذا القرار قد عرّض ميركل لانتقادات حادة من اليمين المتطرف وبعض الأحزاب المحافظة، لكنها ظلت متمسكة بموقفها، مؤكدة أنها اتخذت القرار الصحيح.

اليوم، ومع تغير الظروف السياسية في سوريا، بات واضحًا أن ألمانيا لا تريد عودة اللاجئين الذين نجحوا في العمل والاندماج في المجتمع. هؤلاء اللاجئون وفي لحظة اعتراف نادرة  أصبحوا، وفق تصريحات المسؤولين الألمان، جزءًا مهمًا من الاقتصاد الألماني. المستشار الألماني أولاف شولتز طمأن السوريين، مؤكدًا أن ألمانيا لا تفكر في ترحيلهم، وأجمع الساسة الألمان، باختلاف توجهاتهم السياسية، على دعم بقاء السوريين الذين يعملون أو لديهم أطفال في المدارس الألمانية.

أهمية اللاجئين للاقتصاد الألماني

تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود مليون سوري يعيشون في ألمانيا، منهم نحو خمسة آلاف طبيب يعملون في المستشفيات الألمانية، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من العاملين في قطاع التمريض والرعاية الصحية. هذا القطاع، الذي يعاني بالفعل من نقص في الكوادر المتخصصة، يُعد اللاجئون السوريون فيه عنصرًا أساسيًا.

في هذا الخصوص أكد ممثلو الأطباء والرعاية الصحية الألمانية أن مغادرة أعداد كبيرة من الكوادر السورية ستُحدث فجوة كبيرة في نظام الرعاية الصحية، مما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة النقص في القوى العاملة بهذا القطاع الحساس.

ممثلون عن قطاع التمريض حذروا أيضًا من أن عودة السوريين إلى بلادهم ستؤدي إلى تفاقم النقص في الكوادر المتخصصة في رعاية كبار السن. وأوضحوا أن السوريين العاملين في هذا القطاع يشكلون ركيزة أساسية، وأي فقدان لهم سيشكل ضربة قاسية لنظام الرعاية في ألمانيا.

في الوقت نفسه، كانت  نائبة رئيس الكتلة البرلمانية الألمانية قد دعت إلى إعداد خطة لعودة اللاجئين بشكل طوعي، مطالبة بتقديم دعم مالي للراغبين في العودة الطوعية. غير أن وزيرة الداخلية نانسي فيزر أكدت أن السوريين الذين يعملون في ألمانيا ونجحوا في الاندماج لا ينبغي ترحيلهم، متسائلة: “لماذا لا ينبغي أن يبقوا عندنا؟”. ولفتت إلى أن ألمانيا تعاني من نقص في القوى العاملة والكوادر الفنية المتخصصة.

حتى وزير الداخلية في إقليم بافاريا يواخيم هيرمن، المعروف بتشدده في قوانين اللجوء، صرّح بأن السوريين الذين اندمجوا في المجتمع ويعملون هم في “القلب”.

هذه التصريحات المتوافقة من مختلف الأطياف السياسية الألمانية تشير إلى إجماع نادر على أهمية بقاء السوريين.

التحديات القانونية والبيروقراطية

يرى خبراء الهجرة أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ليست بالأمر السهل، حتى إذا رغبت الحكومة في ذلك. فالقوانين الألمانية تضمن الحماية التلقائية تقريبًا للاجئين القادمين من مناطق النزاع. ويؤكد دانييل تيم، خبير قوانين الهجرة في جامعة كونستانز، أن النظام القانوني الحالي يستند إلى تقييم كل حالة على حدة، مما يجعل العودة الجماعية أمرًا غير واقعي. وأوضح أن البيروقراطية الألمانية الصارمة ستكون عقبة أمام أي محاولة لترحيل اللاجئين بشكل جماعي.

على المستوى الاجتماعي، يشكل اللاجئون السوريون جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الألماني. كثير من الأطفال السوريين التحقوا بالمدارس الألمانية، وأكملوا تعليمهم، بل والتحق بعضهم بالتدريب المهني. هذه الفئة من الشباب ترى ألمانيا وطنها، وتعتبر العودة إلى سوريا أمرًا غير وارد، خاصة مع غموض مستقبل الأوضاع هناك. يقول بعض الشباب السوريين الذين نشأوا في ألمانيا: “نحن ممتنون لألمانيا على الدعم الذي حصلنا عليه، ونشعر بأننا جزء من المجتمع الألماني”.

تأثير اللاجئين السوريين على المجتمع

التجارب في ألمانيا ودول أخرى أظهرت أن اللاجئين الذين يندمجون بشكل جيد في المجتمعات المضيفة يميلون إلى البقاء فيها بدلًا من العودة إلى بلادهم. هذه الحقيقة تنطبق بوضوح على السوريين في ألمانيا، خاصة أولئك الذين أسسوا حياة مستقرة، وأصبح لديهم ارتباط عاطفي بألمانيا. وعلى الرغم من أن العديد منهم لا يزال مرتبطًا عاطفيًا وأسريًا بوطنه الأم، إلا أن ألمانيا أصبحت بالنسبة لهم وطنًا ثانيًا.

هنا ينطبق المثل القائل مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد أدركت ألمانيا أهمية وجود السوريين في بلادهم، ليس فقط من الناحية الإنسانية، ولكن أيضًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.وهذا ما يشير إلى وعي جديد بأهمية اللاجئين كمورد اقتصادي واجتماعي.

وفي ظل هذا الواقع الجديد، يبدو أن مستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا بات أكثر أمانًا من أي وقت مضى. فقد أصبحت عودتهم إلى سوريا أمرًا معقدًا من الناحية القانونية، مكلفًا من الناحية الاقتصادية، ومرفوضًا من الناحية الاجتماعية. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من بقاء السوريين في ألمانيا أمرًا يخدم مصلحة الطرفين، سواء الألمان أو اللاجئين على حد سواء.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان