حزب الله وحماس في الاختبار السوري والاعتذار المنتظر
بحسابات المكسب والخسارة فيما جرى بلبنان وسوريا منذ سبتمبر/أيلول 2024 على رقعة الصراعات الإقليمية والدولية، يتقدم الرابحون: إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، والخاسرون إيران حيث انقضى الحلف الاستراتيجي المنعقد منذ بداية الثمانينيات بين حكم ولاية الفقيه (رجال الدين الشيعة) والبعث العربي القومي السوري ونظامه. وكان قد بدأ ضد البعث العربي القومي العراقي ونظامه.
كما لا يمكن إنكار الخسارة التي لحقت بالمقاومة في لبنان وفلسطين، وبخاصة حزب الله وحماس. ولذا يتكرر القول بأن “غزة أصبحت وحيدة” بلا إسناد مقاوم بالسلاح. وهو إسهام مقدر بين الرأي العام، بصرف النظر عن التقييمات المختلفة حول فاعلية جبهات الإسناد هذه، وحساباتها المعقدة.
ما بعد خسائر
اللحظة الحرجة الراهنة
لكن من الصعب الذهاب إلى أن خسائر اللحظة العربية الحرجة الحالية، وتحديدا فيما يخص مقاومة الاستعمار والصهيونية ومن أجل التحرر الوطني لفلسطين، بعيدة المدى وستدوم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟!
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية
هل فشلت أمريكا في إدارة الأزمات؟!
على الأقل يبدو الأمر كأن ربيع الحرية العربي يستأنف مساره من سوريا بتحرير الإنسان من الظلم، ومعه قدراته على البناء واللحاق بالعصر، وهو ما يفتح الباب لاسترداد الإرادة الوطنية والأرض المحتلة.
وهو تطور متوقع إلا إذا انحرف “فاتحو دمشق” بالثورة السورية، وتنكروا لنضالات أجيال شعب متعدد الطوائف والانتماءات، وأعادوا إنتاج الدكتاتورية وحكم الفرد وعبادته والفساد والزبونية (رأسمالية المحاسيب)، وإنكار حق السوريين في المواطنة بلا تمييز، وتداول السلطة سلميا، والحريات الكونية فردية وجماعية، وهذه المرة تحت رايات دين الإسلام والعقيدة والمذهب السني.
ولعل من كوارث التفكير غير العلمي العقيم عندنا هو أن نعيش أسرى ثنائيات من لا يرى إلا تحت قدميه، ويظل الاستقطاب حولها: أنظمة استبدادية فاسدة تدعي كذبا المدنية واحتكارها أو بدائل تدعي كذبا التدين واحتكاره، وتنتمي بالتفكير والسلوكيات لقرون ما قبل الديمقراطية والمواطنة والحداثة، وإن سخرت تكنولوجيا العصر المستوردة دون الأخذ بأسبابها علوما وحريات واحتراما لإنسانية البشر.
هل نتعلم
من كوارثنا؟
تعلّمُنا إخفاقاتنا الكارثية أهمية اختبار صدق الأقوال بحقيقة وواقع الأفعال، لأن عالمنا العربي مصاب بتفشي التناقض بين هذا وذاك. وأخاله داءً عضالا، يقوض أسس التفكير العلمي والعقلاني، ولا ينجو منه القوميون والناصريون ولا اليساريون ولا الليبراليون ولا الإسلاميون، ولا أتباع كانوا مع السلطة حيث تدور وتبدل أزياءها العقائدية والسياسية.
وتعلمنا أيضا ألا نقع فريسة هواجس وشكوك تستبق ما يجري على الأرض، وتتعامى عنه لحساب أحكام مسبقة تحركها الضغائن والكيد بدوافع أيديولوجية، ولمصلحة جماعات الإقصاء والاستئصال، وأخذ الناس بالشبهات والتضليل. وأيضا التربح من تلاعب كل سلطة مستبدة بضرب هذا بذاك، ثم العودة إلى ضرب ذاك بهذا.
نقد لا يأتي
من جبهة الأعداء
ما يمكن قوله الآن لمقاومي الاستعمار الصهيوني الأمريكي الحاملين للسلاح المضحين بالدم أن النقد لا يأتي كله من جبهة الأعداء.
ولعل بعض ما يمكن استخلاصه مما يجري بعد حدث “طوفان الأقصى” البطولي الكبير أن من خارج المسلمين والإسلاميين إخوة للشعب الفلسطيني في العالم والإنسانية داعمين بحق لنضاله، وأشد إخلاصا ممن يحسبون عليه بروابط الدم والعقيدة والتاريخ والثقافة عروبة وإسلاما. ونأمل أن تحين لحظة مراجعات تأخرت كثيرا لأمور عديدة، من بينها الاعتقاد بأفضلية العربي والمسلم على غير العربي والمسلم، وهذا لمجرد كونه “عربيا” أو “مسلما”.
موقفان لحزب
الله وحماس
خلال الأيام القليلة الماضية تابعت بانتباه ردود حزب الله وحماس إزاء سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول. وفي بيان صدر عن الحزب بعد ذلك بثلاثة أيام، ورد التأكيد على “حق الشعب السوري في اختيار قيادته وحكمه ودستوره” مع إدانة للعدوان الإسرائيلي على سوريا.
وفي كلمة لنعيم قاسم الأمين العام للحزب في 14 ديسمبر، وبالعودة إلى موقع “المنار” أيضا، جاءت المعاني ذاتها، مع اعتراف بخسارة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، وأمل في عودته في ظل نظام جديد، وطمأنة بأن المقاومة أمامها خيارات أخرى لتأمين احتياجاتها.
لكن لا اعتذار في البيان ولا الكلمة للشعبين السوري واللبناني، وبالأخص عن كارثة المشاركة في إطالة معاناة السوريين، ومساندة نظام الأسد بالسلاح والمقاتلين، وإهدار دماء أبناء الحزب وقرى الجنوب اللبناني التي كانت تتدفق إليها جثامين أبنائها العائدين من حرب خاضها الحزب في الجانب الخطأ.
وفي غياب الاعتذار ما يتناقض مع ما جاء في كلمة قاسم ذاتها: “على القوى الحية أن تعيد مراجعة حساباتها وطرق عملها وقراءة هذا التطور الكبير بالمنطقة”.
أما حركة حماس فسارعت قيادتها بعد سقوط نظام الأسد إلى تهنئة الشعب السوري على “تحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة”. ودعا بيان الحركة في 10 ديسمبر الشعب السوري بـ”كل مكوناته إلى توحيد الصفوف والتلاحم الوطني”.
ثم أصدرت تصريحا صحفيا في 12 ديسمبر يدين توغل الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا، وقصفه الهمجي واستهدافه مقدرات شعبها.
وكانت حماس في الأصل أكثر استقلالية مقارنة بحزب الله اتجاه نظام الأسد، وقد دفعت ثمن عدم سكوتها على تزايد معاناة اللاجئين الفلسطينيين من بطش نظامه بعد اندلاع الثورة 2011، كما أيدتها مبكرا، وأغلقت مكاتبها بدمشق 2012. والمعلوم أن نظام الأسد الأب فالابن ظل يسعى لمصادرة القرار الفلسطيني لحسابه، ولو باستخدام العنف والقوة والمذابح؛ مما أحدث توترات بفصائل فلسطينية وازنة منذ السبعينيات.
مراجعة الأخطاء والخطايا
أظن أنه ليس من الإخلاص للمقاومة والمقاومين في مواجهة الاستعمار الصهيوني الأمريكي وفي غضون هذه المرحلة من طغيانه وتوحشه، استبعاد ضرورة المراجعة للاستراتيجيات والسياسات، والاعتذار عن الأخطاء والخطايا، وإدراك حقائق التحالفات ومحدداتها، فضلا عن كارثية ذهنية تغطي أخطاء القيادة بتبرير الإخفاقات والهزائم بالمؤامرات الخارجية وحدها.
لذا فاعتذار حزب الله للشعبين السوري واللبناني واجب ومطلوب، مع تقدير دوره في القضية الفلسطينية، والذود عن لبنان بلا جيش يملك قدرات مواجهة عدوان إسرائيل وأطماعها.
وفي انتظار مراجعة واعتذار نأملها قريبا، وإلا أعاد المقاومون من منطلقات إسلامية، الذين تصدروا الكفاح المسلح ضد الصهيونية منذ الثمانينيات، أخطاء نظم وحركات توصف بأنها قومية عروبية تقدمية، ألحقت بنا هزيمة يونيو/حزيران 1967، ثم تراجعت عن تحرير كامل فلسطين، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية وفتح.
النظر من ثقب
باب موصد
في المقابل، ينبغي الانتباه إلى خطأ ومخاطر النظر إلى كل من “حزب الله” و”حماس” من ثقب أبواب الأيديولوجيا والطائفية المؤصدة وحواجزها، والتوقف بالزمان عند لحظة التأسيس، أو داخل جدران حدث واحد، وتجاهل ما تحدثه التطورات والخبرات والتفاعلات في هذين التنظيمين من تغيير وتحولات.
فهل يصح مثلا القول بأن “حماس” اليوم هي “الإخوان المسلمون” بغزة قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى وإعلان تأسيسها 1987؟ ألسنا بحاجة إلى تطبيق نفس المنهج في فهم “حزب الله” وسياساته؟ وما الذي جرى للحزب، وطرأ عليه من إيجابيات وسلبيات، وارتكابه من أخطاء داخل لبنان وخارجه على مدى نحو 40 عاما منذ نشأته بعد غزو إسرائيل للبنان 1982؟
إذا أردنا إعلاء العقل والنقد لتجنب تكرار الأخطاء والانكسارات والهزائم، التي تتجاوز في آثارها من قاد إليها، فمن الواجب نقد سياسات وممارسات “حزب الله” الخاطئة وكافة التنظيمات المقاومة وقيادتها، من خارج جبهة أعداء المقاومة وحرية الإنسان والمواطنة والتحرر الوطني.
وهذا هو واجب الوقت.