خمسة أسئلة مصيرية ترسم ملامح سوريا القادمة
بداية من المهم في هذا المقال تأكيد أن من لا يستطيع الفرح بشكل مفرط بسبب مخاوفه من القادم ليس بالضرورة أن يكون مدافعًا عن بشار الأسد أو نظامه، كما أن من يعبّر عن فرحه الكبير بسقوط الطاغية ليس بالضرورة غافلًا عن التحديات والمخاطر التي تواجه المرحلة المقبلة. فهذه اللحظة التاريخية تحمل في طياتها فرصة نادرة للتغيير، لكنها في الوقت ذاته تُلقي بظلال من القلق والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات واضحة لضمان عبور آمن نحو مستقبل سوريا واستقرارها. ورغم ذلك نقول، لا يوجد شخص حر في العالم لم يعبّر عن سعادته بسقوط هذا النظام الذي كشف أن سوريا لم تكن سوى سجن كبير، وأن الثورة كانت استعصاءً من أجل الحرية والخروج من قيود القمع والظلم.
أسئلة الوقت
إن الثامن من ديسمبر ما هو إلا لحظة فارقة في تاريخ سوريا والمنطقة بأكملها. هذه اللحظة، على الرغم من أهميتها، تفتح الباب أمام شهية المراقبين لتساؤلات شائكة ومعقدة تلقي بظلالها على مستقبل البلاد سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، واجتماعيًا. والاحتفال والسرور بهذه النهاية لنظام الأسد، الذي لم يتوقع أحد أن يسقط بهذه السرعة، لا يمكن أن يكتمل دون الإجابة على هذه الأسئلة المصيرية التي تعكس هشاشة الوضع الحالي وتحدياته.
ما موقف النظام الجديد في سوريا من القضية الفلسطينية؟ كيف سيتم التعامل مع التنظيمات الفلسطينية المسلحة المنتشرة في سوريا؟ وهل سيُسمح لحركة حماس بالعودة الفاعلة إلى الساحة السورية؟ الأهم من ذلك، هل سيقف النظام الجديد ضد التطبيع مع إسرائيل، أم سيتخذ نهجًا مهادنًا يفضي إلى مقايضة الجولان؟ وكيف ستكون العلاقة مع اللاجئين الفلسطينيين؟ هذه الأسئلة لا تتعلق فقط بمواقف سياسية، بل تمتد لتشمل مكانة سوريا في الصراع الإقليمي ومصداقيتها في دعم القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل غادر لبنان محور المقاومة بشكل كامل؟
الكلمة والسيف
لا إعمار أو مقاومة.. الهدنة تقترب في غزة والسلام يبتعد!
ما مصير الكيان الكردي في شمال سوريا؟ هل ستؤدي النزعات الاستقلالية إلى صراع دموي مع تركيا، أم ستتمكن سوريا الجديدة من إدارة هذا الملف بتوازن يحفظ حقوق الأكراد ويجنب البلاد الانقسامات؟ وما هو الموقف من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خاصة في ظل التوتر مع القوى الإسلامية المدعومة تركيًّا؟ وهل يمكن تحقيق توافق سياسي يحفظ وحدة الأراضي السورية ويعزز الاستقرار؟
كيف سيتم تحديد طبيعة النظام السياسي؟ هل سيكون إسلاميًّا، أم علمانيًّا، أم مزيجًا يقبل التنوع؟ المعارضة السورية مليئة بالتناقضات، من الجيش الحر إلى جبهة تحرير الشام و”قسد”، وهو ما يثير المخاوف من أن تتحول الخلافات السياسية إلى صراعات عسكرية. فهل سيكون النظام الجديد قادرًا على تحقيق توافق يعكس تنوع المجتمع السوري دون الانزلاق نحو الفوضى؟ وما هو الدور المتوقع للمجتمع المدني في بناء مؤسسات الدولة؟
ما انعكاسات التغيير على علاقات سوريا الجديدة الإقليمية والدولية؟ هل ستبقى سوريا حليفة لحزب الله وإيران، أم ستفك ارتباطها بهما؟ وهل ستشهد البلاد استبدال النفوذ الروسي بتدخل غربي مباشر أو غير مباشر؟ وكيف يمكن لسوريا أن تعيد بناء علاقاتها مع الدول العربية ولا سيما دول الجوار وأقصد لبنان والأردن والعراق، بشكل يُسهم في دعم استقرارها؟ فمصير التحالفات العسكرية والاقتصادية سيشكل عاملًا حاسمًا في تحديد توجهات سوريا المستقبلية، إذ ستُظهر تلك التحالفات مدى قدرة سوريا على إعادة تشكيل موقعها الجيوسياسي ضمن خريطة القوى الإقليمية والدولية. سيكون على النظام الجديد اتخاذ قرارات استراتيجية حول طبيعة العلاقات مع القوى المؤثرة، سواء عبر الاستمرار في الشراكات القديمة أو الانفتاح على تحالفات جديدة تضمن تحقيق التوازن بين مصالح البلاد والسيادة الوطنية.
اقتصاديًّا، ورغم أن إعادة بناء البنية التحتية تُعد تحديًا كبيرًا في حد ذاتها، فإن المهمة الأعمق والأعقد تكمن في إعادة ترميم رأس المال البشري والاجتماعي لسوريا. هنا يُطرح السؤال: كيف يمكن لسوريا أن تتعافى اقتصاديًّا؟ فالاقتصاد السوري بلا شك يحتاج إلى نهضة شاملة، لكن تحقيقها يثير العديد من التساؤلات: هل ستأتي هذه النهضة من خلال دعم عربي وغربي مشروط سياسيًّا، أم سيتجه النظام الجديد نحو دول البريكس كما فعلت إيران؟ كيف سيتمكن من تحقيق التوازن بين الاعتماد على الدعم الخارجي والحفاظ على السيادة الوطنية؟
إضافة إلى ذلك، ما هي الخطط الاستراتيجية التي يجب اعتمادها لإعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي؟ وما الدور الذي يمكن أن يضطلع به المغتربون السوريون في دعم هذه الجهود؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد ملامح الطريق نحو تعافي سوريا وبناء مستقبل مستدام لاقتصادها وشعبها.
ما هو الدور المنتظر للإعلام والتعليم؟ هل سيتبنى النظام الجديد سياسات إعلامية وتعليمية داعمة للتعددية والانفتاح؟ أم ستكون هناك نزعة أيديولوجية متشددة تُعيد إنتاج التجارب أو النماذج السلطوية؟ وكيف يمكن لقطاع التعليم أن يكون ركيزة لبناء الهوية الوطنية وتجاوز الانقسامات المجتمعية؟ وما هي الآليات التي ستعتمد لتعزيز ثقافة الحوار والمواطنة؟
ما مستقبل العدالة الانتقالية؟ كيف سيتم التعامل مع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال فترة الحرب؟ هل ستُعتمد آليات للمصالحة الوطنية، أم ستشهد البلاد موجة جديدة من الانتقام والتصفية؟ وما هو دور المؤسسات القانونية في ضمان العدالة وبناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري؟
ما مدى استعداد المجتمع الدولي لدعم سوريا الجديدة؟ هل ستبقى القوى الكبرى متفرجة أم ستؤدّي دورًا فاعلًا في دعم الاستقرار؟ وكيف يمكن للنظام الجديد أن يوازن بين تحقيق مصالحه الوطنية والحفاظ على علاقات متوازنة مع هذه القوى؟
ملامح سوريا الجديدة
الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد ملامح سوريا الجديدة. التحدي الأساسي يكمن في بناء نظام سياسي يوازن بين العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والسيادة الوطنية، مع القدرة على تجاوز الإرث الثقيل للنظام السابق والابتعاد عن التبعية أو الفوضى.
الثامن من ديسمبر سيبقى بداية مرحلة جديدة لا تقتصر على الجانب السياسي، بل تمتد إلى إعادة بناء سوريا التي أنهكتها ثلاثة عشر عامًا من الصراعات والأزمات وأكثر من خمس عشريات من الفساد المستشري. هذه السنوات لم تترك البلاد فقط تحت وطأة عقوبات أميركية وأوروبية قاسية، بل دفعتها إلى حالة من الموت السريري اقتصاديًّا؛ مما أعادها عقودًا إلى الوراء على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وأدى إلى تآكل الناتج المحلي الإجمالي الذي قد يحتاج إحياؤه إلى عقود من الزمن.
إن اللحظة الراهنة تحمل فرصة لإعادة تشكيل مستقبل سوريا، لكنها في الوقت ذاته تُحمّل جميع المكونات السورية مسؤولية تاريخية للتغلب على الخلافات وتحقيق توافق وطني يُعيد الأمل إلى شعب عانى كثيرًا، ويؤسس لمرحلة جديدة قائمة على الاستقرار والتنمية المستدامة. فهل هم فاعلون؟