النقابات المصرية.. طريق نحو الديمقراطية

مبنى نقابة الصحفيين المصريين (منصات التواصل)

في تاريخ النضال النقابي في مصر ما يتجاوز المهني ليصل إلى المجتمعي.

بحراك حفل بالنضال، تراوحت مسارات النقابات المهنية المصرية بين كفاح ارتبط بالمهن التي تدافع عنها، وقضايا المجتمع الكبرى.

من النقابات انطلقت وترسخت أفكار الدفاع عن الحرية والعدل الاجتماعي ودولة القانون.

طبقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن أكثر من ثمانية ملايين مصري حصلوا على عضوية النقابات المهنية حتى نهاية عام 2021، وهو رقم ليس هينًا، بما يجعلها كيانات مهمة وذات تأثير حيوي وكبير.

بتوصيات مهمة صدرت عن المؤتمر السادس للصحفيين الذي نظمته النقابة المصرية واختُتمت فعالياته منذ أيام، تتضح بجلاء الأدوار التي تؤديها النقابات وتتنوع ما بين المهني والمجتمعي، وتكشف بوضوح عن محاولات هذه النقابات الحفاظ على هامش حر في مجال عام مغلق “بالضبة والمفتاح” منذ أكثر من سبع سنوات.

من التاريخ إلى الحاضر تنوعت المعارك النقابية التي صبت في مجرى الحرية والدولة الديمقراطية، وكانت نقابتا الصحفيين والمحامين هما العنوان الأبرز لنضال وطني مهم.

نقابة الصحفيين ومعارك الحرية

بدعوته إلى الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين وتبييض السجون من المحبوسين في قضايا النشر والرأي والتعبير، واصل مؤتمر الصحفيين المهم الدور التاريخي الذي أدته النقابة العريقة على مدى تاريخها الكبير في الدفاع عن الحريات العامة، فلم تقف التوصيات عند حدود الدعوة إلى حرية الصحافة بل تجاوزته إلى الدعوة لتحرير كل من يمارس “حرية الرأي والتعبير”، كمعنى أوسع وأشمل، لتكون النقابة صوتًا لكل أصحاب الرأي والفكر الذين يتعرضون للملاحقة والتضييق، وليصل شعاع الضوء الصادر عن نقابة الحريات إلى المجتمع بأكمله.

بإدراك ذكي لتأثيرها في المجتمع كله، أوصت النقابة في مؤتمرها بإتاحة “تداول المعلومات” وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، والتطبيق الكامل والأمين للضمانات الدستورية التي تكفل حرية الممارسة الصحفية في إطار شامل لحرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والصحافة والطباعة.

في تاريخ النقابة العريقة معارك شتى دفاعًا عن الشعب، وتمسكًا بحرية الصحافة، وبالحق في التعبير والاعتقاد والإبداع دون مضايقات من أي نوع.

في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، احتجت النقابة مسلحة بأعضاء جمعيتها العمومية على محاولات تنشد تحويلها إلى نادٍ اجتماعي!

رفض الصحفيون التقليل من شأن نقابتهم، وأدركوا أن دورها في الحياة العامة يزعج السلطة ويستنفر مشاعر الاستبداد بداخلها.

دخلت نقابة الصحفيين معركة كبرى مع السادات على هامش رفضها لكل دعوات التطبيع مع الكيان المحتل، وما زالت جمعيتها العمومية تتمسك بهذا الرفض المطلق، وتحيل مجالسها المنتخبة كل من يمارس التطبيع المهني أو الشخصي إلى التأديب النقابي.

بإحساس وطني يدرك تأثيرها الكبير في الضمير الجمعي، تعمل النقابة وتتحرك وسط هوامش ضيقة وقيود كبيرة.

في عام 1995، كانت نقابة الصحفيين على موعد مع معركة جديدة مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

انعقدت جمعيتها العمومية، ورفضت بشكل حاسم القانون 93 لسنة 1995 الذي حاولت السلطة عن طريقه إدخال النقابة والصحافة إلى بيت الطاعة، سمّاه الصحفيون قانون حماية الفساد، هددوا بالإضراب عن العمل، لوَّح مجلس نقابة الصحفيين وقتها بالاستقالة، وظلت الجمعية العمومية منعقدة مدة عام كامل حتى استجابت السلطة وألغت التشريع الكارثي، واستبدلت به آخر شارك مجلس نقابة الصحفيين في مناقشته حتى صدر في عام 1996.

في قضايا الحرية حضرت النقابة العريقة، لم تختف عن المشهد قط رغم محاولات التغييب، بل لم يغب عن عقل مجالسها المتعاقبة أن الاشتباك مع كل صور القيود والحصار يصب في نهاية المطاف في خدمة المجتمع، ثم في تطور وازدهار وتأثير الصحافة ذاتها.

في مجال عام حر ومفتوح ومتنوع تعيش الصحافة، وإلا واجهت الموت والاندثار.

نقابة المحامين ودولة القانون

في عام 2021، بدت نقابة المحامين وكأنها تحاول استرداد عافيتها وتأثيرها وقت أن بدأ عدد من شبابها حملة “الحرية للروب الأسود”.

كانت الحملة الشابة تحتج على إلقاء القبض على عشرات المحامين طوال السنوات الفائتة في قضايا ترتبط بالحق في حرية الرأي والتعبير.

لم تنجُ النقابة العريقة من القيود التي حاصرت المجال العام طوال أكثر من سبع سنوات، وهي التي خاضت المعارك حماية للحرية ودولة القانون.

في منتصف العام الحالي، بدا مشهد اجتماع نقابتي الصحفيين والمحامين رفضًا لنصوص قانون الإجراءات الجنائية الجديد لافتًا وجديدًا.

أدركت نقابة المحامين أن مشروع القانون الذي يناقشه مجلس النواب ينال من مهنة المحاماة ويقلص من ضمانات المحاكمة العادلة، فوقفت للمرة الأولى منذ سنوات ترفض وتحتج.

تاريخيًّا كانت النقابة جزءًا مهمًّا من مؤسسات الدفاع عن دولة القانون والحرية، وأدّت لجنة الحريات بها دورًا مهمًّا في الدفاع عن كل أصحاب الرأي، وترأس نقيب المحامين -أيًّا كان اسمه- على مدى سنوات هيئات الدفاع عن كل المثقفين والسياسيين والكتّاب والمبدعين، واشتبكت النقابة مع كل التشريعات التي تخالف الدستور أو تحاول فرض القيود على المجال العام، أو تلك التي توسع من صلاحيات السلطة في مواجهة المجتمع.

في تاريخ نقابة المحامين معارك متنوعة من أجل المجتمع، كان أهمها الصدام الشهير بين النقابة ونقيبها الراحل أحمد الخواجة والرئيس أنور السادات على خلفية رفض المحامين للتطبيع مع الاحتلال وحظره بكل أشكاله.

رفضت النقابة اتفاقية كامب ديفيد ودعت إلى مواجهتها، ووصل الصدام إلى ذروته بقرار من السلطة بحل مجلس نقابة المحامين عام 1981.

على درب الدفاع عن دولة القانون، كان النقيب أحمد الخواجة واحدًا من دعاة إنشاء المحكمة الدستورية العليا لتكون رقيبًا على دستورية القوانين واللوائح، ولتواجه كل انفلات يصدر عن السلطة السياسية لترسيخ الاستبداد.

النقابات المهنية والتحول الديمقراطي

بما تملكه من تاريخ كبير في مجال الدفاع عن الحريات وسيادة القانون، تبدو النقابات المهنية في مصر لاعبًا رئيسيًّا في كل بناء منشود نحو الدولة المدنية الديمقراطية.

وهي بما يملكه أعضاؤها من تدريب مهم على الديمقراطية -اكتسبوه بممارسة الانتخابات الداخلية بشكل دوري- لديها أساس صلب للمساعدة في ترسيخ مفاهيم الحرية والتنوع واحترام صناديق الانتخابات.

خلال سنوات طويلة كانت انتخابات النقابات المهنية هي الأكثر نزاهة وشفافية في مصر، وتتفوق بمراحل على أي انتخابات عامة.

بدورها المهم في الدفاع عن الحريات الذي يمنحه لها الدستور، وتدركه مجالسها المنتخبة، يجب أن يظل النضال النقابي من أجل مجتمع حر مستمرًّا ومتواصلًا.

ويجب أن تدرك تلك النقابات أن كل ما تقوم به لا يصب في الفراغ، بل يراكم العمل والبناء في سبيل الدولة الديمقراطية.

بتاريخ طويل تملكه النقابات المهنية في مصر دفاعًا عن حرية المجتمع، يمكن الرهان على استمرار قيامها بمسؤوليتها رغم الحصار والقيود، وتنوع دورها بين المهني والمجتمعي.

وهو دور لو تعلمون عظيم.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان