قراءة مضطربة في زلزال سوريا الجيوسياسي الذي هز المنطقة!

سوريون في حمص يحتفلون بسقوط نظام الأسد (الفرنسية)

ما حدث في سوريا بعد انتصار المعارضة وسقوط نظام الأسد المفاجئ، هو زلزال تتجاوز آثاره إلى مستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط على وجه العموم، ولكن تبقى قراءة المشهد وتطوراته عملية مضطربة بين المغتبطين والقلقين. يرى المغتبطون ما حدث في سوريا خطوة على مسار التغيير، في الوقت الذي يتخوف فيه القلقون، الذين يرى بعضهم أن انتصار المعارضة تحقق في سياق جزء من مخطط دولي كبير، غير أنه لا يمكن لأحد في ظل تعقيدات المشهد وارتباط القضايا وتشابكات المصالح، أن يزعم أنه يحتكر الصواب، علما أن حقيقة اليوم قد لا تكون كما نراها.

زلزال جيوسياسي

سوريا الآن بعد سقوط الأسد بمثابة قوس فُتح في المنطقة، ولا يمكن التكهن أين ومتى سيُغلق، في ظل عالم مضطرب سمته الأبرز انعدام اليقين الاستراتيجي.

لم تكن سوريا في حقيقة الأمر مجرد ميدان لصراع داخلي، ولكنها كانت حلبة لتصفية حسابات قوى إقليمية ودولية، ومسرحا لحرب باردة، أدت إلى عسكرة سوريا، حتى باتت مكتظة بالقواعد والنقاط العسكرية الأجنبية، وكان ذلك من الخطايا الكبرى لنظام الأسد، الذي أتعس البلاد وكان سببا في تفتيتها بين القوى الدولية والإقليمية، لمجرد أن يستمر ويبقى ولو على جثة سوريا وشعبها.

زلزال جيوسياسي، هو الوصف الأدق لانتصار المعارضة السورية وسقوط نظام الأسد، ستكون له توابعه وارتداداته، التي ستنعكس على منطقة الشرق الأوسط، والتي تتميّز من بين مناطق العالم بتواتر الصراعات الشديدة طويلة الأمد، وفي الوقت ذاته تفتقر إلى قنوات التواصل وآليات إنهاء النزاعات.

تدلل صراعات النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا على مدى الأهمية الجيوسياسية للبلاد، إذ تعد سوريا المفتاح الثاني للهيمنة في المنطقة إلى جانب مصر. كذلك يمثل موقع سوريا وجغرافيتها ثقلا وازنا في معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

لا شك أن سقوط ديكتاتورية عائلة الأسد في سوريا أصاب كثيرين في المنطقة بالذهول، ومَثّل صدمة للجميع عربيا ودوليا، وخاصة أولئك الذين عجزوا عن كشف هشاشة هذا النظام، الذي بدا كنمر من ورق، وكريشة في مهب الريح، حيث تداعى بالكامل خلال عشرة أيام.

بين فرص التغيير وتخوفات الانزلاق نحو الأسوأ

وبقدر ما يحمل سقوط نظام الأسد الديكتاتوري من فرص واحتمالات إحداث تغيير في سوريا والمنطقة نحو الأفضل، فإنه يثير تخوفات من الانزلاق نحو الأسوأ؛ إذ تظل الإجابة عما سيأتي ضبابية، ويزيد من ضبابيتها ارتباط قضايا المنطقة، وتشابك المصالح محليا وإقليميا ودوليا، والتي يصبح معها فهم مسار الأحداث عملية مترابطة وشديدة التعقيد.

لا يمكن تجاهل القلق الذي خيم على العديد من العواصم في المنطقة جراء التهاوي السريع الذي ضرب أركان نظام الأسد، والذي كان نموذجا للقوة القمعية التي مورست في المنطقة العربية.

وعلى وجه العموم، يمكن رصد بعض الملاحظات التي عكسها المشهد إثر التهاوي السريع لنظام الأسد في سوريا.

يؤشر انتصار المعارضة السورية وسقوط نظام الأسد، إلى أن المنطقة تعتمل فيها بقوة أسباب اضطرابها، وهو ما يعني أنها ستظل على مسار عدم الاستقرار مالم تتم معالجة أسباب ذلك الاضطراب. أكد سقوط نظام الأسد مدى هشاشة الوضع الإقليمي الحالي، وأنه محل رفض من قبل القوى الثورية في المنطقة. وكشف انتصار المعارضة السورية عن معادلات قوى جديدة في الإقليم، حيث تراجعت إيران وبدا ضعفها إقليميا، في الوقت الذي صعدت فيه تركيا وتبدو مستعدة للتمدد في الفراغ الناتج عن التراجع الإيراني.
شهدت سوريا زحفا من الوفود الغربية، التي يبدو أنها تستخدم سياسة العصا والجزرة كي يتم الاعتراف بالسلطة الجديدة ودعمها، إذ حملت العديد من المطالب للسلطة الجديدة، التي تسعى لتركيعها، لكن اللافت أن هؤلاء جميعا صمتوا صمت الحملان عن مطالبة الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي السورية التي استولى عليها. في إسرائيل بدأت أصوات تعلو مطالبة بتقسيم سوريا وتحويلها إلى كانتونات، في ظل صمت دولي وضعف ردود الفعل العربية. في صحيفة “إسرائيل اليوم”، كشف تقرير أن النائب “عميت هليفي” عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن، توجه إلى نتنياهو محذرا من أن إسرائيل أمام تهديد واضح بأن تتحوّل سوريا إلى مركز إقليمي للإسلام الراديكالي ولطموحات الإمبريالية الأردوغانية”، بحسب تعبيره.

وأضاف: “لذلك من الضروري أن تعمل حكومة إسرائيل على الترويج لعقد مؤتمر دولي من أجل إعادة ترتيب الحدود الدولية داخل سوريا ومع جيرانها، لضمان أمن الدولة ولمنع إنشاء نظام نازي جديد على غرار الإسلام المتطرف”، بحسب ما جاء في التقرير.

في القمة، التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية، يوم 14 ديسمبر/كانون الأول، كشف البيان الصادر سعي الأطراف المشاركة إلى احتواء المشهد السوري وإبقائه تحت السيطرة، عبر خلق مسار سياسي منضبط، مع العمل على منع أي تحوّلات غير مرغوبة، قد تؤدي إلى اختلال التوازنات الإقليمية والدولية. وقد جاء ذلك مدفوعا بتخوفات شديدة لدى الدول الغربية وبعض الدول العربية المشاركة بخصوص تداعيات المرحلة الانتقالية، مرجعها سيطرة فصائل ذات توجهات إسلامية على السلطة في سوريا، والخشية في حالة نجاح المرحلة الانتقالية، أن تصبح التجربة السورية نموذجا مُلهما لشعوب المنطقة، يشعل مطالبات بالتغيير والإصلاح السياسي، قد تُعد تهديدًا محتملًا للنظم القائمة. في سوريا تسير السلطة في هذه المرحلة الانتقالية وسط حقول من الألغام. باستثناء دعم واضح من تركيا وقطر، تعيش سوريا مرحلة انتقالية بين متربصين للفشل في الداخل والخارج، ومن يريدون الفوضى والتقسيم، إضافة إلى هؤلاء الذين ما زلوا يواصلون حربهم ضد كل توجه سياسي إسلامي، وأولئك الذين يلوحون بورقة إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي، لأجل مآرب أبعد، قد يكون منها التطبيع مع الاحتلال. وبين هؤلاء وأولئك، يبقى الرهان على الشعب السوري الملاذ الآمن في ظل ما تعيشه سوريا والمنطقة من مخاض عسير.

ختاما

وبعيدا عن القراءات المضطربة للمشهد، فقد وضع زلزال سوريا الجيوسياسي الذي أحدثه سقوط نظام الأسد المنطقة أمام مفترق طرق، ووفر لها لحظة تاريخية تحتاج لمن يدرك قيمتها، ويزيل العقبات أمام اغتنام الفرصة التي أنتجتها دورة عجلة التاريخ.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان