يحيى القزاز.. صمود حتى النهاية

يحيى القزاز (منصات التواصل)

كنت أسمع عن الدكتور يحيى القزاز، الأستاذ الجامعي، ومواقفه القوية اتجاه نظام الرئيس المخلوع مبارك قبل أن أتقابل معه وجها لوجه، فقد كان ضمن المؤسسين لحركة 9 مارس، وحركة “كفاية”، وهذه المواقف المحترمة في معارضته للنظام، وقتها تسببت في اعتقاله أكثر من مرة.
وها هو الدكتور يحيى القزاز يرحل عن عالمنا بعد أن اتخذ مواقف قوية اعتُقل على إثرها، وخرج من المعتقل أكثر صلابة وحِدة ومعارضة حتى آخر لحظة من حياته.

حوار مع يحيى القزاز

كنت قد التقيت يحيى القزاز عام 2017؛ لإجراء حوار صحفي، وقد اتصلت به، واتفقنا على موعد، وطلبت أن يكون اللقاء في وسط البلد بالقاهرة.

جاء القزاز في موعده، وجلسنا على مقهى “عم غزال” وهو مقهى بسيط؛ ولكنه شهير لدى الصحفيين، والسياسيين، والمحامين، وغيرهم من التيارات المختلفة؛ حيث يقع في ممر بالقرب من نقابة الصحفيين.

جلسنا وبعد الترحيب، طلبنا المشروبات، وبدأت الحوار معه، وطرح الأسئلة عليه، وكان يرد بمنتهى الوضوح والصدق، وبينما أنا أطرح الأسئلة وجدنا أنوار المقهى تُطفأ، وحالة من الهرج تسود، وطالبونا بالانصراف لصدور تعليمات أمنية بإغلاق المقهى الآن.

وقمنا نتلمّس مكانا آخر، فذهبنا إلى مقهى آخر في شارع رمسيس أمام جمعية “الشبان المسلمين”؛ لاستكمال الحوار، فلاحظت في يحيى القزاز حدة شديدة مرجعها إلى البيئة الصعيدية التي نشأ فيها.

وتناول الحوار أمورا كثيرة تخص الوطن، وبعض الأسئلة الخاصة عن مواقفه مما حدث في يونيو 2013، ووقوفه مع حركة “تمرد” وتبنيها في بداية أمرها.

وقال لي “لو علمت أن (تمرد) سيتم استغلالها ما كنت شاركت فيها رغم كرهي للإخوان”، ولم ينفِ أنه ضمن المؤسسين للحركة؛ بل تبرع بنصف تكاليف مؤتمرها الأول، ولكنه تحدّى أن يثبت أحد أنه تقاضَى أموالا من أي جهة، حيث لم يعلم أن هناك جهات داخلية وخارجية تقف وراء “تمرد”، وأكد أن ما حدث في رابعة مجزرة، ويجب محاكمة من شارك فيها، وأن ما يحدث في المعتقلات غير إنساني، وأن الرئيس مرسي ظلم.

اعتقال القزاز

لم ينكر القزاز أنه من أشد الكارهين للإخوان، وأنه خرج ضدهم، وطالبهم بانتخابات رئاسية مبكرة، حتى يمكن حل أزمة الاحتقان في المجتمع، ولم يتراجع عن إيمانه بأن 30 يونيو ثورة شعبية تم استغلالها -حسب قوله- وقال: “إنه لا يخشى الإعدام، أو الاختفاء القسري”.

بعد أيام، نُشر الحوار، وفوجئت به يتصل بي محتدا رافضا جزئية في المقدمة، وضعها مسؤولو النشر في الموقع؛ حيث رفض توصيفه بأنه ضابط الاتصال في حركة “تمرد”، ورغم أن الحوار كانت فيه عناوين أخرى شديدة تؤدي به للمعتقل، فإنه أصرّ على حذف هذه الجملة، فقلت له: “سأحاول مع الإدارة” مع صعوبة التواصل معهم في هذا التوقيت الصعب الذي كنا نتحدث فيه، وبعد محاولات واتصالات تم حذف هذه الجملة.
وبعدها بأقل من أسبوع، تم القبض على القزاز بتهمة التحريض على رئيس الجمهورية، وقد خرج بكفالة 10 آلاف جنيه على ذمة القضية بقرار النيابة، وكان ذلك بسبب بلاغ تقدم به أحد المحامين، ولم تمر شهور حتى اعتُقل هو وآخرون.
وقد تختلف أو تتفق مع الدكتور يحيى القزاز؛ ولكن سوف تحترم وقوفه مع مبادئه، والدفاع عنها بشكل مستميت، وقد تستغرب حدة معارضته، وتخشى عليه، وهو في نفس الوقت لا يكترث بشيء؛ بل يقول ما يؤمن به، وما يراه في مصلحة الوطن.

القزاز يغرد خارج السرب

وبعد خروج القزاز من المعتقل لم يكسره الاعتقال؛ بل عاد يعارض بشدة وعنف، دون خوف أو وَجل، وفى منشور له على صفحته على موقع فيس بوك علقتُ عنده بتعليق لم يعجبه، وظن أنني أسخر منه، فقام بعمل حظر لي، وتمر الشهور ونلتقي في ندوة عن غزة، وما يحدث لها، حضرها الوزير الأسبق، كمال أبو عيطة، والجندي أيمن حسن، صاحب العملية الشهيرة ضد الإسرائيليين، فلما قابلته أخذني بالأحضان، فقلت له “أنت لسه زعلان مني؟”، فقال: لا إطلاقا.
وعندما تكتب عن الدكتور يحيى القزاز تكتب عن شخصية متفردة في الآراء، لا يتبع أحدا، فهو فصيل يغرّد وحده خارج السرب، حتى آخر لحظة من عمره؛ حيث قال “لست سياسيا أجيد الترويض، ولذلك لم تتم دعوتي للحوار الوطني”.
وحتى آخر لحظة من حياته كان شغله الشاغل خوفه على وطنه، وعبر عن ذلك من خلال وصية، أو ورقة عمل، أو خاطرة، كما سماها، أرسلها إلى صديق له؛ لكي يبلغها للآخرين بأن يكون هناك مؤتمر يقوم على قاعدة المواطنة، والدولة المدنية، تشارك فيه جميع مؤسسات الدولة.
وهدف المؤتمر الفضائي الذي كان يدعو إليه عبر برنامج “زووم” إلى رأب الصدع، وجبر الكسر، وترميم الخدش؛ لإنقاذ الدولة التي صارت -على حد رسالته- “في مهب الريح”.
وهكذا، كان يحيى القزاز ينشغل بالوطن وهمومه حتى آخر لحظة من حياته، ويشتبك مع السلطة، وعندما تنبهه إلى الضرر الذي من الممكن أن يقع عليه، يرد قائلا: “أنا لن أعيش العمر الذي عشته”.

وعلى الرغم من اختلافي مع القزاز في كثير من القضايا، فإنني أحترم صلابته وقوته، ودفاعه عن مبادئه، وعشقه لهذا الوطن حتى آخر لحظة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان