إنها حقا عائلة محترمة ..!
هي عائلة الدكتورة ليلى سويف أستاذة الرياضيات بكلية العلوم، جامعة القاهرة، وزوجها المحامي الراحل أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح حمد، وأبناؤها بالترتيب: علاء (المسجون منذ 11 عامًا ولم يغادر الزنازين خلالها إلا أقل من عام) وخلال فترة الحرية القصيرة كان خاضعاً للمراقبة ويمضي 12 ساعة يومياً بقسم الشرطة، وتضم العائلة ابنتين: منى، وسناء التي سُجنت مرتين.
إذا كانت هناك مسرحية تحمل اسم: (إنها حقاً عائلة محترمة)، تعود لعام 1979، بطولة فؤاد المهندس، وشويكار، وراعي العائلة المهتم بتربية أولاده بعد رحيل والدتهم يُغرم براقصة، ويسعى للزواج منها مُتخلياً عن مبادئ والتزامات وأفكار قيد نفسه بها قبل ذلك، إلا أن عائلة الدكتورة ليلى سويف محترمة حقاً، ودون نقصان، ومواقفها مُقّدَرة، وبسبب اختياراتها وانحيازاتها ونشاطاتها الوطنية والحقوقية والمجتمعية فإنها تتعرض للتعنت، والابن علاء يُواجه المحاكمات والسجون.
لماذا عدم إطلاق علاء؟
علاء في السجن حالياً، رغم أن مدة محكوميته، وهى خمس سنوات، انتهت في 29 سبتمبر الماضي، لكن السلطات ترفض احتساب فترة حبسه الاحتياطي الممتدة لعامين من العقوبة، وتعتبر تنفيذ الحكم يبدأ من 3 يناير 2022، تاريخ التصديق على الحكم، وليس منذ القبض عليه في 29 سبتمبر 2019.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسالة لصديق بغزة انقطعت أخباره
الأمان المفقود في إسرائيل!
ماذا ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
ووفقاً للقانون فإن فترة الحبس الاحتياطي تُحتسب ضمن مدة العقوبة، وهذا يعني أنه إذا لم يتم الإفراج عن علاء، ولو بعفو رئاسي، فإنه سيبقى في السجن حتى 3 يناير2027، وهناك مخاوف من تدويره في قضية جديدة فلا يغادر السجن.
ولهذا تواصل والدته (69 عاماً) الإضراب عن الطعام وأكملت 85 يوماً (يوم الاثنين 23 الجاري) لأجل إطلاق ابنها، وهناك مناشدات من داخل مصر وخارجها لاعتبار مدة سجنه انتهت وإعادته للحرية.
علاء، الحاصل على الجنسية البريطانية، أكمل 43 عاماً من عمره، قضى منهم أكثر من 10 سنوات بالسجن، وقد ترتفع الفترة إلى 12 عاماً إذا لم يتم الإفراج عنه وبقي لعامين آخرين، ليكون بذلك أمضى ما يقرب من ربع عمره خلف الأسوار، مع حرمانه من الحقوق الأساسية حسب ما قاله، لكن ظروف محبسه تغيرت للأفضل منذ إثارة عائلته لأوضاعه الصعبة بالسجن خلال مؤتمر المناخ الذي استضافته مصر عام 2022.
فخلال هذا المؤتمر تحدث بشأنه قادة الدول الكبرى؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، وحثوا القاهرة على تحسين أوضاعه، أو العفو عنه، وكان التوقع أن يصدر عفو رئاسي لصالحه، لكنه لم يحدث للآن.
والدته تواجه المخاطر بسبب إضرابها عن الطعام، واكتفائها بتناول المياه وبعض الأملاح، وترفض أن تُنهي الإضراب، فهى لا تريد أن تنكسر وتنحني إذا فكت الإضراب ولم يتم الافراج عن ابنها كما تقول، وقد حددت مطلبين: إما الافراج عن علاء، أو أن تموت طالما هناك إصرار على بقائه بالسجن.
اللين والعفو
علاء صار من أشهر سجناء الرأي، وآن له أن يستريح ويخرج من هذه الدوامة ويتجه إلى عمله وبناء مستقبله في البرمجة، نعم هناك قانون يُطبق على من يتجاوز، لكن هناك روح القانون، وهناك اللين والرحمة والعفو.
علاء من ناشطي ثورة يناير، وكذلك شقيقته منى، وشقيقته الصغرى سناء التي كانت في الـ 17 من عمرها وقت الثورة، وكانت حاضرة فيها، وأيضاً والداه؛ ليلى سويف، وأحمد سيف الإسلام، وخالته الدكتورة أهداف سويف أستاذ الأدب الإنجليزي والروائية المعروفة.
والملاحقات لم تترك علاء خلال عهد مبارك، وبعد يناير، لكن الأيام أو الأشهر التي قضاها في الحبس أثناء حكم مبارك، ثم مع المجلس العسكري، لا تُقارن بأكثر من 10 أعوام سجناً مع السلطة الحالية.
وهو كان داعماً للانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعت إليها المظاهرات وترتب عليها عزل مرسي، وتغيير النظام، أي منذ البداية لم يكن مناهضاً للسلطة الحالية وهي نتاج 30 يونيو و 3 يوليو 2013.
هل يُعتقل السياسي؟
تقديري أن السياسي والناشط لا يُعتقل، ولا يُحاكم، ولا يُسجن، إلا إذا ارتكب جريمة جنائية فقط، أما الاختلاف في الرأي والسياسات العامة، وتعدد وجهات النظر، وتبني نهج المعارضة، هو سلوك سياسي أساسي وطبيعي في الديمقراطيات، لكن إذا اقترنت حرية الرأي والتعبير والمعارضة بالعنف، أو التحريض عليه، فهنا المحاسبة واجبة.
ببساطة، كان يمكن لـ علاء ووالدته وشقيقتيه أن يعيشوا هانئين بلا متاعب وسجون، لكنهم ووفق قناعاتهم، يؤمنون بقضايا سياسية وحقوقية واجتماعية، ولديهم منظومة أفكار وقيم ومبادئ يتمسكون بها، ويدافعون عنها وهذا حقهم، ولا يجب ملاحقة أحد على خياراته وانحيازاته، فالأوطان لا تتقدم إلا بالتنوع والانفتاح والتسامح والوعي وتعدد الأيدلوجيات والمشارب والأطياف السياسية والفكرية.
القمع والترهيب
في الديمقراطيات تجد تيارات سياسية وعقائدية من أقصى اليمين المتطرف حتى أقصى اليسار المتشدد، وبينهم تنويعات في التوجهات والأفكار، وهم يشتبكون في جدل وصراع سياسي إيجابي هدفه مصالح الشعوب والأوطان، ولا تنشأ بينهم كراهيات وأحقاد شخصية، ويبتعدون عن نهج الإقصاء والتربص، ومن يصل منهم للحكم لا يُنكل بخصومه السياسيين.
لهذا الأوطان في الديمقراطيات مستقرة وآمنة ومنيعة، والأزمات طارئة وتجد حلولاً سريعة، والشعوب تمارس حياتها بشكل اعتيادي، ولا تتقلب على نار القمع والترهيب.
أما في عالم الجنوب فإن ممارسة السياسة تُعد تهمة، والاختلاف مع السلطة جريمة، ومعارضة الحكم خيانة.
إذا وسعنا نطاق هذه العائلة، فإن جد علاء هو الدكتور مصطفى سويف، رائد علم النفس بجامعة القاهرة والجامعات المصرية، وجدته الدكتورة فاطمة موسى، أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب بكلية الآداب جامعة القاهرة.
هي عائلة علم وبحث وفكر وثقافة وجديرة بالتقدير، وليس أن تقيم والدته أمام السجن حتى تستلم خطاباً من ابنها يطمئنها فيه على نفسه، أو أن تواجه الموت بسبب الإضراب للإفراج عنه.