من الثورة المصرية إلى شقيقتها السورية: هذه أخطاؤنا فاحذروها
شهر واحد يفصلنا عن الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير المصرية، وهي الثورة الأكبر بين شقيقاتها في الربيع العربي، وإن جاءت تالية للثورة التونسية، فكانت هي الأكبر لأنها وقعت في البلد الأكبر عربيا، ولأن حجم المشاركة الشعبية فيها كان كبيرا، وممتدا عبر محافظات مصر، لكنها لم تستطع الصمود إلا عامين ونصف العام، جرت خلالها 5 استحقاقات ديمقراطية، بدأت باستفتاء الإعلان الدستوري، ثم انتخابات مجلس الشعب، والانتخابات الرئاسية، وانتخابات مجلس الشورى، ثم استفتاء دستور 2012، وتوقفت مسيرتها مع انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013.
كان الرابط عميقا بين الثورة المصرية وشقيقتها السورية، إذ مع نجاح الثورة المصرية، وانطلاق الثورة السورية بعدها بشهرين كان العلم السوري يرافق العلمين المصري والفلسطيني في كل الفعاليات الثورية اللاحقة. كما حاصر الشباب المصري رفقة أشقائهم السوريين سفارة نظام الأسد في القاهرة، وقبل أسبوعين فقط من الانقلاب قرر الرئيس المصري السابق محمد مرسي إغلاق هذه السفارة تضامنا مع ثورة الشعب السوري، وقبلها قرر مساواة السوريين بالمصريين في التمتع بكل الخدمات العامة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسالة لصديق بغزة انقطعت أخباره
الأمان المفقود في إسرائيل!
ماذا ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
الآن وقد انتصرت الثورة السورية بعد جولات طويلة وصعبة وتضحيات جسيمة، فمن حقها على من سبقوها أن يقدموا لها خلاصة تجربتهم، خاصة الأخطاء التي تسببت في فشلها (المرحلي).
مغادرة الميدان مبكرا
كان الخطأ الأول للثورة المصرية الذي شاركت فيه معظم قوى الثورة بإسلامييها وعلمانييها، مع استثناءات قليلة جدا، هو الخروج المبكر من الميدان. ليس المقصود ميدان التحرير فقط وإن كان هو عنوان الثورة، ورمزها الأبرز، ولكن المقصود كل ميادين الثورة، وعودة الثوار إلى منازلهم عقب تنحي مبارك مباشرة، بوهم أن الثورة قد نجحت في الإطاحة بالنظام، وأن الوقت الآن هو لبناء الدولة الجديدة.
كان المجلس العسكري الحاكم في ذلك الوقت حريصا على إنهاء مظاهر الاعتصامات في الميادين، وتواصل مع العديد من القوى السياسية والشبابية لإقناعهم بمغادرة الميدان بعد أن تحقق هدفهم، وحتى لا تتسبب تلك الاعتصامات في المزيد من الأزمات الاقتصادية والمرورية، وقد ابتلعت تلك القوى (إخوان- ليبراليون- يساريون) ذاك الطعم، وطلبت من منتسبيها وأنصارها مغادرة الميادين بعد تنظيفها، وهو ما تم فعلا!!
كان الخروج من الميادين قبل تحقيق كامل أهداف ومطالب الثورة، وفرض ممثليها في سدة الحكم بشكل سريع فرصة للمجلس العسكري لإعادة ترتيب أوراقه، والتنصل من استحقاق نقل السلطة إلى المدنيين، وظل يماطل في هذا الأمر خاصة مع ظهور دعوات من بعض الشخصيات المدنية ببقاء المجلس في الإدارة لمدة سنتين حتى تتمكن بعض القوى المدنية من الاستعداد للانتخابات البرلمانية، إلا أن العودة إلى الميدان هي التي أجبرته على تحديد موعد للانتخابات البرلمانية.
وضع مختلف.. ولكن
حين انتصرت الثورة السورية، بتحرير دمشق يوم 8 ديسمبر/ كانون أول 2024، وهروب بشار الأسد لم يبق فيها مجلس عسكري حاكم كما كان الأمر في مصر، لكن حضور ميادين الثورة يظل ضرورة كبرى لإنجاز مرحلة التمكين للحكم الجديد، وتحقيق مطالب الثورة تماما، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية، ومواجهة كل مظاهر الثورة المضادة بشكل عام، فهي لن تتوقف خاصة أن مراكز هذه الثورة المضادة لا تزال نشطة، بل أصبح لديها خبرات كبيرة بعد نجاحها في إسقاط ثورتي مصر وتونس وتخريب ثورتي اليمن وليبيا.
القوة الرئيسة التي ستتمكن من مواجهة الثورة المضادة هي الميادين الحاضرة دوما، التي تمثل السند الأكبر للسلطة الحاكمة، والتي تمثل رقيبا على هذه السلطة نفسها فلا تجنح بدورها إلى الاستبداد، والانفراد بالحكم.
الدستور أم الانتخابات
الخطأ الثاني الذي وقعت فيه الثورة المصرية هو المعركة العبثية بين أولوية الدستور أو الانتخابات، التي أحدثت شرخا كبيرا ومبكرا في جدار الثورة، ظل قائما حتى جرى الانقلاب عليها تماما، بل واستمر بعد ذلك، كان كافيا لمصر أن تحكم بالدستور القائم في حينه مع إدخال بعض التعديلات عليه، وتنقيحه من الشوائب التي أدخلها نظام مبارك، وكان ذلك كفيلا بتجنيب الثورة لحالة الشقاق التي حدثت، كما أنه كان سيمنح الثورة فرصة التعافي والمرور إلى الأمام في قضايا أخرى مهمة.
اليوم يدور الحديث عن الدستور أيضا في سوريا، ومرة أخرى تظهر بوادر الخلاف حوله، وهو ما يمكن أن يعرقل مسار الثورة، وتتخذه مراكز الثورة المضادة طريقا للالتفاف على إرادة السوريين، وحريتهم واستقلالهم. يكفي سوريا في هذا الوقت إعلان دستوري مؤقت يتضمن المواد الأساسية لتسيير أمور الحكم، وتأجيل فكرة الدستور الدائم حتى تستقر الأمور تماما بعد مرحلة انتقالية محددة، يتم خلالها تضميد الجراح، والمصالحة المجتمعية، وتجهيز المجتمع للعمل السياسي الحر، وفي الوقت نفسه تجنب كل ما من شأنه إثارة الأزمات والصراعات في هذه المرحلة، فحديث الدستور في سوريا سيكون أصعب من نظيره في مصر، ذلك أن المجتمع السوري أكثر تعقيدا من حيث العرقيات والمذهبيات.. إلخ. وستحرص كل طائفة على ضمان حقوقها في الدستور الجديد، وقد يرى السوريون أن من الأنسب لهم العودة إلى دستور الاستقلال لعام 1950 مع تنقيحه أيضا من المواد التي لم تعد صالحة، حيث صاغته جمعية تأسيسية منتخبة مثلت كل الأطراف في المجتمع السوري.
غلبة السياسة على الاقتصاد
من الأخطاء الكبرى أيضا لمن تولوا الحكم بعد الثورة المصرية (المجلس العسكري ثم الإخوان المسلمون) غلبة القضايا السياسية على الاهتمامات المعيشية للناس، رغم أن الثورة كان شعارها (عيش- حرية- عدالة اجتماعية)، ولذا فقد الكثيرون حماسهم للثورة التي لم تحقق أمالهم وطموحاتهم، ولم يتقبلوا الأعذار بأن الأوضاع الاقتصادية للبلاد لا تسمح بتحسين الأوضاع، فالشعب يرى أن هذه مشكلة الحكام وعليهم أن يبحثوا لها عن حل.
بالتأكيد فإن الشعب السوري ينتظر أيضا تحسنا لأحواله المعيشية، وإن كانت أكثر تعقيدا من نظيرتها المصرية، فبالإضافة إلى المشاكل الحياتية التقليدية المرتبطة بالأسواق والعملة.. إلخ، فإن الكثيرين هُدمت بيوتهم ببراميل الأسد، أو سُرقت محتوياتها، أو فقدوا وظائفهم وأشغالهم، ناهيك عمن فقدوا القدرة على العمل بسبب إصاباتهم، أو اعتقالهم لسنوات طويلة.. إلخ، وهو ما يستدعي جهدا مضاعفا من الحكومة السورية الحالية والتالية.
هذه بعض الأمثلة لأخطاء الثورة المصرية التي يمكن أن تتقاطع مع الوضع السوري، رأيت من واجبي تجاه أشقائي في سوريا التذكير بها حرصا على نجاح ثورتهم، وتمكينها من تحقيق أحلام الشعب السوري في الحرية والتنمية والاستقلال والأمن والأمان، وفي سد الذرائع أمام قوى الثورة المضادة مبكرا. فالدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.