استمرار ارتفاع الأسعار في مصر بالعام الجديد
في أواخر العام عادة ما تصدر المراكز البحثية وبيوت الاستثمار توقعاتها للمؤشرات الاقتصادية للدول للعام الجديد، ولأن الشاغل الأول للمواطن المصري هو ارتفاع الأسعار، فإنه لا يتابع بنفس الاهتمام ما يسمعه عن توقعات للنمو وغيرها من المؤشرات التي طالما سمع عن تحسنها لكنه لم ير لذلك أثرا ملموسا في حياته اليومية.
وفيما يخص توقعات الخبراء للأسعار بالأسواق المصرية في العام الجديد الذي يعبر عنها مؤشر أسعار المستهلكين، أو ما يسمى مؤشر التضخم الذي يصدره جهاز الإحصاء التابع لوزارة التخطيط، والذي بلغ 25% بأنحاء الجمهورية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد اختلفت التوقعات حول معدل هبوط التضخم لكنها اتفقت على أن المعدل لن يقل عن 20%، وهو ما يعني زيادة جديدة على الأسعار المرتفعة الحالية بنسبة إضافية تصل 20%.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟!
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية
هل فشلت أمريكا في إدارة الأزمات؟!
وهكذا استبعد الجميع ثبات الأسعار أو تحقق المستويات التي استهدفها البنك المركزي للتضخم، ورغم ذلك فإن غالبية الخبراء ليست لديهم ثقة بمعدل التضخم الحكومي، أو بمعدل التضخم الصادر عن البنك المركزي المسمى بالمعدل الأساسي لأنه يعتمد على بيانات جهاز الإحصاء، كما أنه يستبعد أسعار السلع الشائعة الاستهلاك كالخضراوات والفواكه والسلع المحددة أسعارها إداريا، كأسعار الوقود وتذاكر المترو والقطارات وغيرها، ومن هنا فإن متابعة تلك المؤشرات تأتي من باب معرفة اتجاه الأسعار، الذي يشير إلى توقع استمرار ارتفاعها حسب الجميع.
أما عن أسباب ذلك التوقع للاستمرار في ارتفاع الأسعار فتتركز فيما يلي:
أولا – قيام الحكومة برفع العديد من الأسعار استجابة لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي، كما فعلت العام الحالي برفع أسعار الكهرباء والوقود ومترو الأنفاق والقطارات وخدمات الإنترنت وغيرها من رسوم الخدمات الحكومية، وكان رئيس الوزراء قد أشار إلى استمرار رفع أسعار المحروقات حتى نهاية عام 2025، ويدعم ذلك استمرار استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في الأعوام المقبلة.
كما يشترط صندوق النقد الدولي لصرف القسط الرابع من القرض الحالي، مرونة سعر الصرف، وهو ما يترتب عليه انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وبالتالي زيادة تكلفة السلع المستوردة، إلى جانب طلبات أخرى تخص التحول للدعم النقدي الذي يعني تحرير أسعار المواد التموينية، وطلبه تقليص إعفاء العديد من السلع من ضريبة القيمة المضافة ومنها سلع غذائية مما يعني رفع أسعارها.
أسواق اليوم الواحد لا تحل المشكلة
ثانيا – استمرار مواجهة الحكومة لمشكلة ارتفاع الأسعار بالحلول الجزئية، مثل مبادرات خفض السلع الرئيسية لفترات زمنية معينة، التي ثبت عدم فعاليتها وكذلك وضع الأسعار على السلع الذي فشلت أكثر من مرة في تطبيقه، وتركز حاليا على إقامة أسواق اليوم الواحد لكن ذلك لا يكفي لحل المشكلة، التي تتطلب الانخراط في قضية زيادة إنتاج السلع والخدمات، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد بالشكل المطلوب.
ولعل معاناة الصناعة المحلية من العديد من المعوقات خير شاهد، من ارتفاع تكلفة التمويل المصرفي التي تدور حول 30%، وتأخر تنفيذ مبادرة القروض بنسبة 15%، وارتفاع تكلفة الطاقة والكهرباء، وخفض برنامج دعم التصدير بعدد من القطاعات بنسبة 70%، وزيادة تكلفة الشحن والنقل، وصعوبات توفير الأراضي للصناعة، وكانت النتيجة خروج العديد من المنتجين للعمل بالأسواق الخليجية.
ثالثا – عدم استقرار سعر الصرف رغم ما حصلت عليه الحكومة من إيرادات من صفقة رأس الحكمة، وقروض من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وبنوك إقليمية ووطنية، ولهذا كانت توقعات جميع الخبراء باستمرار انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار في العام الجديد، وهو ما تؤكده الأسعار التي وصلت إليها العقود الآجلة للجنيه خلال الاثني عشر شهرا المقبلة التي تدور حول ستين جنيها.
هذا إضافة إلى عامل رئيسي يتمثل -في ضوء بيانات التجارة الخارجية للشهور التسعة الأولى من العام الحالي- بتوقع وصول قيمة الواردات السلعية العام الحالي إلى 92 مليار دولار وهو رقم غير مسبوق تاريخيا، وتوقع بلوغ العجز التجاري 49 مليار دولار وهو رقم غير مسبوق كذلك.
تضخم محدود في غالب دول العالم
رابعا – استمرار ارتفاع سعر الفائدة البالغ حاليا 27.25%، الذي يتوقع انخفاضه العام المقبل بعد انتهاء شهر رمضان بنسبة قد تتراوح بين 3 و4 حتى 8% حسب البعض، لكنه يظل بعد خفضه المتوقع أعلى بكثير من معدلات الفائدة بغالبية دول العالم، التي تتجه أيضا لخفضها على مدار العام المقبل مواكبة للخفض المتوقع للفائدة الأمريكية والأوروبية، وها هي حاليا تصل إلى ربع بالمئة باليابان ونصف بالمئة بسويسرا وأقل من 2% بكل من الرأس الأخضر وسيشل وبتسوانا، وأقل من 3% بكل من بربادوس وتايوان وكوبا وتايلاند والمغرب والسويد وألبانيا وسنغافورة، وبلغت 3% بكل من الجزائر وليبيا وماليزيا وكمبوديا.
ولا يتخطى معدل الفائدة المصرية الحالي سوى خمس دول هي: نيجيريا والأرجنتين وزيمبابوي وتركيا وفنزويلا، حيث يشير ارتفاع الفائدة بشكل كبير إلى وجود مشاكل اقتصادية عميقة، ورغم استحواذ فائدة الدين الحكومي بختام موازنة العام المالي الأخير 2023/ 2024 على 45.6% من مجمل المصروفات، فإن يد الحكومة مقيدة في خفض الفائدة بسبب حاجتها إلى الأموال الساخنة التي تتطلب فائدة عالية حتى لا تهرب إلى دول أخرى.
خامسا – قلة الثقة فيما يعلنه الخبراء من توقعات للمؤشرات الاقتصادية وإيثارهم السلامة، بسبب ضيق هامش الحرية المتاح وما شاهدوه من مصير عدد من خبراء الاقتصاد الذين تحدثوا بإسهاب عن الأوضاع الاقتصادية وما زال بعضهم محبوسا حتى الآن، بينما تحظى الجهات البحثية التي تصدر تقارير متحفظة بالإشادة الحكومية، حيث تمكن أحدها من شراء حصة الأغلبية ببنك مصري وهو أمر أخفقت في الحصول عليه دول داعمة لمصر.
سادسا – تراجع دور العوامل الخارجية في التضخم كما تزعم الحكومة المصرية عادة، فها هو مؤشر الغذاء العالمي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المعبر عن خمس سلع رئيسية هي: الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر، قد زاد خلال اثني عشر شهرا بنسبة 5.7% فقط، وها هو مؤشر أسعار البنك الدولي لكل السلع بنفس الفترة يتجه للانخفاض بنسبة 4.5%، وانخفض مؤشر البنك الدولي للغذاء بنسبة 6.1%.
وهو ما تؤكده أرقام التضخم بدول العالم حيث تشير نسب التضخم السنوية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتسع دول إلى سلبية معدل التضخم أي أنه أقل من الصفر وهي: بنما والسلفادور والسنغال وسيريلانكا وكوستاريكا والبهامس وأفغانستان وبروناي وتيمور الشرقية، وكان معدل التضخم أقل من 1% في 15 دولة أخرى، وكان بين 1% و2% في 26 دولة، وبين 2% و3% في 30 دولة.