رحيل يوسف ندا.. رجل التنظيم والسياسة والمال

يوسف ندا (منصات التواصل)

توفي الأستاذ يوسف ندا، عن عمر (93) عاما، بعد حياة مليئة بالأحداث وثرية على أكثر من جانب، سواء من الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الديني، حيث انتمى الرجل في سن مبكرة لجماعة الإخوان المسلمين، ومنذ بواكير صدامها مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بدأ يلمع اسمه في أحداثها، ومن يراجع تفاصيل تنظيم الإخوان سنة 1965، سيجد اسم يوسف ندا أحد أهم الأسماء وأبرزها، وإن لم يكن معلوما وقتها للإعلام وغيره.

فقد كان ندا قد خرج من مصر، وبدأ يمارس نشاطه الاقتصادي والدعوي معا، وهو أمر لم يكن ينفك عنه الفرد الإخواني، فإذا قام بعمل اقتصادي لم ينفصل ذلك عن عمله الدعوي، وكذلك السياسي، أو عالم العلاقات العامة، وهو ما برع فيه ندا، ووظف ملكاته الشخصية كلها التي حباه الله بها، ليجعل كل ما يقوم به تحت لافتة الإخوان المسلمين، رغم أن كثيرا منها قام به الرجل بشخصه، ولم يكن تكليفا من الإخوان، أو بتوجيه منهم وطلب.

أرشيف ووثائق تاريخية نادرة:

لم يكن يوسف ندا شخصية مالية مارست العمل الاقتصادي مع انتمائه للإخوان فقط، بل كان شخصية ذات علاقة ممتدة وقوية بكثير من السياسيين، ولدى الرجل أرشيف ووثائق في غاية الأهمية والنفاسة، سواء ما يتعلق منها بتاريخ الإخوان المعاصر الذي لم يكتب، وتفاصيله المهمة التي ليست عند أحد سوى ما يمتلكه الرجل، بحكم ما قام به من جهود، أو وساطة، أو تحرك، فقد كان في كل مرحلة من مراحل تاريخ الإخوان تجده حاضرا، إلى أزمة الإخوان الأخيرة، في سنة 2015 جاء لإسطنبول خصيصا للقاء الشباب، والأطراف المختلفة، لعله يقوم بشيء مناسب، وبذل جهده سواء في مبادرات تخفف الوضع على الإخوان، أو بنزع فتيل الأزمة الداخلية فيها.

حب لمصر رغم السجن:

وبرغم ما تعرض له من السجن في عهد عبد الناصر، لكن عندما جاء الرئيس السادات، وفتحت مساحة من العمل العام، فكر الإخوان في عمل مستشفى كبير، وبالفعل حصلوا على قطعة أرض كبيرة في طريق مطار القاهرة، ووقعوا في حيص بيص في كيف سنبني مستشفى بهذا الحجم؟ وفاتح أحدهم يوسف ندا، فأخبرهم بتحمله مواد البناء كلها، فقد كان مشهورا وقتها بأنه ملك الأسمنت في الشرق الأوسط.

وتم بناء المستشفى بالفعل، وتوفي السادات وجاء مبارك، وكان اسم المستشفى: المستشفى الإسلامي، ولافتة طويلة كبيرة تلفت نظر أي شخص إليها، ولم يكن مقبولا أن تسمح الدولة بلافتة كتلك على طريق المطار، فتم مصادرة المشفى، وحولوه إلى مشفى عسكري عائلي، ولما بلغ ندا ذلك -كما حدثني من لقيه- لم يندم على ذلك ولم يحزن، بل قال له: “نحن نوينا خدمة الناس بالعلاج، وأجرنا على الله، وفي النهاية سيتلقى العلاج فيها من يحتاجه، فقيرا كان أم غنيا، وقد تعودنا على ذلك، أن نبني فيصادر ما نبني، والمهم أننا بنينا ونفعنا بلدنا وأهلنا”.

ولذا كانت أمنيته التي أعلنها مع الإعلامي الأستاذ أحمد منصور، في برنامج (شاهد على العصر)، أنه يتمنى أن يدفن في مصر، ورغم مرارات الظلم التي ذاقها، لكنه لم يبخل ببذل يفيد أحدا من بني وطنه، فقد كانت هناك أزمة بين مصر وإيران في عهد مبارك، ونتج عن ذلك مشكلة لبعض الصيادين، وحبسوا في إيران، فتوسط بحكم علاقته بإيران، لعودة هؤلاء المساكين إلى مصر، وأعادهم على نفقته الخاصة.

وصية القرضاوي أولاده بندا وأولاده:

كان يوسف ندا وثيق الصلة بشيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، وبينهما علاقة ممتدة منذ خمسينيات القرن الماضي، فقد تزاملا في السجن الحربي، وبعد خروجهما من مصر، التقيا خارج مصر، من خلال لقاءات الإخوان، ولذا تجد معظم مشاريع ندا التي يحتاج فيها لرأي شرعي، تجد القرضاوي حاضرا فيها، فقد كان موضع ثقته في ذلك، فعندما أسس بنك التقوى، عهد بالرقابة الشرعية للقرضاوي، مع علماء آخرين.

ولا تجد في شعر القرضاوي قصيدة أو أبياتا في مناسبة اجتماعية لأحد، سوى مناسبة واحدة متعلقة بيوسف ندا، فقد دعي في مدينة لوجانو بسويسرا لعرس، ابنة يوسف ندا، على ابن الأستاذ عصام العطار، وقد كان مراقبا عاما للإخوان في سوريا، وطلبت كلمات في العرس، وكعادة بعض الإسلاميين الذين يذكرون المحن في وقت الفرح، قام أحد الخطباء، فتكلم عن أن العروسين (حنان يوسف ندا، وأيمن عصام العطار) من مصر وسوريا، والتي جمع بينهما الظلم من الطغاة، والسجون والمعتقلات والمطاردات، فما كان من الشيخ القرضاوي حين قام يلقي كلمته، إلا أن قال: يا أخي نحن في فرح وعرس، لقد جمع عرس اليوم، بين مصر وسوريا، بين حضارتين وثقافتين عظيمتين، جمع بين النيل وبردى، بين الأزهر والأموي، ثم كتب أبياتا من الشعر قال فيها:

قم فحي العطر وافا الندى     قم فحي النيل لاقى بردى

قم فحي الأموي اليوم قد    عانق الأزهر ثم اتحدا

قم فهنِّ اليُمْن لاقاه الحنان      فهما في حفظ ربي أبدا

رب بارك فيهما وامنحهما    بيت سعد، ينجبان السعدا

واحفظ الأحفاد كي يمضوا على    سنن الأجداد بل زدهم هدى

وظل الود بين القرضاوي وندا، إلى أن لقيا ربهما، ولم يكن مفاجئا لي، أن نجد وصية القرضاوي التي فيها شق عام يوصي به الأمة، وشق خاص يوصي به أولاده، من الشق الخاص أنه أوصى أولاده بعدد من أصدقائه وبأبنائهم، وأن يداوموا تواصلهم وبرهم بهم، لأن هذا من باب البر به أيضا، كان على رأس هذه الوصايا: الوصية بيوسف ندا وأبنائه، وبدوام الصلة والبر بهم.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان