كيف تبني الثورة السورية قوتها الإعلامية؟ ولماذا؟!

صورة الرئيس السوري الهارب بشار الأسد، ملقاة على الأرض في أحد أفرع الأجهزة الأمنية (الفرنسية)

بناء القوة الإعلامية أهم التحديات التي يجب أن يواجهها ثوار سوريا في مرحلة ما بعد التحرير، ويجب أن يكون ذلك أهم الأهداف التي يتم لتحقيقها تخصيص الموارد التي أدرك أنها قليلة، لكن الوعي أهم من الخبز، والحرية أغلى من الحياة، والمعرفة أساس التقدم، والشعوب تصنع المستقبل عندما تمتلك الإرادة، وتعبّر عن حقها المشروع في الحياة الحرة، وتروي للعالم قصة كفاحها، وهي قصة تستحق الإعجاب.

وسائل إعلام ثورة.. لماذا؟!

من يريد دليلا على أن القوة الإعلامية هي التي تحمي الحق في الحرية عليه أن يكتم غيظه وهو يتابع وسائل إعلام النظم الاستبدادية في المنطقة، التي بدأت المعركة مبكرا ضد شعب سوريا وثورته.

تحليل مضمون وسائل تلك النظم يوضح أنها تكرر تجارب نجحت في إسقاط ثورات الربيع العربي وتشويهها، وتزييف وعي الشعوب ليتقبل الثورة المضادة، ولكي يتخلى عن حلمه في الحرية من أجل الاستقرار والأمن ولقمة خبز مغموسة بالقهر والظلم.

ولقد بدأت الحملة الإعلامية مبكرا باتهام الشعب السوري بتدمير دولته، وتحذير الشعوب من خطر التقسيم والانهيار، إن طلبت الحرية كشعب سوريا، واتهام الثوار بالإرهاب، والمطالبة بدولة علمانية تبيح الخمر وعبادة الطغيان، ولا يكون فيها مكان للذقون والحجاب، ويتم فيها حظر المظاهر الإسلامية التي تؤذي مشاعر المتغربين الحداثيين المتقدمين.

قصور وسجون ومقابر جماعية!!

لو أن الثوار يمتلكون وسائل إعلامية قوية، لقدموا للعالم الحقيقة التي يجب أن يعرفها، وهي أن نظام الأسد الذي يتباكى عليه العلمانيون العرب، هو الذي دمر سوريا، ونهب ثرواتها، وأفقر شعبها وأفسد وطغى وبغى، وبنى بأموال الشعب قصورا يتفاخر بها أمام رؤساء الدول، وادعى كذبا أن تلك القصور التي تحوي كل ألوان الترف تشكل هيبة للدولة، لكنها كانت دليلا على غطرسة الطاغية وغروره واستكباره، فهو يعدّ نفسه الدولة، أما الشعب الجائع فيكفيه أن ينظر زعماء العالم للقصر بإعجاب وانبهار.

وبجانب تلك القصور الفارهة الباذخة بني نظام الأسد الكثير من السجون من أهمها سجن صيدنايا، الذي يذوق فيه أحرار سوريا كل ألوان العذاب، التي لم يبدع الطغاة إلا في اختراعها.

ولو أن الإنجاز الوحيد لثوار سوريا الأحرار هو إخراج المسجونين ظلما لكفاهم به فخرا ومجدا وعزا، ويجب أن تشعر الإنسانية كلها بالامتنان لثوار سوريا، فهذا الظلم الذي تعرض له الأحرار في تلك السجون يشكل عارا للبشرية التي تدعي المدنية والتحضر، فذلك الظلم دليل على الهمجية والقسوة والوحشية، وهو مؤذن بدمار الحضارة الحديثة كلها، فالصمت جريمة، ولا يمكن أن يدعي الغرب أنه لا يعرف، وهو يتفاخر بأن الأقمار الاصطناعية التي تجوب الفضاء ترصد الحركات والسكنات.

لكن الغرب صمت، فلم يدافع عن حقوق الإنسان، وفضّل تحقيق مصالحه، وأكثر ما جعلني أشعر بالألم أن وسائل الإعلام لم تعد تتحدث عن تلك السجون التي تم فيها قهر الإنسان، والإبداع في إلحاق أكبر قدر من الألم بنفسه وجسده.

جريمة ضد الإنسانية

نظام الأسد الاستبدادي العلماني ارتكب جريمة ضد الإنسانية، والصمت على تلك الجريمة عار، وتحرير الثوار السوريين للمظلومين من السجون مجد وفخر وانتصار للحضارة والحرية، وما أجمل لحى الثوار وهم يحررون المظلومين، ويجب الاعتراف عالميا بأنهم مقاتلون من أجل الحرية، وأنهم يشكلون حركة تحرر وطني، فنظام الأسد قدّم الأدلة على أن الاستبداد لا يقل خطورة عن الاحتلال الأجنبي.

ولكن أين وسائل الإعلام التي تقدّم قصة الثوار والشعب المظلوم الذي حرروه من القهر والاستبداد والطغيان؟

كم عدد القتلى؟!!

بجانب قصور الأسد هناك آلاف المقابر الجماعية التي تم دفن الآلاف من السوريين فيها، ولا يعرف أحد عددهم حتى الآن، ومن الضروري أن يكون للثورة السورية وسائل إعلام قوية، لتصور جرائم الاستبداد، لتشعر كل الضمائر الحرة في العالم بالعذاب، ولتتعلم الشعوب حقيقة أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار مع الظلم والطغيان، وأن العمران يوما سينهار، وأن التقدم من دون عدل وهم، وأن الشعب يحقق أعظم إنجازاته عندما يفرض إرادته.

دماء الأحرار الذين دفنهم النظام الطاغوتي في مقابره الجماعية دليل على أن العالم فقد مصداقيته، وأنه لا يجوز لأحد أن يفرض وصايته على شعب سوريا، ولا أن يفرض عليه الشروط، والثوار ضحوا ليحرروا شعبهم وأرضهم، وهم يستحقون أن يستمع لهم العالم وتتعلم الشعوب من تجربتهم.

ثورة عقول!

وثوار سوريا يحتاجون لوسائل إعلامية قوية تدحض أكاذيب الثورة المضادة والنظم الاستبدادية والاستعمارية، فهناك حقيقة يجب أن تعرفها الشعوب الحرة هي أن انتصار الثورة كان نتيجة لتخطيط استراتيجي، وقراءة متعمقة للواقع العالمي مكّنت الثوار من اختيار اللحظة المناسبة، ومفاجأة النظام المغرور بقوته بما لم يكن في حسبانه، لقد كانت ثورة عقول وقلوب تحلم بالحرية.

ولقد أثبت الثوار أن المسلمين يمكن أن يعبدوا الله بإطلاق العنان لخيالهم، وبالتخطيط الاستراتيجي، وبعقول تفكر وتبدع، وأنهم يمكن أن يقدموا للعالم مفاجآت لا يتوقعها، لكن تلك الحقيقة ستثير النظم الاستبدادية والاستعمارية التي يمكن أن تستخدم وسائلها الإعلامية ولجانها الإلكترونية التي ستقوم بالتشكيك في الثوار، وبحملات لتزييف الوعي، وإثارة الأقليات والمطالبة بحرية المرأة والعلمانية، والحرب ضد المسلمين الإرهابيين.

لذلك يجب أن يفكر الثوار في بناء قوتهم الإعلامية، والتخطيط لكسب العقول والقلوب، وتوفير المعرفة للجماهير لتتمكن من مقاومة الثورة المضادة، فالإعلام الحر الذي يديره إعلاميون محترفون هو الذي يحمي الثورة، ويبني المستقبل بالمعرفة والوعي.

كنت أحلم بأن أبني القوة الإعلامية في مصر، ثم انكسر الحلم، فهل يتوهج من جديد؟!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان