سوريا.. الفرصة الأخيرة

جسر في دمشق كان يطلق عليه اسم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز)

بالتأكيد لا أقصد الفرصة الأخيرة للشعب السوري، فنضال الشعوب ضد الظلم والطغيان لا نهاية له، وكفاحها في سبيل الحرية والانعتاق مستمر ما استمرت الحياة.

وكل من شاهد حجم الظلم الذي مارسه بشار الأسد ونظامه وكيف حوّل هو وعائلته المستبدة سوريا بشعبها وتاريخها وأمجادها العظيمة أكثر من نصف قرن إلى مجرد سجون ومقابر جماعية؛ يزداد إيمانه بشرعية وقدسية النضال من أجل الحرية رغم أن بشاعة جرائم بشار ونظامه الذي ورثه عن أبيه لم تكتمل صورتها النهائية بعد.

وإنما أود القول إن سوريا منحت الجماعات المنخرطة في النضال التحرري من منطلق إسلامي وبدوافع دينية بحتة، وإنه أي النضال سواء كان سلميا أو مسلحا جهاد في سبيل الله أولا وأخيرا؛ فرصة أعتقد أنها الأخيرة على الأقل في المدى المنظور خصوصا أن هيئة تحرير الشام أو لنقل عملية ردع العدوان التي انطلقت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي انخرطت فيها جماعات وكيانات إسلامية من مدارس شتى وبصورة لم تحدث من قبل في أي بلد عربي وحسب علمي لا توجد تجربة سابقة مماثلة منذ ظهور هذا النمط من الجماعات الإسلامية قبل نحو قرن.

الموقع الجغرافي الحساس

أمام سوريا الجديدة تحديات ربما تفوق تلك التحديات التي واجهها الشعب السوري في نضاله ضد نظام الرئيس الفار، هذه التحديات تفرضها عوامل كثيرة لعل أهمها الموقع الجغرافي الحساس وتقاطع أطماع القوى الإقليمية والدولية التي لا تخفى على أحد وطبيعة القوى الثورية المتصدرة للمشهد التي أسقطت بشار الأسد بعد نحو 14 سنة من خروج الشعب السوري ضده بفعل موجات الربيع العربي في 2011.

ولأن “النظام العربي المستبد” الذي دافع عن نفسه دفاعا مستميتا وأنفق أمولا طائلة لسحق ووأد أي تجربة ثورية سلمية كانت أو عسكرية وقضى على كل محاولاتها في تلمس سبل النجاح وذلك تحت مبرر مكافحة الجماعات الإسلامية التي يصفها بأنها متطرفة وإرهابية في حين أنه في الحقيقة يدافع عن نفسه ويخشى ظهور تجربة ناجحة في المنطقة، ولأنه أي “النظام العربي المستبد” شعر بإهانة كبيرة بعد سقوط بشار وفراره وهو الذي كان بصدد نفض الغبار عنه وإعادة تأهيله وتقديمه للعالم رغم جرائمه الوحشية غير المسبوقة بحق شعبه؛ على استعداد لضخ أمواله الفاسدة وهو المدمن على الاستثمار في الفوضى بهدف إفشال تجربة العهد الجديد في سوريا ولن يعدم المبررات.

تجارب الإسلام السياسي

لا بد للجماعات الإسلامية ورموزها المنخرطة في إدارة العهد السوري الجديد أن تستفيد من تجارب ما يسمى الإسلام السياسي الممتدة لنحو قرن وإن كانت تجارب فاشلة، وأن لا تستهين بالمكر الذي يتربص بها، ولا بالأصوات التي تغرد خارج السرب بهدف إيجاد حالة نقاشية تسدل الستار على الفظائع التي خلفها الرئيس الفار وأبوه في حق السوريين والمنطقة، والانتصار الكبير الذي أدى إلى هروبه في جنح الظلام، وتأخذ هذه الجماعات إلى مشهد آخر يسهل معه إضعافها وإثارة الشارع ضدها يوما بعد آخر، ومن ثم القضاء عليها أو إدخالها في دوامة من الصراع الفصائلي ولهم في التجارب الفاشلة التي ما زالت ماثلة أمامنا آية وعبرة.

يتطلع الشارع العربي اليوم إلى نجاح التجربة السورية، وأن يقدم السوريون نموذجا يضع حدًّا لهواة الاستثمار في الفوضى، وإشعال فتيل الحروب الأهلية في الدول العربية، وجرها نحو الفشل واحدة تلوى الأخرى، وعلى أمل أن تفتح بنجاحها آفاقا رحبة لشعوب منطقتنا العربية التي تكافح للخروج من تحت وطأة الظلم والاستبداد منذ عقود.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان