بين الأزمات والتحديات: كيف نصنع الأمل في العام الجديد؟!
مع نهاية عام 2024؛ نجد أنفسنا أمام مفترق طرق يستدعي منا التوقف وتأمل الأحداث التي شكّلت وجه هذا العام المضطرب.
عام طويل، مر علينا جميعًا بصعوبة وثِقَل شديد. عام ممتلئ بالتوترات، والحروب، والتغيرات على جميع الأصعدة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟!
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية
هل فشلت أمريكا في إدارة الأزمات؟!
عامٌ يعج بالأزمات والتحولات الكبرى التي امتدت لتطول كل زاوية من زواياه؛ من الأزمات الاقتصادية الصعبة، والتغيرات المناخية التي أشعلت الرأي العام حول مستقبل كوكبنا إلى الاضطرابات السياسية المتزايدة.
عالم يشتعل
حين نقلب في أوراق الأعوام المنصرمة، نجد أن الحرب الروسية-الأوكرانية قد فرضت نفسها كواحدة من أبرز العناوين التي رسمت ملامح هذا العام. لقد باتت هذه الحرب أشبه برقعة شطرنج تتساقط قطعها واحدة تلو الأخرى مُزعزعة الاستقرار العالمي. فهي لم تكن مجرد حدث عسكري، بل كان له تداعيات عميقة على الأمن الغذائي والطاقة والاقتصادات المحلية والعالمية. في مصر، على سبيل المثال، تعتمد البلاد بشكل كبير على وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وهو ما جعلها عرضة لتقلبات الأسعار ونقص الإمدادات نتيجة الحرب. هذا الاعتماد أدى إلى تفاقم أزمة التضخم، إذ انعكس ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة بشكل مباشر على حياة المواطنين.
وفي الشرق الأوسط، لا تزال غزة تنزف تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المستمر. فوفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين 45317 شهيدًا حتى الآن، وهو رقم يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها القطاع المحاصر.
وعلى الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، شهدت المنطقة اشتباكات متفرقة. اغتيل على إثرها عدد من قادة حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، الذي زاد من تعقيد المشهد. في المقابل، استمر الحوثيون باليمن في تنفيذ هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة باتجاه اسرائيل. جاءت هذه الهجمات كجزء من استراتيجية الحوثيين لإبراز نفوذهم الإقليمي، ودعمًا للقضية الفلسطينية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة. وردت إسرائيل بتنفيذ ضربات عسكرية مباشرة على مواقع الحوثيين في اليمن، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي وأشعل فتيل مواجهة غير مباشرة بين الطرفين.
أما السودان؛ فلا يزال غارقاً في دوامة الحرب الأهلية التي دفعت الملايين إلى النزوح واللجوء، بينما يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن تقديم حلول حقيقية لوقف النزيف المستمر هناك.
بصيص أمل
رغم هذا المشهد القاتم، إلا أن الأمل لم يغِب تماماً. فوسط هذه التحديات، برزت مبادرات مجتمعية وإنسانية تسعى لترميم ما تهدم، وإعادة بناء جسور التواصل بين الشعوب. وقد رأينا موجة غير مسبوقة من التضامن الشعبي مع غزة في مختلف أنحاء العالم؛ إذ تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات نضال رقمي تعج بالصور والمقاطع التي توثق المعاناة الفلسطينية. وخرجت المظاهرات في العواصم الكبرى، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وطالبوا بوقف العدوان الإسرائيلي فورًا.
لم يقتصر التضامن على الشعارات والهتافات؛ إذ شهدت الأسواق العالمية تصاعدًا في حملات المقاطعة التي استهدفت الشركات المتعاملة مع الاحتلال الإسرائيلي أو الداعمة له بشكل مباشر وغير مباشر.
وقد أثمرت هذه الحملات عن نتائج ملموسة، حيث سجلت بعض الشركات خسائر ملحوظة وتراجعت أسهمها في الأسواق العالمية مثل شركة: ستاربكس، وماكدونالدز، وبابا جونز، ونستله. ودفعت الضغوط المتزايدة بعض العلامات التجارية إلى إصدار بيانات توضح موقفها أو تتنصل من أي ارتباط بالاحتلال، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي.
عكست هذه الحملات وعيًا جمعيًّا متزايدًا لدى الشعوب، بأن الضغط الاقتصادي يعد أداة فعالة في مواجهة الاحتلال، وأن كل فرد يمكنه المساهمة في دعم القضية الفلسطينية، حتى ولو كان ذلك عبر الامتناع عن شراء منتج أو نشر وعي عبر الإنترنت.
وفي أوكرانيا، بدأنا نلمح محاولات جادة للبحث عن تسوية سلمية قد تضع حدًا لهذا النزيف الممتد، إذ إن العالم أصبح يدرك أن استمرار النزاعات ليس خيارًا مستدامًا، وإن الجلوس إلى طاولة المفاوضات اصبح ضرورة لا مفر منها.
أما على صعيد البيئة، فقد شهد العام المنصرم أكبر حراك مناخي عالمي، إذ خرجت الملايين في مسيرات تطالب بوقف مشاريع الوقود الأحفوري والتحول نحو الطاقة النظيفة. هذا الضغط الشعبي دفع العديد من الحكومات إلى الالتزام بخطط جادة للحد من الانبعاثات الكربونية، في خطوة قد تشكل نقطة تحول في معركة البشرية ضد التغير المناخي.
من الأمل يُولد المستقبل
إن صناعة الأمل ليست رفاهية أو ترفًا، بل هي ضرورة تفرضها الظروف، ومسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود لبناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية. وقد برز ذلك الأمل بوضوح في عام 2024، كقوة دافعة للشعوب نحو الصمود والتغيير.
وهناك العديد من الوسائل التي تساهم في صناعة هذا الأمل وتعزيز روح التفاؤل أبرزها الإعلام، باعتباره أحد المحركات الأساسية في هذا السياق، فهو ليس مجرد ناقل للأحداث، بل صانع للرأي العام ومنبع لبناء وعي جماعي قادر على إحداث التغيير.
الأمل ليس مجرد شعور عابر، بل هو قوة مستدامة تدفعنا لتحقيق أهدافنا. فالشعوب التي تؤمن بقدرتها على التغيير، وتستخلص الأمل من معاناتها، هي الشعوب التي تكتب مستقبلها بنفسها في صفحات التاريخ بأحرف من نور.