اتفاق هش وممر ضيق

لبنانيون الى الجنوب، بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله (رويترز)

 

صدقت إدارة بايدن حين وصفت اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) والكيان الصهيوني بالهش فهذا الاتفاق لم يتم احترامه من جانب الكيان لمدة ساعة واحدة منذ بدء تنفيذه فجر الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى اللحظة، وبالأمس حينما اضطر حزب الله إلى الرد على الخروقات الصهيونية التي بلغ عددها أكثر من 60 اختراقا.

بدأ الكلام عن هشاشة الاتفاق وعدم قدرته على الصمود أمام أطماع الكيان الصهيوني سواء في جنوب لبنان، أو في الدولة اللبنانية ذاتها، ورغم كل ما قيل عن الاتفاق الذي حقق لإسرائيل العديد من أهدافها وأهمها فصل جبهة الشمال وحزب الله عن جبهة غزة ومعركة الإسناد للمقاومة الباسلة في غزة والضفة الغربية إلا ان الواقع يقول إن جيش الاحتلال لم يحترمه ولو ساعات بسيطة منذ بدء تنفيذه، قبل البدء كان هناك غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية وعلى بيروت وحتى ساعة التنفيذ، وبعده استمرت تلك الخروقات.

اتفاق لا يعبر عن الميدان

جاء اتفاق وقف اطلاق النار وليس وقف الحرب كما وصفه رئيس وزراء الكيان نتنياهو في توقيت شديد الغرابة من حيث الأوضاع على أرض المعركة، فالليلة السابقة لبدء التنفيذ شهدت أطلاق أكثر من 340 صاروخا ومسيرة من جنوب لبنان نحو الأرض المحتلة، وشملت تلك الطلعات تقريبا كل الارض المحتلة من شمال فلسطين، حيفا، وحتى وصلت جنوب تل أبيب، واشتعلت النيران في معظم الأماكن وتضررت مبانٍ كثيرة وممتلكات للمستوطنين، إضافة إلى وحدات عسكرية وخسائر بشرية، وجاء ذلك بعد أيام شهدت تصعيدا في عمليات المقاومة في جنوب لبنان، وفي غزة والضفة الغربية.

بدا واضحا أن الغلبة الميدانية قد مالت تجاه المقاومة على الجبهتين، كما ظهر للمتابعين أن الجيش الصهيوني قد وصل لحالة إنهاك شديد نتيجة استمرار المعارك لأكثر من 240 يوما في غزة والضفة الغربية، وما يقارب الشهرين في جنوب لبنان، بدأت أعداد القتلى والمصابين تزداد بين جنود الجيش الصهيوني في الجبهتين، ووصل أعداد القتلى في أهم كتائب جيش الاحتلال إلى أرقام تاريخية، وفجاء تتحرك الإدارة الأمريكية وترسل مندوبا إلى لبنان وإسرائيل لتبدأ عملية تفاوض على إيقاف جبهة جنوب لبنان في ظل القرار الأممي 1701 لعام 2006 وفي يومين يتم الاتفاق.

لم تكن الاتفاقية مماثلة تماما لما جرى بعد 2006 الذي تم في ظل انسحاب القوات الإسرائيلية من طرف واحد من لبنان بعد تدمير عدد كبير من دباباتها، والتي دمر عدد أكثر منها في الشهرين اللذين سبقا الاتفاق الجديد، جاء الاتفاق الجديد وكأنه يعبر عن انتصار للكيان الصهيوني مناقضا للأحداث على الأرض واستغلت القيادة الإسرائيلية هذا الاتفاق الغريب.

يخرج نتنياهو في صورة المنتصر أمام الإعلام والرأي العام الصهيوني فقد أعاد حزب الله وقواته إلى شمال الليطاني، وسحب مقاوميه من الجنوب، ووضع رقابة على تسليحه القادم من أي مكان، وفرض وجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل فقط في الجنوب، ومنع تصنيع السلاح إلا عبر مؤسسات الدولة اللبنانية وتحت رعاية المراقبين.

كانت الصدمة في موافقة حزب لله خاصة على موضوع فصل الجبهات، ربما كان الحزب يحاول القيام بعملية ترميم داخلية بعد فقدان الكثير من الشهداء في مقدمتهم الأمين العام للحزب وأيقونة المقاومة حسن نصر الله، وهاشم صفي الدين -المرشح لخلافته- في عمليات استخباراتية للكيان، وربما أيضا كان في حاجة إلى وقت مستقطع لالتقاط الأنفاس، وهو يرى أن الكيان لن يحترم هذا الاتفاق لوجوده في ممر ضيق تاريخيا، وهو ما حدث.

توقف القتال مستحيل

رغم كل المحاولات التي تحاول الإدارة الأمريكية الآن في قيادة بايدن، أو ما يشاع عن تصميم ترامب على إيقاف الحرب قبل وصولة إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني المقبل لكن ظني أن كل هذه الجهود والتصريحات الأمريكية ليست سوى محاولات لزيادة الوقت المستقطع من الجانب الأمريكي والصهيوني، والسبق بموضوع انتصار الكيان في معركة لبنان وعلى حزب الله لا يصدقها أغلب الصهاينة سواء محللين أو مستوطنين، فالآلة الإعلامية الدائرة ومحاولات المندوب الأمريكي والرقباء من الدول هي محاولة لإعادة تقوية الجبهة الداخلية للكيان، والتقاط أنفاس للجيش الذي لا يزال متورطا في مستنقع غزة، وزيادة إمداد الكيان بالسلاح من أمريكا والدول الأوروبية استعدادا لمعارك قادمة.

لعل قراءة تصريحات أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو اليمينية ندرك منها أن الكيان الصهيوني بتعداده الذي وصل 7 ملايين قد ضاقت عليه المساحة، وهذا ما يدعو بن غفير وسموتريتش إلى الدعوة لاجتياح الضفة الغربية (تحت سيطرة السلطة الفلسطينية) وبناء مستوطنات فيها، فقد دعا الوزراء إلى احتلال الضفة الغربية صراحة ودون مواربة، و تتزامن تلك التصريحات مع محاولات فصل شمال قطاع غزة عن جنوبها سواء بمحاور صناعية، أو بخطة الجنرالات، وقد وصف احد العسكريين الصهاينة السابقين ما يحدث في غزة بأنه تطهير عنصري -هذا التصريح الذي لاقى هجوما شديدا حتى من يوآف غالانت وزير الدفاع المقال حديثا- وهي محاولة لزحزحة أهالي غزة وبناء مستوطنات.

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد سبق الجميع منذ أعوام حينما صرح بأن أرض الكيان قد ضاقت على مستوطنيه، وأن إسرائيل بحاجة لزيادة رقعة أراضيها (التي تحتلها) وربما كان هذا أحد اسباب ما سمي بصفقة القرن والتي تسمح بالتمدد للكيان الصهيوني، وبدا ذلك واضحا في خطابات رئيس وزراء عصابة الكيان وخرائطه التي يحملها في الكونغرس والأمم المتحدة.

لذا فإن الرهان على إيقاف حروب الكيان على الأرض العربية هو مجرد خيال في العقول، سبب هذا واضحا فالكيان الصهيوني بحاجة إلى التمدد في الأرض العربية وحانت تلك اللحظة في عهد حكومة نتنياهو، وخيارات التمدد الصهيوني في محيطها فما بالك حين يغادر 70 ألفا الشمال وليس عودتهم سهلة كما عاد أهل الجنوب اللبناني، لذا ستبقى معركة الجنوب اللبناني مستمرة حتى لو أخذ الطرفين وقتا مستقطعا.

أما معركة غزة المستمرة طوال عام وقرابة الشهرين فلن تنتهي بسهولة حتى لو أراد ترامب، فالكيان الصهيوني في ممره الضيق لن يقبل بل سوف يتسع أكثر إلى الضفة الغربية بقوة وصراحة في محاولاته للتمدد، المأزق الحالي للكيان سيدفعه إلى مزيد من المعارك وفتح جبهات تصل به إلى النهاية، واستمرار المقاومة في غزة ومع تتالي العمليات المؤثرة ستقود أيضا إلى نهاية الكيان، وإنه لصبر ساعة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان