فلتغادر كل القوات والميليشيات الأجنبية سوريا
“الطغاة يجلبون الغزاة”: إحدى المقولات الخالدة لمؤسس علم الاجتماع العربي ابن خلدون، طغاة سوريا وخاصة بيت الأسد نموذج صارخ لذلك، فاق طغيانهم كل احتمال فخرج الشعب السوري في ثورة سلمية نقية ضمن الموجة الأولى للربيع العربي قبل 13 عاما، واجهها طاغية سوريا بالرصاص والبراميل المتفجرة، ما أجبر الكثيرين على حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم في البداية، ثم تطورت الثورة من سلمية إلى مسلحة، وعندما أوشك النظام على السقوط استنجد بإيران التي سارعت بإرسال قواتها لدعم حليفها، وإنقاذه من الغرق، وحين عجزت عن ذلك عاد الطاغية للاستنجاد بروسيا التي سارعت لإنقاذه، ونجحت في ذلك.
حرص الطاغية على البقاء في السلطة، وتحديه لإرادة السوريين هي التي دفعته للتضحية بالسيادة الوطنية، وهي التي فتحت سوريا لقوات أجنبية، لم تعد تقتصر على إيران وروسيا، بل ضمت قوات تركية وأمريكية وأوروبية، وتكاثرت المليشيات المسلحة المحلية، واجتذبت بدروها ميليشيات مسلحة من خارج سوريا، لتصبح الأرض السورية مسرح عمليات دولي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالشرق الأوسط.. هل يتغير كما تعهد نتنياهو بعد الطوفان؟!
ترامب وعصر الترحيل للفارين من الطغاة والحروب!
هل أمريكا قوية.. أرجوك فكر بعمق قبل أن تجيب!
كان من الممكن تجنب كل ذلك لو استجاب بشار الأسد لرغبة شعبه في الحرية والديمقراطية والكرامة، كان يمكنه إجراء انتخابات تنافسية حقيقية جديدة يختار من خلالها الشعب من يريد، لكنه استكثر على الشعب السوري فكرة التصويت الحر والمنافسة الحرة، والاختيار بين أكثر من مرشح، فكانت النتيجة استمرار وتصاعد الثورة، وتدفق أنهار دماء السوريين، والتخريب والتدمير الواسع لسوريا، وهجرة نصف السوريين على الأقل لمساكنهم إلى مخيمات نزوح داخلية أو إلى دول أخرى.
خارطة القوى الأجنبية
مع بدء عملية ردع العدوان التي أطلقتها المعارضة السورية المسلحة في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين ثاني 2024، وحررت من خلالها حلب وأجزاء أخرى من سيطرة النظام الذي هربت قواته بطريقة لم تكن متوقعة، وهو ما فتح شهية المعارضة السورية لتحرير المزيد من المناطق، علت الأصوات بأن تلك العملية انطلقت بعد تهديدات نتنياهو للرئيس السوري بشار الأسد، في اتهام مبطن حينا ومباشر حينا بأن الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة هما الداعمان لهذه العملية، وقد أعلن ذلك صراحة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مؤتمره الصحفي المشترك، مع نظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة قبل يومين، بينما رفض فيدان في المؤتمر ذاته ربط ما حدث بقوى دولية، موضحا أن السبب هو رفض النظام السوري التفاهم مع شعبه على مدار 13 سنة، كانت الاتهامات ضد الكيان والأمريكان، ثم تبعها على الفور اتهام تركيا بتحريك هذه العمليات بعد رفض بشار الأسد مقابلة أردوغان.
نتيجة طغيان النظام السوري ورفضه الحلول السياسية التي عرضت عليه خلال السنوات الماضية تزايد الوجود الأجنبي في سوريا، وكلٌ يغني على ليلاه، وكلٌ له أهدافه التي يعمل على تحقيقها، ووفقا لمركز الأبحاث السوري (جسور) يوجد في سوريا أكثر من 800 موقع عسكري أجنبي، “وتتفاوت القواعد والنقاط العسكرية للقوى الأجنبية في سوريا من حيث العدد والعتاد، والمهام المناطة بها، فقواعد التحالف الدولي ( بقيادة واشنطن) تسعى لملاحقة عناصر تنظيم داعش وتحقيق الردع ضد الأطراف الأخرى، تحديداً روسيا وإيران، بينما تعمل القوات التركية على حماية الأمن القومي للبلاد وتقويض التهديد الناتج عن سيطرة حزب العمال الكردستاني وانتشاره وأنشطته ضِمن مساحات واسعة من شمال وشمال شرق سوريا، أمّا القوات الروسية فتعمل على تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي مستفيدة من موقع سوريا الجغرافي وإطلالها على البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً إيران تسعى لاستكمال السيطرة على الإقليم والمنطقة الواصلة بين طهران وبيروت مروراً بدمشق، وتحرص القوات الأجنبية في سوريا باستمرار على زيادة انتشارها العسكري في سوريا أو الحفاظ على حجمه على أقل تقدير، باعتبار ذلك وسيلة أساسية لضمان حضورها في المشهد السوري وعدم تجاوُز دورها ومصالحها وسياساتها من قِبل القُوَى الدولية الأخرى”!!
مع وجود كل هذه القوى الأجنبية على الأرض السورية لم يعد النظام هو الحاكم الفعلي، بل كفلاؤه الإيرانيين والروس، كما لم تعد المجموعات المسلحة السورية وحدها في مواجهة النظام، فإلى جانبها كفيل تركي، وحضور لعناصر مسلحة غير سوريا أيضا، واختلط الحابل بالنابل، وأصبحت سوريا مهددة بالتقسيم حسب مناطق النفوذ المختلفة.
فرص الحل السياسي
تعددت جولات التفاوض بحثا عن حلول سياسية للأزمة السورية بين أستانا وسوتشي والقاهرة وجنيف الخ، لكنها اصطدمت جميعا بتعنت نظام الأسد، وزاد تعنته مع نجاحه ( بدعم روسي إيراني)في استعادة العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، ومن هنا يمكن التنبؤ أن التحولات الحالية في المشهد الميداني قد تجبر النظام على قبول الحلول السياسية للأزمة، لكن ذلك سيظل رهنا بقدرة المعارضة على تأمين ما حررته من مناطق، وقدرتها على الصمود في مواجهة هجمات النظام وحلفائه، كما أنه سيظل رهنا برغبة وإرادة القوى الدولية صاحبة الحضور العسكري والسياسي في تحقيق تلك التسوية.
من الحماقة أن يدعو البعض لانسحاب بعض القوات الأجنبية دون البعض الآخر، فالاستقامة السياسية تقتضي أن تشمل الدعوة جميع القوات والعناصر الأجنبية؛ الأمريكية والروسية والتركية والإيرانية وغيرها، وليترك الجميع الشعب السوري ليقرر مصيره دون تدخل أجنبي.