خريطة سداد الدين الخارجي المصري بالعام المقبل

كشف البنك المركزي المصري الثلاثاء الماضي عن تفاصيل أرصدة الدين الخارجي لمصر بمنتصف العام الحالي، التي انخفضت عما كانت عليه بنهاية العام الماضي، بعد خصم 11 مليار دولار تخص الإمارات في إطار شرائها لأرض رأس الحكمة بالساحل الشمالي، وسداد الأقساط والفوائد المستحقة بالنصف الأول من العام الحالي، وصعوبات إصدار سندات دولية في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة دوليا، وتدفق الأموال الساخنة بعد خفض قيمة الجنيه أمام الدولار في مارس/آذار الماضي، ورفع قيمة الفائدة على أوراق الدين الحكومي.

وهكذا بلغ الدين الخارجي بمنتصف العام حوالي 153 مليار دولار مقابل 168 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وتوزعت أنماط الدين الخارجي بمنتصف العام ما بين: 32% قروض من المؤسسات الدولية والإقليمية، و25% من عدد 24 دولة، و18% تمثل سندات دولارية وأخرى باليورو أو اليوان الصيني أو الين الياباني وصكوك دولارية، و17% ديون قصيرة الأجل تتراوح مدتها من عام فأقل، و7% قروض من بنوك وطنيه بدول أوربية وخليجية و1% تمثل قروض القطاع الخاص.

ومن حيث الدول المُقرضة لمصر فقد تصدرت السعودية بنصيب 11.5 مليار دولار، تليها الصين 6.7 مليارات دولار، والإمارات 6.8 مليارات دولار، والكويت 5.9 مليارات دولار، وبالمركز الرابع قطر 4 مليارات دولار، وروسيا 3.3 مليار واليابان 2.4 مليار وفرنسا 2.3 مليار وألمانيا ملياران، وبالمركز العاشر: الولايات المتحدة 690 مليون دولار.

وتوزعت جهات الاقتراض بالداخل المصري ما بين: 52% كقروض للحكومة العامة خاصة وزارات النقل والتعليم والتضامن الاجتماعي، و23% للبنك المركزي و13.5% للبنوك العامة والخاصة و11% لجهات أخرى، كما توزعت القروض من حيث الأجل ما بين 83% كقروض طويلة الأجل تزيد مدتها عن عامين إلى أربعين عاما، و17% كقروض قصيرة الأجل لمدة عام فأقل.

 22 مليار دولار مطلوب سدادها بالعام المقبل

وأشارت البيانات لبلوغ قيمة خدمة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل من أقساط وفوائد بالعام المقبل 22.5 مليار دولار، وعام 2026 نحو 24.6 مليار وبالعام التالي 13 مليار، وعام 2028 نحو 10 مليارات وعام 2029 نحو 8 مليارات دولار، ليصل إجمالي خدمة الدين متوسط وطويل الأجل بالسنوات الخمسة المقبلة 78 مليار دولار.

لكن ما سبق لا يمثل كل المطلوب سداده، حيث توجد خدمة للديون قصيرة الأجل، التي لا يتم إعلان قيمتها سوى لمدة أربعة فصول، حيث بلغ مجموعها من منتصف العام الحالي لمنتصف العام المقبل 27 مليار دولار، موزعة ما بين: 26 مليار للأقساط و1.1 مليار للفوائد الدين، ولقد جرت العادة على قيام السلطات المصرية بسداد فوائد الدين القصير وتجديد أقساطه.

وتوزعت خدمة الدين بالعام المقبل للدين متوسط وطويل الأجل البالغة 22.5 مليار دولار بالعام المقبل ما بين: 11.5 مليار دولار كأقساط وفوائد للمؤسسات الدولية والإقليمية، وأبرزها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، و4.7 مليارات لمستحقات الدول و4 مليارات دولار لإصدارات السندات المستحقة، و2.3 مليار لمستحقات ودائع الكويت والسعودية.

وهكذا يصبح مطلوبا من السلطات المصرية تدبير 22.5 مليار دولار لسداد أقساط وفوائد الدين متوسط وطويل الأجل، بخلاف ما تستطيع تدبيره من أقساط وفوائد الدين قصير الأجل البالغ 27 مليار دولار، فإذا لم تستطع وهو الأمر المتوقع فعليها سداد فوائد الدين القصير البالغة 1.1 مليار دولار، ليصبح الإجمالي المطلوب سداده 23.6 مليار دولار، فإذا لم تستطع فليس متاحا لها سوى قسط وديعة الكويت البالغ ملياران دولار لتأجيل سداده، ليصبح صافي المطلوب سداده بالعام المقبل 21.6 مليار دولار..

وهو مبلغ كبير بالقياس لحاجة السلطات لتدبير باقي الالتزامات، وأبرزها الواردات السلعية التي بلغت بالعام المالي الأخير 72 مليار دولار رغم القيود على الاستيراد، وحاجتها لتدبير المدفوعات الخدمية التي بلغت 16 مليار دولار، كذلك مدفوعات فوائد الاستثمار الأجنبي الموجود بمصر إلى بلدانه الأصلية التي بلغت 19.5 مليار دولار، وذلك بخلاف الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من البلاد، وغير ذلك من مدفوعات للخارج بلغ مجموعها بالعام المالي الأخير 151 مليار دولار.

  الأموال الساخنة تشكل غالب الاحتياطيات

سيقول البعض إن أرصدة الاحتياطيات من النقد الأجنبي قد زادت مؤخرا حتى بلغت حوالي 47 مليار دولار بنهاية أكتوبر / تشرين أول الماضي، لكن تلك الاحتياطيات معظمها قادم من الأموال الساخنة، كما تلك الاحتياطيات وتلك الأموال الساخنة لم تمنع من تراجع صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي بالشهور الأخيرة، من 14.3 مليار دولار بشهر مايو / أيار الى 9.2 مليارات بأكتوبر/تشرين أول.

بل إن صافي الأصول الأجنبية بالبنوك التجارية تحول مرة أخرى للعجز منذ شهر أغسطس/آب الماضي وحتى أكتوبر/تشرين أول كآخر بيانات منشورة، كما أن هذا العجز لصافي العملات الأجنبية بالبنوك التجارية زاد من 535 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار بشهري المقارنة، الأمر الذي دفع البنك المركزي لرفع فائدة أذون الخزانة مؤخرا لتصل إلى 31% لتشجيع الأجانب على شرائها، رغم ما يسببه ذلك من أعباء للموازنة العامة.

وهكذا يشير عودة العجز لصافى أرصدة الأصول الأجنبية بالبنوك التجارية بعد ثلاثة أشهر من تحقيق فائض، عقب خفض قيمة الجنيه المصري بمارس/آذار الماضي إلى استمرار مشكلة نقص الدولار مما دعا السلطات لطلب زيادة قرض صندوق النقد الدولي، وطلب قروض إضافية من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنوك الإقليمية الأوربية وغيرها، وها هي الصحف الاقتصادية لا تخلو من أخبار قروض جديدة لهيئات وزارة النقل ولجهات حكومية أخرى وللبنوك العامة والخاصة .

وعندما يقول البعض إن بيانات ميزان المدفوعات للعام المالي الأخير 2023-2024 تشير إلى تحقيق فائض بلغ حوالي 10 مليارات دولار، لكن فات هؤلاء أن هذا الفائض قد تحقق لوجود إيرادات غير متكررة متمثلة بصفقة رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار، كما أن الموارد قد شملت أيضا اقتراض جديد بقيمة 13 مليار دولار واستثمارات حافظة تمثل التزاما على مصر بقيمة 14.5 مليار دولار، أي أنه باستبعاد قيمة تلك القروض أو استثمارات الحافظة يكون الميزان الكلى للمدفوعات قد حقق عجزا حقيقيا..

كأنه لابد من الأخذ في الحسبان أن مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية التي بلغت 36.8 مليار دولار بمنتصف العام الحالي، تعد أموالا ساخنة غير مضمون استمرار بقائها ، فإذا تسبب برنامج ترامب لخفض ضرائب الشركات وترحيل العمالة الأجنبية  بعودة التضخم مرة أخرى، فسيضطر الفيدرالي الأمريكي للعودة لرفع الفائدة، مما يشجع استثمارات الحافظة بالدول الناشئة ومنها مصر على الخروج من الأسواق الناشئة  كما حدث قبل عامين.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان